القسم السياسي

ترامب والمقامرة الخاسرة: إيران تخرج أقوى… لا تنخدعوا بالدعاية المضللة

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

كلما تصاعدت التصريحات العدائية من واشنطن وبعض العواصم الغربية، بدا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمسك بزمام المبادرة وتتحرك بثقة في ساحة إقليمية ودولية تدرك جيداً من يمتلك الإرادة الحقيقية ومن يتلاعب بالمواقف. الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتصريحاته المرتجلة وتناقضاته اليومية، لم يتمكن لا من كسر إيران ولا من زعزعة استقرارها الداخلي، بل إن الوقائع تكشف عن فشل استراتيجي مزدوج في الجانبين العسكري والسياسي.

في طهران، لم تُرفع راية الاستسلام، بل جاء صوت قائد الثورة صريحاً: «لقد صفعنا الأميركيين وسنواصل التحدي حتى النهاية». لم يكن هذا مجرد شعار دعائي، بل تعبير عن موقف دولة خرجت من المواجهة الأخيرة أكثر قوة وتمسكاً بمبادئها، وحضورها على الساحة الدولية بات أكثر وضوحاً رغم الحصار والضغوط.

منذ البداية، كانت حسابات أميركا خاطئة. ترامب، الذي ظن أن سياسة الخنق الاقتصادي ستُركع طهران، وجد نفسه أمام دولة تقف على قدميها، توجه ضربات محسوبة، وتدير أزمات المنطقة بمرونة استثنائية. لم يكن قادراً على تحمل تبعات حرب شاملة، لذلك تراجع في اللحظة الحاسمة واكتفى بالتغريد، في حين كانت إيران ترد ميدانياً.

لم تقع الحرب. ووعود الردع تبخّرت. لذلك لجأ ترامب لتبرير تراجعه بالحديث عن «عظمة قائد إيران»، وزعم أنه رفع بعض القيود مؤقتاً لأنه «أراد أن يمنحهم فرصة… لكنهم لم يشكروه». فهل هذه لغة رجل دولة؟ أم لغة مقامر خاسر يبحث عن ربح في بورصة الكلمات؟

الأسوأ من ذلك، أن ترامب لم يُدرك أن طهران تقرأ الرسائل جيداً. وحين تراجع عن التصعيد، أعادت إيران فتح منشآتها النووية واستعدت لاستئناف مستويات تخصيب اليورانيوم. فأي هزيمة هذه، إذا كانت الدولة المستهدفة لا تزال تفرض شروطها على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

وزير الخارجية الإيراني لم يتوسل التفاوض، بل تحدث بشروط واضحة: لا حوار ما دامت الإهانات تُوجه للقيادة الإيرانية. وهذا لوحده قلب معادلة الضغط: واشنطن تبحث الآن عن مخرج مشرّف، في حين ترفع طهران سقف مطالبها.

أما الحديث عن «تدمير البرنامج النووي الإيراني»، فهو مجرد كذبة أخرى ضمن سلسلة الأكاذيب التي تروجها أجهزة الدعاية. رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نفسه أكد أن إيران قادرة على العودة لتخصيب اليورانيوم خلال أشهر، أو حتى في وقت أقصر إذا لزم الأمر. فهل هذا وصف لبرنامج مدمَّر؟ أم لبرنامج تسيطر عليه إيران بالكامل؟

في العمق، ترامب لا يريد اليوم حرباً، ولا حتى مواجهة محدودة. ما يهمه الآن هو السوق الأميركية، وسعر النفط، ومؤشرات الأسهم. يعلم أن أي تصعيد كبير سيرفع سعر برميل النفط لأكثر من 100 دولار، والمواطن الأميركي هو من سيدفع الثمن عند مضخات الوقود، خصوصاً قبيل انتخابات حساسة.

ملايين الأميركيين يخرجون هذا الأسبوع للاحتفال بيوم الاستقلال، والهم الوحيد لديهم هو سعر البنزين. طهران فهمت هذا جيداً، وحددت نقطة ضعف أميركا بدقة واستغلتها بذكاء. لذلك تراجعت الإدارة الأميركية، وتجنبت المواجهة الشاملة، وبدأت بالمناورة السياسية دون تحقيق إنجاز فعلي.

في المقابل، لم يتغير سلوك الكيان الصهيوني. من يدير المشهد هناك لا يزال يناور، يدعي الانتصار، ويبحث عن صورة تحفظ ماء الوجه. لكنه لم يحقق أياً من أهدافه: لا البرنامج النووي توقف، ولا إيران انهارت، ولا محور المقاومة كُسر.

بل تلقى في غزة والضفة صفعات متتالية، وتعرض لتهديدات غير مسبوقة من اليمن ولبنان والعراق. حتى داخل الأراضي المحتلة لم يعد بمنأى عن تداعيات العدوان الفاشل. فهل هذا نصر؟ أم مؤشر على أزمة قيادة واختناق سياسي داخلي؟

من يراقب تفاصيل هذه المرحلة يدرك أن ما جرى كان نقطة تحوّل في ميزان القوى. إيران بثباتها وصبرها لم تنتصر عسكرياً فقط، بل كرّست مشروع استقلالها في مواجهة محور الهيمنة.

أما ترامب، فلن يُذكر في كتب التاريخ إلا كرئيس عنصري ومتهور حاول إخضاع أمة ذات حضارة ضاربة في عمق التاريخ، وانتهى به الأمر باحثاً عن تغريدة تحفظ له ماء وجهه أمام شعب ملّ الوعود الكاذبة.

أيها الأعزاء، إيران لم تنتصر فقط لأنها ردّت، بل لأنها لا تزال صامدة، تخطّط، تبني قوتها، وتفرض شروطها. أما أعداؤها فلم يتفاخروا إلا في لحظات الهزيمة، حين لجأوا إلى الانتصارات الإعلامية لستر هزائمهم الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى