هل تستطيع إيران إعادة رسم خارطة المنطقة لصالحها بعد هجمات الأعداء؟

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
بعد المقاومة المستمرة والنجاحات الاستراتيجية في مواجهة الهجمات، أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في موقع يتيح لها، من خلال دبلوماسية ذكية، تعزيز التحالفات الإقليمية وترسيخ مكانتها.
عندما صمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام العمليات العسكرية الغربية وحلفائها، لم تحافظ فقط على بنيتها الدفاعية والنووية، بل أرسلت رسالة واضحة للعالم: إيران لا تُهزم ولن تتنازل عن حقوقها الوطنية والإقليمية. هذه نقطة تحول تاريخية تمكّن إيران من تشكيل شرق أوسط جديد تلعب فيه دوراً محورياً ونفوذاً غير مسبوق.
بعيداً عن الدعاية واتهامات الأعداء، الواقع هو أن القدرات الدفاعية والتكنولوجية لإيران تتصاعد يوماً بعد يوم، وحتى بعد الهجمات تستمر إيران في تحقيق تقدم علمي، اقتصادي وعسكري. هذا القوة جعلت إيران محور الاستقرار والقوة في المنطقة، ولا يستطيع أي طرف بسهولة مواجهتها.
المهمة الصعبة أمام إيران الآن هي تحويل إنجازاتها إلى انتصارات سياسية واستراتيجية دائمة، وهذا الهدف يتحقق فقط بالحفاظ على الوحدة الداخلية، تعزيز التعاون الإقليمي، واستثمار القدرات الدبلوماسية.
الأولويات العاجلة لإيران تشمل حفظ الأمن الوطني والإقليمي، تقليل التوترات، والسعي لإنهاء الحروب والأزمات التي تسبّب بها الأعداء وبالأخص الكيان الصهيوني. كما تؤكد طهران على إطلاق سراح جميع الرهائن ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.
مطالب إيران الأساسية تشمل ضمان حقوقها النووية السلمية، زيادة قدراتها الدفاعية، تعزيز محور المقاومة، ودعم الشعوب المظلومة في المنطقة. وهذه المطالب تحظى بدعم شعبي ورئاسي كامل، ولا تستطيع أية ضغوط خارجية تغييرها.
رغم الضغوط السياسية الداخلية والخارجية التي يمارسها بعض الأطراف والدول، فإن نجاحات إيران على الساحات الميدانية والدبلوماسية تعني أنها ليست فقط قادرة على المواجهة، بل بإمكانها لعب الدور الأول على المستويين الإقليمي والدولي.
إيران تسير في طريق بناء نظام إقليمي جديد يقوم على الاستقلال والعدل والاحترام المتبادل، ولن تسمح لأي قوة أجنبية أو جهة تابعة لها بالسيطرة على المنطقة.
قيادات إيران دائماً ما تؤكد على ضرورة استخدام «الإطار الأكبر» الذي يشمل جميع دول المنطقة وحتى أبعد، لتأسيس حوار شامل وتعاون شامل.
اليوم، مع توسيع التعاون الاستراتيجي مع دول المنطقة وما بعدها، تبني إيران إطاراً يضمن الأمن والتنمية المستدامة ويعزز مكانتها كفاعل رئيسي في المنطقة.
الدول الإقليمية التي كانت تحت ضغط الغرب بدأت تتجه بشكل متزايد نحو التفاعل البناء والتعاون مع إيران، مما يعزز محور المقاومة ويقلل من نفوذ الأعداء.
نهج إيران القائم على المقاومة الفاعلة، الاعتماد على الذات، والدبلوماسية الذكية، مكّنها من البقاء أقوى وأكثر ثباتاً في مواجهة التهديدات والعقوبات.
بعد هزيمة حماس ومحاولات إعادة هيكلة غزة، يطرح سؤال جوهري عن مستقبل المنطقة: كيف ستُبنى الهياكل الحكومية والأمنية الجديدة التي تضمن مصالح شعوب المنطقة ومحور المقاومة؟
النماذج التي تعتمدها إيران تركز على مشاركة الدول الإقليمية المستقلة، تعزيز الأمن الحدودي، إعادة الإعمار الاقتصادي، والإدارة المحلية للأمور، وهي نماذج ترفض هيمنة الأجانب والقوى التابعة للأعداء.
الهدف هو إقامة هياكل تضمن الاستقلال والأمن والعدالة لجميع الشعوب وتمنع الاحتلال أو النفوذ المباشر للأجانب.
في المجال النووي والدفاعي، حددت إيران خطوطها الحمراء بوضوح وسترد بقوة وتنسيق كامل على أي محاولة لانتهاكها.
كما توسع إيران تعاونها الاقتصادي والتجاري مع الدول الصديقة والحليفة لتعزيز استقلالها الاقتصادي وقدرتها الوطنية.
ورغم أن هذه الجوانب أقل إثارة من الحروب والسياسة، إلا أنها تشكل أساس الاستقرار والتقدم للبلد والمنطقة.
ما أهمية هذه التطورات لإيران؟
إيران كقوة إقليمية صمدت أمام الهجمات والعقوبات، تسير الآن على طريق تثبيت مكانتها الإقليمية والعالمية.
الدعم الشعبي الواسع، إلى جانب التحالفات الاستراتيجية الإقليمية، يمكن إيران من المساهمة بقوة وثقة في تطوير وأمن المنطقة.
هذا المسار جعل إيران نموذجاً للدول التي تسعى للاستقلال والعدل والسلام الحقيقي.
إيران تشكّل شرق أوسط جديداً يقوم على الاحترام المتبادل والتعاون والاعتماد على الذات، ويضمن السلام والأمن المستدامين.
مع هذه التطورات والمقاومة المستمرة، من الواضح أن استمرار الكيان الصهيوني في حربه وعدائه لإيران لن يؤول إلى مستقبل مشرق أو مستقر، بل إلى انهيار كامل ووشيك لهذا النظام غير الشرعي.
القوة الدفاعية والقدرات الاستراتيجية لإيران وحلفائها تكفي لجعل أي عدوان إضافي يؤدي إلى تدمير البنية العسكرية والسياسية لهذا الكيان.
لذلك، السبيل الوحيد أمام الكيان الصهيوني هو وقف العدوان وقبول سلام حقيقي قائم على العدالة واحترام حقوق شعوب المنطقة، وخاصة حقوق الشعب الفلسطيني من النهر إلى البحر، والبدء في الاستفتاء الشامل المقترح من قبل الإمام الخامنئي.
وإلا فإن تاريخ هذا النظام يتجه نحو النهاية، ومستقبل الشرق الأوسط سيرسم بقيادة إيران ومحور المقاومة.