الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً: حينما عاد اللهب إلى مصدره وظهرت إيران أكثر قوةً

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
لم تكن المواجهة الأخيرة سوى إعلان صريح عن فشل المغامرة العسكرية المتهورة التي شنها التحالف المعتدي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. استمرت هذه الحرب لمدة اثني عشر يوماً وانتهت باتفاق هش لوقف إطلاق النار، لم تُكشف تفاصيله بالكامل، لكنه أظهر بوضوح أن طهران خرجت من المعركة بأقل الخسائر وحتى حققت إنجازات استراتيجية عززت مكانتها الإقليمية وقدرتها الردعية.
رغم استخدام الطرف المقابل مجموعة واسعة من الأساليب العدائية — من الاغتيالات والتخريب الداخلي، إلى الطائرات المسيرة المفخخة، والهجمات على المنشآت النووية والعسكرية — لم تسر الحسابات كما أراد مخططو العدوان. الدولة التي حاولوا إسقاطها صمدت شامخة، وردت بضربات دقيقة في عمق العدو وفرضت معادلات ردع جديدة تجاوزت الحدود الجغرافية.
بدأت حملة العدوان بعمليات سرية وزرع خلايا تخريبية، تلاها موجة من القصف الجوي على منشآت حيوية داخل إيران، منها قواعد عسكرية، مراكز بحثية، وأحياء سكنية، إعلامية، وبنى تحتية خدمية، في محاولة واضحة لإحداث صدمة داخلية وفوضى عامة. لكن النتيجة كانت عكسية تماماً: الرد الإيراني لم يتأخر ولم يكن محدوداً.
في اليوم الرابع من الحرب، نفذت إيران هجوماً صاروخياً مركزاً على أهداف عسكرية حساسة في عمق الأراضي المحتلة. وبعد تدخل مباشر للقوات الأمريكية بهجمات موجهة على مواقع نووية، ردت طهران بقصف قاعدة عسكرية أمريكية في الخليج، معلنة أن ميادين الرد قد تشمل أي جهة متورطة في العدوان، وأن زمن التعدي على حدود إيران قد ولى.
كان من أبرز مظاهر الهزيمة الواضحة في هذه الحرب فشل المعتدين في تحقيق هدفهم الأساسي المعلن: إسقاط النظام الإيراني وإضعاف برامجه النووية والصاروخية. النظام لم ينهار، ولم تتوقف أي من المنشآت الاستراتيجية بشكل كامل، ولم يُسجل أي تباطؤ حقيقي في تقدم إيران ببرنامجها النووي السلمي.
بل صادق البرلمان الإيراني مباشرة بعد الحرب على قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو مؤشر على بداية مرحلة جديدة من سياسة الغموض النووي، تعكس عزم إيران على تثبيت حقوقها السيادية ورفض أي ابتزاز دولي.
دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الذي تابع الحرب بمزيج من الغضب والارتباك، وجد نفسه أمام خيار واحد: وقف تصعيد التوترات. وبعد تصريحات متضاربة تطالب إيران بـ”شكره” على منعه اغتيال قادتها، بدا أن واشنطن تتراجع، مدركة أن المزيد من التصعيد سيقلب الطاولة عليها، وأن حلفاءها الإقليميين لن يصمدوا أمام ضربات إيران الدقيقة والفعالة.
على الجانب الآخر، تكبد أعداء إيران خسائر اقتصادية وميدانية فادحة. أُغلق المطار الرئيسي، وانكسر الوهم المتمثل بـ “القبة الحديدية”، وشهد الاقتصاد هروباً كبيراً لرؤوس الأموال. وتشير التقديرات إلى إنفاق ما لا يقل عن 500 مليون دولار على صواريخ الاعتراض فقط. وحتى ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، أقر بأن “وقف إطلاق النار كان ضرورياً لإنقاذ الحليف”، الذي “تلقى ضربات موجعة وفقد زمام المبادرة”.
في المقابل، كانت ضربات إيران دقيقة ومدروسة زمنياً. لم يكن قصف إيران عشوائياً أو انتقامياً، فحين استهدف مصفاة في جنوب إيران، جاء الرد بقصف منشآت مماثلة في شمال الأراضي المحتلة. وعندما تعرضت مراكز بحثية إيرانية للقصف، ردت إيران بصواريخ على معهد فايسمان، الذي يشارك في أبحاث نووية هجومية. بهذه التوازنات الدقيقة، ثبتت طهران قدرتها على ردع العدوان، وفرضت معادلة “الرد المتبادل” بانضباط وتوازن استراتيجي.
على الصعيد الاجتماعي، فشلت الحرب تماماً في تحقيق أهدافها التخريبية داخل إيران. بل تحولت هذه المعركة إلى لحظة تجنيد وطني كبيرة، حيث توحد الإيرانيون حول قيادتهم، وأصبحت كل محاولة خارجية لـ”تفكيك النظام” فرصة لتجديد الثقة بالمبادئ الوطنية. خرج الفنانون والرياضيون والشباب من مختلف الخلفيات، العلمانيون والمتدينون، النساء والرجال، معلنين بوضوح: “نحن مع وطننا، لا مع المعتدي الأجنبي”.
حتى صور الأطفال والكوادر الطبية الذين فقدوا حياتهم في الهجمات العدوانية عززت الوعي العام بأن الحرب لم تكن تستهدف النظام فقط، بل كيان وهوية الدولة. وهكذا، تحولت الحرب التي كانت من المفترض أن تكون بداية النهاية إلى بداية وعي جديد وإعادة ترتيب استراتيجي للجمهورية الإسلامية التي نهضت من تحت الرماد أكثر ثباتاً وعزماً.
تغيرت المعادلة. لم تكتفِ إيران بالمقاومة، بل فرضت مساراً جديداً في الصراع الإقليمي والدولي، وأثبتت أن من يخطئ في حساباته ويظن أن الجمهورية الإسلامية ستنهار تحت ضغط الصواريخ أو الفتنة، لا يفهم لا منطق التاريخ ولا طبيعة شعب إذا وُجِه بالضرب… يرد بقوة.