الأحداث الأخيرة من منظور مختلف

الدكتور سيد حميد رضا قريشي، رئيس التحرير
عادةً ما يتم تحليل الوقائع كما تحدث من زوايا مختلفة، بمعنى أن كل فرد ينظر إليها من منظوره الخاص وتتكوّن تفسيرات متعددة عن واقعة واحدة.
إذا أردنا أن ننظر إلى الوقائع الأخيرة من منظور تاريخي، يمكننا مقارنة هذه السلسلة من الأحداث مع وقائع بداية انتصار الثورة الإسلامية.
في السنوات الأولى، وخاصة عام 1981 (1360 هـ ش)، واجهت الثورة الإسلامية الناشئة مخاطر كبيرة، ولكن بعون الله، تم بناء القدرة اللازمة لمواجهة تلك المخاطر ضمن بنية النظام، وتحت القيادة الحكيمة للإمام الخميني (رحمه الله) وبمشاركة الطاقات الخاصة للأمة الإسلامية والشعب الإيراني الشهيد، تحولت القدرة إلى فعل.
فقدان العمود الفقري لإدارة البلاد كان وحده كافيًا لسقوط النظام.
ومن جهة أخرى، كان ضعف البنية التحتية في البلاد وعدم وجود نظام واضح لتنظيم الأوضاع يزيد الأمور سوءًا.
بمقارنة وضع ذلك الوقت مع ظروف إيران الإسلامية بدءًا من 23/03/1404 هـ ش، يمكن رؤية بداية المواجهة مع نظام الهيمنة وانتشار الهجمات الوحشية من النظام الصهيوني الطاغي والقاتل للأطفال داخل جمهورية إيران الإسلامية، مما يظهر تكرار التاريخ بشكل واضح ولكن على مستوى مختلف.
صوت السماء
في الوقت الذي كان يُسحب فيه العمود الفقري لإدارة الدفاع في إيران من هذا الشعب في وقت قصير، وفي فراغ وجودهم تعرضت البلاد للهجوم وظهر المعتدون وكأنهم حققوا النصر. هذا النظام المزيف، بعد قتل النساء والأطفال والأبرياء في غزة، وبضوء أخضر من أمريكا الجشعة، قام بهذه الأعمال القبيحة عبر تجنيد جواسيس وعملاء داخليين.
لكنهم غفلوا عن أن هذه المرة، وبعد 46 عامًا، استطاع النظام استعادة إدارة البلاد خلال 24 ساعة، وإصلاح كافة النواقص، وبمساعدة النفس المسيحي لقائد الثورة العظيمة الإمام الخامنئي (مد ظله العالي) وبمساندة الشعب الواعي والقوي لإيران الإسلامية، تم إعادة تعيين جميع المناصب الرئيسية للدفاع وتجهيزها لاستمرار العمل.
لأن المقال طويل، سأكتفي بمقارنة واحدة وهي القرار التاريخي للإمام الخميني (رحمه الله) في كسر الحكم العسكري في 21 بهمن 1357 الذي أدى إلى النصر في 22 بهمن، مع إقامة مسيرة غدير التي بلغت 10 كيلومترات في 24 خرداد 1404.
كلا الحدثين وقعا في ظروف مماثلة وفي أصعب مراحل المواجهة مع العدو، وبفضل توجيه صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) والقيادة الحكيمة لقادة الثورة الإسلامية، انتهيا إلى النجاح.
في الحدث الأول عام 1357، لم يكن يُتوقع أن يحقق شعبٌ بدون أي إمكانيات تسليحية وهجومية، نصرًا على نظام مسلح حتى الأسنان، حيث أعلن النظام أنه سيُفرض حظر التجوال من الساعة 4 مساءً، على أمل تعزيز سلطته من خلال قمع ناشطي الثورة عبر غياب الناس عن الشوارع.
لكن بقرار فوري واستثنائي، أصدر الإمام (ره) أمره بالحضور وعدم الالتفات لحظر التجوال، فانهار حكم الشاه بعد حكم دام 2500 سنة.
وفي هذا العصر أيضاً، في الساعة 4 مساءً وفي ظروف حرب مفروضة على إيران الإسلامية منذ 23/03/1404، قررت السلطة أن يشارك الناس في مسيرة مركزية بطول 10 كيلومترات رغم المخاطر الواضحة لهيمنة العدو في ساعات الهجوم الأولى.
شارك الشعب الشهيد، رغم الظروف الأمنية الصعبة، في هذه المسيرة، ووجه رسالة واضحة للعالم أن هذا الشعب تحت قيادة ولاية الفقيه ما زال قادرًا على صنع المعجزات كما في العقود الأربعة الماضية، ويأمل بعون الله تعالى.
هذا الحضور في الوقت المناسب مكن القوات المسلحة من اتخاذ خطوات فعالة لمعاقبة المعتدي، ومنها إحباط العدو أمام صواريخ إيران الإسلامية، رغم الاستثمارات الضخمة في منظومات القبة الحديدية، مقلاع داوود، أروتات، وباتريوت المصممة لحماية الأراضي المحتلة.
لذا يجب أن ننظر إلى هذه الحركة الثورية بعقل منفتح وخالٍ من الأحكام المسبقة، ونعتبرها ثورة إسلامية جديدة تشهد ازدهار الحكم الديني بقيادة ولاية الفقيه في القرن الواحد والعشرين.
حركة استطاعت، بالاعتماد على القوة الإلهية والطاقات الشعبية (بنظرية تعاون الإمام والأمة)، بناء نظام متجذر يمكن أن يكون نموذجًا للأمم الأخرى، وممهّدًا لحركة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لتحقيق حكمه العالمي.
نأمل انتصار الحق على الباطل.