القسم السياسي

اللعبة الكبرى للقوى والفرصة التاريخية لإيران

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

التطورات الأخيرة على الساحة العالمية تكشف عن معادلة معقدة لكنها مفهومة: صفقة خفية بين روسيا والولايات المتحدة بشأن ملفات أوكرانيا وإيران. هذه المعادلة، رغم التناقضات والغموض الظاهر، تكشف عند التدقيق نمط توازن قوى ومقايضات استراتيجية بين القوى الكبرى. وفي هذا السياق، تواجه إيران بوصفها لاعباً رئيسياً إقليمياً وعالمياً فرصة تاريخية لتثبيت مكانتها، بشرط التصرف بحكمة واستعداد كامل.

📌 التطورات الأخيرة والمؤشرات على تغيير في ميزان القوى العالمي


تُظهر الولايات المتحدة نفسها دعماً رئيسياً لأوكرانيا في وجه العدوان الروسي، إلا أن مؤشرات عدة تدل على تغيير في نهج واشنطن تجاه هذا الملف. خصوصاً بعد الاتصال الهاتفي الأخير بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، حيث تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تعيد النظر في سياساتها تجاه أوكرانيا. هذا الاتصال، الذي تمحور حول إيجاد حل لإنهاء النزاع، يعكس رغبة أمريكية في تخفيف التوتر مع روسيا وربما قبول تسوية ما.

الأدلة العملية على هذا التغير واضحة. الهجوم الروسي الكثيف وغير المسبوق على كييف الليلة الماضية باستخدام صواريخ متقدمة وطائرات بدون طيار هجومية لم يلقَ أي رد فعل عملي وفعال من الولايات المتحدة. على عكس المرات السابقة التي كانت واشنطن ترسل فيها أسلحة متطورة أو تفرض عقوبات جديدة، هذه المرة كان الصمت الأمريكي وانعدام التحرك رسالة واضحة لأوروبا والعالم: الولايات المتحدة قد تترك حلفاءها في اللحظات الحرجة. وهذا الانفعال يشكل تحذيراً خطيراً ليس فقط لأوكرانيا بل لأوروبا بأكملها، ويدل على إعادة تعريف واشنطن لأولوياتها الاستراتيجية.

📌 ما الرسالة الواضحة من هذه التطورات؟


تحليل دقيق لهذه الأحداث يكشف عن توازن غير معلن لكنه عميق بين القوى الكبرى. كما أن روسيا في مراحل حساسة، ومنها مواجهة الاعتداءات الواضحة من قبل الكيان الصهيوني ضد إيران، امتنعت عن تقديم دعم حاسم لطهران، فإن الولايات المتحدة أيضاً فقدت الحافز والإرادة لدعم أوكرانيا بلا شروط. هذا التوازن، الذي يمكن تلخيصه بـ “عدم دعم روسيا لإيران = عدم دعم أمريكا لأوكرانيا”، هو صفقة استراتيجية يتخلى فيها كلا الطرفين عن دعم كامل لحلفائهما مقابل الحفاظ على مصالحهما.

هذا الوضع له جذور في الواقع الجيوسياسي والقيود الداخلية لدى كل من روسيا وأمريكا. روسيا تحرص على إيران كحليف استراتيجي ضد الغرب، لكنها لا ترغب في دفع تكاليف سياسية وعسكرية باهظة بسبب دعمها. بالمثل، تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً داخلية، إرهاقاً من الحروب الطويلة، وحاجة لتركيز جهودها على التحديات الداخلية والإقليمية مثل المنافسة مع الصين، مما يقلل من رغبتها في استثمار غير محدود في أوكرانيا.

🔻 المخاطر الكامنة في هذا التوازن الجديد


في صلب هذه التطورات، توجد مخاطر كبيرة لإيران لا يمكن تجاهلها. من أبرزها احتمال هجوم منسق وقوي من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ضد إيران. الكيان، الذي فقد كثيراً من مصداقيته بسبب إخفاقاته في مواجهة محور المقاومة والضغوط الداخلية، بحاجة ماسة لعمل استعراضي عدواني لإعادة بناء صورته داخلياً وخارجياً ولصرف الانتباه عن مشاكله.

من جهة أخرى، قد تمنح الولايات المتحدة الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لمثل هذا الهجوم في إطار صفقة ضمنية مع روسيا. هذا الاحتمال يزداد قوة بالنظر إلى تصريحات مسؤولي الكيان وبعض دوائر واشنطن المتشددة التي طالما دعت إلى “عمل حاسم” ضد البرنامج النووي الإيراني ونفوذها الإقليمي. في هذا السيناريو، يجب أن تكون إيران مستعدة لأي عملية عسكرية، سواء كانت إلكترونية، صاروخية أو جوية.

🔺 ضرورة الاستعداد الكامل لإيران


مواجهة هذه التهديدات تتطلب استعداداً استراتيجياً كاملاً للقوات المسلحة الإيرانية، يجب أن يشمل جميع المجالات الدفاعية: الصاروخية، الدفاع الجوي، الاستخباراتية والسيبرانية بأعلى مستويات الجاهزية.

التجارب السابقة مثل الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية والاغتيالات المستهدفة تظهر أن أعداء إيران يستغلون كل فرصة لإضعافها. لذلك، يجب تعزيز منظومات الدفاع الجوي، رفع القدرات السيبرانية لمواجهة الهجمات الرقمية، وزيادة دقة ومدى الصواريخ الباليستية.

كما أن رفع مستوى التنسيق مع محور المقاومة وحلفاء إيران الإقليميين (حزب الله لبنان، أنصار الله اليمن، ومجموعات المقاومة في العراق) يعزز بشكل كبير القدرة الردعية للمعسكر الإسلامي، وهذا التنسيق ذو أهمية سياسية ودبلوماسية إلى جانب الأهمية العسكرية، حيث يشكل جبهة موحدة ترهب أي مغامرة عسكرية محتملة.

💬 فرصة تاريخية لإيران


في هذا الوقت الحساس، لا تعد إيران الإسلامية متفرجة سلبية على المسرح العالمي، بل بذكاء استراتيجي، قوة إيمان وروح مقاومة، يمكنها الاستفادة من توازن القوى المتغير لصالحها. فقد أثبتت إيران في السنوات الماضية قدرتها على تحويل التهديدات إلى فرص، فعلى سبيل المثال، العقوبات الغربية الثقيلة رغم أوجاعها الاقتصادية أدت إلى تطوير القدرات الدفاعية والعلمية والتكنولوجية المحلية.

الآن يمكن لإيران تعزيز دبلوماسيتها الإقليمية، توسيع علاقاتها مع القوى الناشئة مثل الصين والهند، وتطوير قدراتها الردعية العسكرية لتثبيت مكانتها كمركز عدالة عالمي. هذا يتطلب نهجاً متعدد الجوانب يشمل تعزيز الاقتصاد المقاوم، توسيع التعاون مع الدول الصديقة، واستخدام الإعلام لمواجهة الحرب النفسية للأعداء.

✊ انتصار جبهة الحق


في النهاية، رغم التهديدات والتعقيدات، تتيح هذه التطورات فرصة فريدة لإيران لتثبيت دورها المحوري في العالم الإسلامي وجبهة العدالة، بالإيمان، المقاومة والذكاء. وبفضل الله، سينتهي هذا المسار بانتصار جبهة الحق وفضح معسكر الباطل. إيران بقيادة حكيمة وقوات مسلحة جاهزة، قادرة على إنهاء هذه اللعبة الكبرى لصالحها ولصالح محور المقاومة.

روحي فداء للقائد…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى