القسم السياسي

مقاومة إيران في مواجهة الضغوط الغربية: رؤية الإمام الخامنئي ومستقبل المفاوضات النووية

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

إيران، كدولة ذات سيادة مستقلة وتاريخ طويل في الصمود، تقف اليوم في الصفوف الأمامية للأمم التي تدافع عن استقلالها وحقها في تطوير قدراتها العلمية والتكنولوجية، بما في ذلك برنامجها النووي السلمي. في ظل العقوبات الاقتصادية القاسية والضغوط السياسية والعسكرية التي تمارسها القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، أثبتت إيران أنها ليست مجرد دولة مقاومة، بل قوة إقليمية قادرة على فرض شروطها في المعادلات الدولية.

يتناول هذا المقال موقف إيران تجاه المفاوضات النووية مع التركيز على رؤية قائد الثورة الإسلامية، الإمام السيد علي خامنئي، وتجربة خطة العمل الشاملة المشتركة (البرجام) لعام 2015، مع تسليط الضوء على التحديات الحالية والمستقبلية.


رؤية الإمام خامنئي: المفاوضات مع الغرب سمٌ قاتل

أكد الإمام الخامنئي، حفظه الله، على موقفه الصريح والثابت تجاه المفاوضات مع أمريكا، مشدداً على أن المفاوضات ليست حلاً لمشاكل البلاد، بل وسيلة لإبعاد الأمة عن الطريق الصحيح. قال:

«يقول بعضهم: المفاوضات ليست مشكلة! لكن المشكلة ليست في الحوار نفسه، بل في نتائجه… المشكلة أن المفاوضات تخرجكم عن الطريق الصحيح، وتأخذ منكم حقوقكم، وتمنحها لمن لا يستحق، وتمنع من يعطيكم حقكم.»

وأضاف:

«في الظاهر يعطون وعوداً، ولكنهم في الحقيقة يتآمرون… هذا هو أمريكا… هذه هي التجربة.»

هذه الكلمات تعكس تجربة إيران المريرة مع الغرب، حيث تعد الوعود مجرد واجهة بينما تُخطط المؤامرات لتضعيف مصالح الجمهورية الإسلامية.

وحذر الإمام الخامنئي قائلاً:

«هذه التجربة تقول لنا إن هذا العمل سمٌ مميت لنا.»

«هذه التجربة هي عدم الثقة بالغرب.»

وأشار إلى أن التاريخ أثبت عدم جدوى الثقة بالغرب، وأن هذه الدروس يجب أن تكون مرشداً للأجيال القادمة.


تجربة البرجام 2015: إنجاز دبلوماسي وسط خيانة الغرب

في 2015، توصلت إيران مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا) إلى جانب ألمانيا، إلى اتفاق يُعرف بالبرجام. كان هذا الاتفاق إنجازاً دبلوماسياً كبيراً لإيران، إذ أظهر قدرتها على التفاوض من موقع قوة والحفاظ على حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية بنسبة 3.67%، إضافة إلى التزامات بتقليل المخزونات وتحديد عدد أجهزة الطرد المركزي، والسماح بتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.

لكن هذا الإنجاز لم يدم طويلاً، إذ انسحبت الولايات المتحدة بشكل أحادي في 2018 تحت إدارة دونالد ترامب، بزعم أن الاتفاق لا يتناول البرنامج الصاروخي الإيراني ودعم إيران للمقاومة الإقليمية، وفرضت عقوبات أشد، ما زاد التوترات في المنطقة، مؤكداً صحة تحذيرات القيادة الإيرانية.


المفاوضات مع الحفاظ على الاستقلال وخطوط حمراء للحاكمية

في ظل الظروف الحساسة، خاصة بعد الاعتداء المشترك الصهيوني-الأمريكي على المنشآت النووية في يونيو 2025، أعلنت إيران تمسكها بخطوطها الحمراء مع إظهار مرونة دبلوماسية. أكد عباس عراقجي، وزير الخارجية، استعداد إيران لاستئناف المفاوضات بشرط تقديم ضمانات قوية بعدم تكرار الهجمات العسكرية. وأوضح أن الهجوم على نطنز وفوردو صعّب الحلول الدبلوماسية، لكنه لم يقض على البرنامج النووي الإيراني الذي يمثل رمزاً للتقدم العلمي والسيادة الوطنية.

وأشار عراقجي إلى أن التعاون مع الوكالة لم يتوقف، لكنه سيتخذ «شكلاً جديداً» يرتكز على الاعتبارات الأمنية الوطنية، مع إدارة طلبات التفتيش، وهو موقف يعكس استراتيجية إيران للحفاظ على سيادتها. وفي يوليو 2025، أعلنت إيران تعليق تعاونها الرسمي مع الوكالة، بقرار من البرلمان وتوقيع الرئيس مسعود پزشکیان، مؤكدة إرادة صلبة في عدم الاستسلام للضغوط، مع إبقاء أبواب الدبلوماسية مفتوحة.


الاعتداء الصهيوني-الأمريكي: محاولة فاشلة لكسر إرادة إيران

في 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل بدعم أمريكي هجوماً دام 12 يوماً على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية بذريعة منع حصول إيران على سلاح نووي، إلا أن تقييمات استخباراتية، منها تقرير البنتاغون، أظهرت أن هذه الهجمات لم تقضِ على البرنامج، بل أرجأته لعدة أشهر فقط. وهذا يعكس صلابة البنية التحتية النووية الإيرانية وقدرتها على الصمود أمام الضربات، نتيجة للتخطيط الاستراتيجي والتدابير الأمنية للجمهورية الإسلامية.

في المقابل، لم تقدم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أي دليل موثق يدعم ادعاءاتهما حول السعي الإيراني للسلاح النووي، حيث أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً أن برنامج إيران لا يتجاوز الأهداف السلمية. ويكشف ذلك ازدواجية الغرب، إذ يُسمح للكيان الذي يملك أسلحة نووية دون رقابة دولية أن يتهم إيران المشروعة بحقها.


لماذا تصر إيران على حق التخصيب؟

إصرار إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم ليس مجرد مسألة تقنية، بل هو رمز لاستقلالها وسيادتها الوطنية. البرنامج النووي الإيراني، الذي بدأ بدعم أمريكي في عهد الشاه، تحول بعد الثورة إلى مشروع وطني يعكس إرادة البلاد في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. ويُعتبر تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية حقاً قانونياً بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) التي وقعت عليها إيران.

أسباب تمسك إيران بهذا الحق تشمل:

  • الأمن الوطني: البرنامج النووي يُعتبر رادعاً استراتيجياً أمام التهديدات المستمرة من الكيان الصهيوني وأمريكا.
  • الاستقلال الاقتصادي: الاعتماد على الطاقة النووية يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويعزز الاستدامة الاقتصادية.
  • التقدم العلمي: البرنامج يعكس الإنجازات العلمية لإيران رغم العقوبات.
  • المقاومة أمام الهيمنة: إيران ترى في الضغوط الغربية محاولة لفرض السيطرة السياسية، والتشبث بالتخصيب تجسيد لإرادتها الوطنية ضد الإذلال ونقض السيادة.

التحديات المستقبلية ورد إيران

تواجه إيران تحديات معقدة في مسار المفاوضات، مع ضغوط أمريكية تحاول فرض شروط تتجاوز البرنامج النووي لتشمل القدرات الصاروخية والنفوذ الإقليمي، وهو ما يتعارض مع خطوط إيران الحمراء. ورغم ذلك، أظهرت إيران مرونة دبلوماسية عبر استعدادها للعودة إلى المفاوضات مقابل ضمانات حقيقية لمنع التكرار العسكري، مع مراجعة شروط التفتيش وفقاً للمصالح الأمنية.


الدور الإقليمي والدولي لإيران

موقف إيران من المفاوضات مرتبط بدورها كداعم للمقاومة ضد الهيمنة الصهيونية والأمريكية في المنطقة. بدعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن، أثبتت إيران أنها العمود الفقري لمحور المقاومة، ما يجعلها هدفاً رئيسياً للضغوط الغربية التي تحاول استغلال الملف النووي لتقليل نفوذها.

ومع ذلك، تمتلك إيران أوراق قوة مهمة تمكنها من الصمود:

  • دعم شعبي واسع: الشعب الإيراني يقف صامداً إلى جانب قيادته، مستلهماً روح المقاومة.
  • قدرات عسكرية متقدمة: برنامج الصواريخ الإيراني يشكل رادعاً استراتيجياً.
  • تحالفات دولية: تعزيز العلاقات مع روسيا، الصين، وكوريا الشمالية يزيد من دعمها السياسي والاقتصادي.
  • دبلوماسية نشطة: وساطة دول مثل عمان تتيح لإيران الحفاظ على قناة حوار دون التفريط بمبادئها.

إيران تقاوم بالسيادة والصمود وتنتصر

تواجه إيران اليوم تحديات كبيرة، لكنها ثابتة على موقفها الرافض للاستسلام للضغوط الغربية. رؤية قائد الثورة، الذي اعتبر المفاوضات مع الغرب «سمّاً قاتلاً»، ترتكز على تجربة تاريخية تثبت عدم جدوى الثقة في وعود أمريكا. فقد كشف برجام 2015 حقيقية الغرب حين انسحب الأمريكيون وتركوا إيران وحدها في التزاماتها، مما عزز ثقافة الاعتماد على الذات في إيران.

تمسك إيران بحقها في التخصيب وصمودها أمام الضغوط لاستهداف برنامجها الصاروخي لا ينبع من عناد، بل هو تعبير عن إرادة شعب لا يقبل الهيمنة ويعتبر استقلاله خطاً أحمر. رغم استمرار التهديدات العسكرية والعقوبات الاقتصادية، تواصل إيران بناء قدراتها العلمية والعسكرية وتعلن أنها لن ترضخ للضغوط أبداً.

الشعب الإيراني عبر تاريخه أثبت أن كل قطرة دم تُسفك في ساحات الدفاع ليست من أجل الأرض فحسب، بل من أجل إيمان عميق، وكرامة لا تنحني، ومستقبل يُبنى بإرادة الأمة.

تحت قيادة الإمام الخامنئي (روحه فداه) وبصلابة شعبه، ستظل إيران رمز المقاومة والاستقلال، مستمرة في الصمود حتى تحقق مستقبلاً يليق بكرامتها وتاريخها المجيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى