القسم السياسي

تقارب مصر وإيران يثير قلق النظام الصهيوني

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

كشف تقرير نشره موقع “عرب إكسبرت” التابع للنظام الصهيوني عن تطورات مهمة في العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران خلال الأسابيع الماضية؛ وهي خطوة أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والإقليمية.
وأشار التقرير إلى أن هذا التقارب يتجاوز الطابع الرمزي، إذ نقلت طهران وثائق سرية إلى القاهرة تكشف عن خطط للنظام الصهيوني تستهدف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجيش المصري، وكذلك مصر بشكل عام، رغم اتفاقية كامب ديفيد التي تربط القاهرة بالنظام الصهيوني. هذه الوثائق حصلت عليها مصادر داخل النظام الصهيوني، وتدل على مستوى متصاعد من التعاون الاستخباراتي بين طهران والقاهرة.

علامات التقارب الدبلوماسي والشعبي

 

أشار التقرير إلى زيارة وزيرين إيرانيين لمصر مؤخرًا، وهي خطوة غير مسبوقة بعد سنوات من التوتر بين البلدين. كما استجابت طهران لطلب مصر بتغيير اسم شارع في طهران كان يحمل اسم خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات؛ وهو مؤشر على رغبة إيران في تخفيف التوترات التاريخية مع مصر. واعتبر مصدرون في النظام الصهيوني هذا الإجراء دلالة على تفاهم وتنسيق متزايدين بين البلدين لمواجهة التحديات الإقليمية.

على المستوى الشعبي، لاحظ التقرير وجود تعاطف واسع مع إيران في مصر، خاصة بعد اعتداء النظام الصهيوني على طهران واستمرار المجازر في غزة. كما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المصري حملات دعم لحق إيران في الدفاع عن نفسها. وانتشرت صور جنود في الحرس الثوري الإيراني مصحوبة بشعارات مناهضة للصهاينة وأمريكا بشكل واسع. وخرجت تظاهرات طلابية في جامعات مصر، خصوصًا في القاهرة، دعماً لتعزيز العلاقات مع إيران، معبّرين عن أملهم في أن تؤدي التوترات المتصاعدة بين إيران والنظام الصهيوني إلى إضعاف الأخير.

توازن حساس في السياسة الخارجية المصرية

 

أكد التقرير أن مصر تسعى للحفاظ على توازن دقيق في سياستها الخارجية؛ فهي تواصل التعاون الاستراتيجي مع دول الخليج العربي والغرب، وفي الوقت ذاته تبحث فرص التعاون مع إيران في بعض الملفات الإقليمية.
وأشار إلى أن هذا التقارب يأتي في ظل شعور مصر المتزايد بالعزلة، خاصة بسبب معارضة السيسي لمشاريع الهجرة التي طرحها دونالد ترامب، والدعم الاقتصادي المحدود من السعودية.
وهذه العوامل دفعت القاهرة للسعي نحو خط دفاع مستقل أكثر في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، لا سيما في ظل السياسة العدائية التي ينتهجها النظام الصهيوني في المنطقة.

وأضاف التقرير أن مصر تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة، وتسعى لتعزيز استقلالها السياسي والاستراتيجي دون الإضرار بعلاقاتها مع حلفائها التقليديين.

في هذا السياق، أثارت الوثائق السرية التي سلمتها إيران إلى مصر بشأن خطط النظام الصهيوني قلقًا عميقًا في الأوساط الأمنية الصهيونية، التي تعتبر هذا التعاون تهديدًا مباشرًا لمصالح النظام في المنطقة.

 

قلق الصهاينة من التقارب المصري الإيراني

 

حذرت مصادر أمنية في النظام الصهيوني من أن التقارب بين مصر وإيران قد يعزز قدرة القاهرة على مواجهة التحديات الإقليمية بشكل مستقل، مما قد يضعف النفوذ الصهيوني في المنطقة.
وأشارت هذه المصادر إلى أن مصر تلعب “لعبة مزدوجة” لتوسيع خياراتها السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف.
وترى هذه المصادر أن هذا النهج قد يكون ناتجًا عن تصاعد التوتر بين إيران والنظام الصهيوني، إضافة إلى استمرار المجازر في غزة التي أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا في مصر.
وطُرح في التقرير سؤال حول ما إذا كانت مصر، كدولة سنية مركزية ومستقرة نسبيًا في المنطقة، ستستمر على المدى الطويل في هذا التقارب مع إيران؟
وأجابت المصادر الأمنية الصهيونية بأن الواقع السياسي والاستراتيجي يجبر مصر على الحفاظ على توازن حساس بين ضغوط أمريكا والسعودية للحفاظ على تحالفاتها التقليدية، ورغبتها في كسب استقلال سياسي أكبر عبر التعاون مع إيران.

 

الآفاق المستقبلية

 

اختتم التقرير بالتأكيد على أن مصر ستواصل استراتيجيتها في الحفاظ على التوازنات المعقدة، ساعية لتعزيز نفوذها الإقليمي دون تعريض علاقاتها مع الغرب ودول الخليج العربي، التي لا تزال مصدرًا مهمًا للاستقرار الاقتصادي والأمني، للخطر.
وأشار إلى أن التطورات المستقبلية في المنطقة، مثل تغييرات في أنظمة الحكم بالدول الخليجية، أو تدخلات القوى الخارجية، أو الأزمات الاقتصادية، قد تحدد مسار السياسة الخارجية المصرية في السنوات القادمة.

إن التقارب بين مصر وإيران، المتزامن مع نقل وثائق سرية حول خطط النظام الصهيوني، يشير إلى تحول محتمل في الديناميكيات الإقليمية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه مصر دورها كقوة إقليمية مركزية، تحاول ضبط الأمور من كلا الجانبين، مع الحفاظ على استقرارها الداخلي ونفوذها الخارجي في ظل تحديات إقليمية ودولية معقدة.

بشكل عام، عادت العلاقات بين مصر وإيران بعد عقود من التوتر منذ عام 1979، تاريخ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وهو رد عملي على بدء تطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية الرسمية والنظام الصهيوني، إلى الاهتمام السياسي مجددًا.
وتدل التطورات الأخيرة، بما فيها التعاونات الاستخباراتية والدبلوماسية، على ذوبان تدريجي لجليد العلاقات بين البلدين، رغم أن هذا التقارب لا يزال محدودًا ويخضع لحسابات سياسية وإقليمية.

مع تصاعد الآمال بين الشعوب في الانتصار على النظام الصهيوني إثر نتائج اعتداءه الأخير على إيران واستمرار الأزمات في المنطقة، يبقى السؤال:
هل ستنجح مصر في الحفاظ على هذا التوازن الحساس؟
أم أن الضغوط القادمة ستدفعها إلى تغيير جذري في سياستها الخارجية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى