النظام الصهيوني غير الشرعي: جريمة مستمرة ضد الإنسانية… وغزة الجريحة، رمز الصمود الأبدي

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
وجود النظام الصهيوني في أرض فلسطين لم يكن أبداً إلا تجسيداً حياً للمشروع الاستعماري الغربي في المنطقة. نظام ملعون، بلا جذور في الأرض، وغير شرعي في الضمير الإنساني. أُقيم بالسيف، وحُمى بنيران القنابل، وزُرع كورم سرطاني في قلب الأمة الإسلامية ليكون خنجراً في خاصرتها ورأس سهم في مشروع السيطرة على الشعوب.
من تأسيسه على أنقاض منازل الفلسطينيين في نكبة 1948، إلى الاعتداءات المتكررة على غزة، والضفة الغربية، والقدس، ومن احتلال لبنان عام 1982 إلى سلسلة من الاغتيالات والمجازر الجماعية في صبرا وشاتيلا، والقانا، وجنين، وخان يونس، أثبت هذا النظام مراراً أنه خارج إطار الإنسانية. لكن ما يحدث اليوم في غزة تجاوز حتى قاموس الجرائم الكلاسيكية ووصل إلى حد الإبادة الجماعية المخططة.
غزة؛ الجرح الذي لا يلتئم أبداً
تحولت غزة من منطقة جغرافية محاصرة بين البحر والأسلاك الشائكة إلى رمز لألم فلسطين وتجسيد للعزة والثبات في مواجهة واحدة من أكثر آلات القتل دموية في العصر الحديث. غزة وحيدة، لا سند لها إلا الله، لكنها تنهض من تحت الأنقاض بعد كل اعتداء، تبني أحلامها على دماء أطفالها وصراخ نسائها.
غزة أصبحت الآن ميدان اختبار أخلاقي للبشرية جمعاء. من يصمت أمام ذبح الأطفال، وتجويع المدنيين، وتدمير المستشفيات، وقطع الكهرباء والماء عن مليونين من البشر، لم يعد بإمكانه الادعاء بأنه مدافع عن حقوق الإنسان أو يمتلك ضميراً يقظاً.
اعتداء لا نهاية له… وعمليات قتل مستمرة
كل اعتداء صهيوني على غزة يتبع نمطاً ثابتاً: قصف مكثف، مجازر جماعية، تهجير قسري، تدمير البنى التحتية، واستهداف مباشر للمدنيين. لكن الاختلاف في الاعتداء الأخير هو أن النظام الصهيوني لم يكتفِ بالقوة العسكرية، بل اتبع أساليب جديدة للقتل التدريجي: تجويع متعمد، قطع الكهرباء والماء، حرمان الأطفال من الطعام والدواء، ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
الصور المنشورة من غزة اليوم ليست مجرد مشاهد حرب، بل تعيدنا إلى عصور القرون الوسطى: مستشفيات بلا وقود، أطفال يموتون على أبواب المستشفيات، عائلات تحفر الأرض للعثور على ماء، وطوابير انتظار طويلة لقطعة خبز.
سلاح الجوع: جريمة مخفية
في كثير من الصراعات المعاصرة، لم تعد الحروب تُدار فقط بالطائرات والدبابات. أصبحت مستلزمات الحياة الأساسية نفسها سلاحاً للموت. حين يُحرم الطعام، وتُحاصر الأدوية، ويُمنع الوقود من الدخول، يصبح المدني هدفاً مباشراً، ويصبح الجوع سلاحاً قاتلاً كالقنبلة.
وهذا بالضبط ما يحدث في غزة اليوم. النظام الصهيوني، بموافقة ضمنية من الغرب وصمت العالم العربي، يحاصر غزة منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً ولا يسمح بدخول أي من ضروريات الحياة: من معدات طبية إلى قطع غيار، من كتب إلى إسمنت، من دواء إلى طعام.
اليوم، ومع تصاعد الاعتداءات، أطلقت عدة منظمات دولية عدة صافرات إنذار وحذرت من كارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من 2.2 مليون إنسان.
تحذير المؤسسات الدولية
في تقرير مشترك، أبلغت مؤسسات مثل:
• مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)
• وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)
• منظمة أوكسفام
• منظمة إنقاذ الأطفال (Save the Children)
عن تفاقم الوضع الإنساني في غزة. وأكدوا أن أكثر من 90٪ من سكان غزة يجدون صعوبة في تأمين الغذاء الكافي، وأن آلاف الأطفال معرضون لخطر الموت جوعاً.
جوناثان ويتال، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، صرح بوضوح غير مسبوق:
«ما يحدث في غزة ليس مجرد جوع، بل سياسة ممنهجة للجوع المتعمد.»
هذه التصريحات توضح أن العالم يدرك ما يحدث في غزة… لكنه اختار الصمت.
تدمير النظام الصحي والعلاجي
بالإضافة إلى الجوع، عمد النظام الصهيوني إلى تدمير كامل لمنظومة الصحة. استُهدفت عشرات المستشفيات، دُمّرت مئات سيارات الإسعاف، وقُصفت محطات توليد الكهرباء التي تغذي المستشفيات. والنتيجة: خروج معظم المستشفيات من الخدمة، عجز عن استقبال الجرحى، وموت تدريجي لآلاف المرضى على الأرصفة.
ولا ننسى الجريمة الرهيبة التي هزت ضمير العالم (لو بقي ضمير): قصف مستشفى المعمداني في غزة، حيث تحصن مئات النساء والأطفال، وتحول خلال ثوان إلى كتلة من النار وقطع الأشلاء.
جيش بلا شرف… ونظام بلا أخلاق
يحاول النظام الصهيوني تصوير نفسه كـ«الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» وجيشه كـ«الأخلاقي» عالمياً. لكن جرائم الحرب والدمار تكشف هذه الأكاذيب الوقحة. من يقتل الأطفال في أحضان أمهاتهم، ويمنع دخول الحليب للمستشفيات، ويستخدم القنابل الفسفورية والأسلحة المحظورة دولياً، هو جيش قاتل لا شريف.
القادة السياسيون في هذا النظام يديرون حرب إبادة عرقية بوعي كامل، أمام كاميرات العالم، وبدعم كامل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا.
تواطؤ عالمي… وخيانة عربية
لم يعد الصمت الدولي تجاوز تقصير، بل أصبح تواطؤاً واضحاً. كيف يمكن تبرير عدم إصدار مجلس الأمن لأي قرار ملزم؟ كيف تتوقف المساعدات الإنسانية؟ كيف يمكن تبرير «الدفاع المشروع» لنظام يقتل المدنيين عمداً ويقصف المدارس؟
بعض الأنظمة العربية التي طبّعت علاقاتها مع العدو بفخر اليوم، بصمتها أو تواطؤها، شريكة في هذه الجريمة الجماعية ضد غزة. لم تمنع التطبيع القتل، بل شجّعه. صمتها ليس حياداً، بل خيانة لدماء الشهداء، وللقدس، وللأمة الإسلامية كلها.
غزة لا تستسلم… والمقاومة مستمرة
رغم هذه الدمار الهائل، رغم أنين الجرحى وصراخ الأطفال، تظل غزة صامدة. تقاوم بكل ما تملك، تحارب وسط الجوع، تبني أسلحتها من الصفر، وتفاجئ العدو في كل معركة.
كل صاروخ يُطلق من غزة إعلان رفض للذل، أن هذه الأرض ليست للبيع، وأن القدس ليست موضوع تفاوض، بل عهد إلهي لا يُنكسر.
المقاومة ليست ميتة ولن تموت. ليست فقط مجموعة عسكرية، بل ثقافة راسخة، روح تجري في عروق الأمهات والآباء والأطفال. كل قطرة دم تُراق في غزة هي وقود لغدٍ فيه صمود أكبر واستعداد أقوى للنصر.
✳️ ما يحدث اليوم في غزة اختبار نهائي للإنسانية: إما أن تقف إلى جانب الضحية والمظلوم والمقهور، أو بالصمت والتبرير تقف إلى جانب القاتل والظالم والمجرم.
النظام الصهيوني يرتكب اليوم واحدة من أبشع جرائم العصر.
لكن غزة، بكل جراحها، تكتب ملحمة صمود باسم جميع أحرار العالم.
وغداً، عندما يسقط هذا النظام ـ كما سقط كل ظلم في التاريخ ـ ستكون غزة شاهدة… لم تنحنِ، ولم تخنِ، ولم تتنازل عن حقها.