دور نظام “موزاييك” والوكالة الدولية للطاقة الذرية في استهداف إيران

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
كشفت وثائق مسرّبة من أرشيفات الكيان الصهيوني عن تورط الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) في عملية تجسس واسعة النطاق ضد إيران، شملت تسهيل اغتيال علماء نوويين بارزين ودعم هجمات عسكرية غير قانونية. هذا التحقيق الشامل يستعرض نظام “موزاييك”، وهو منصة تكنولوجية طورتها الوكالة بدعم من شركة “بالانتير” الأمريكية، ودوره في انتهاك سيادة إيران. كما يتناول التقرير علاقات مدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، المشبوهة مع الكيان الصهيوني، استناداً إلى الوثائق المسرّبة وتقارير إعلامية عبرية وغربية، وتحليل نشره موقع “The Cradle”.
الاتفاق النووي أم غطاء للتجسس؟
في يوليو 2015، وقّعت إيران خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع القوى الكبرى، بهدف الحد من برنامجها النووي السلمي مقابل تخفيف العقوبات. لكن الوثائق التي حصلت عليها إيران من أرشيفات الكيان الصهيوني تكشف أن الاتفاق كان غطاءً لعمليات تجسس واسعة.
وفقاً لتقرير “The Cradle” الصادر في يوليو 2025، استخدمت عمليات تفتيش الوكالة في إيران كأداة لجمع معلومات حساسة، منها خرائط المنشآت النووية، تحركات العلماء، وبيانات من وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تم تمريرها لاحقاً إلى الكيان الصهيوني لتسهيل عمليات استهداف دقيقة.
صحيفة “The Times of Israel” العبرية، في تقرير بتاريخ 9 يونيو 2025، كشفت أن الوكالة تراقب بعض منشآت الكيان مثل موقع “سوريك”، لكنها لا تملك صلاحية دخول موقع “ديمونا”، المركز الحقيقي لبرنامج الأسلحة النووية غير المعلن. في المقابل، فرضت الوكالة رقابة صارمة على إيران، ما أثار الشكوك حول حيادها.
كما اتهم تقرير الوكالة الصادر في 31 مايو 2025، إيران بانتهاك التزاماتها النووية دون تقديم أدلة جديدة، بحسب ما أوردته صحيفة “واشنطن بوست” في 13 يونيو 2025. هذا التقرير استخدم كغطاء دبلوماسي للهجوم الصهيوني اللاحق في 13 يونيو 2025. صحيفة “The Guardian”، في 12 يونيو، وصفت هذه الاتهامات بأنها ذرائع غير مدعومة بأدلة قانونية لتبرير أعمال عدوانية.
كذلك، نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية في 15 يونيو 2025 تقريراً يؤكد استخدام الكيان للمعلومات التي جمعتها الوكالة لتحديد أهداف استراتيجية داخل إيران، بما يشمل صوراً أقمار صناعية وتقارير تفتيشية تم تسليمها مباشرة لأجهزة الاستخبارات الصهيونية، مما يثبت استغلال الوكالة الدولية كأداة استخباراتية.
نظام “موزاييك”: سلاح التجسس التكنولوجي
“موزاييك” هو نظام قائم على الذكاء الاصطناعي، طوّرته شركة “بالانتير” الأمريكية بتمويل أمريكي يُقدّر بنحو 50 مليون دولار. أُطلق النظام قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وصمم لتحليل كميات ضخمة من البيانات من مصادر متعددة، منها صور الأقمار الصناعية، وثائق المنشآت، قياسات استشعار، ومنشورات وسائل التواصل.
وفق تقرير “The Unz Review” بتاريخ 23 يونيو 2025، عالج “موزاييك” أكثر من 400 مليون معلومة، مما مكّن الوكالة من تحديد 60 موقعاً إيرانياً كمواقع “مشبوهة”، ما أدى إلى عمليات تفتيش مفاجئة ضمن إطار الاتفاق النووي.
تأسست شركة “بالانتير” على يد بيتر ثيل، الداعم البارز للكيان الصهيوني، ولعبت دوراً محورياً في تحويل الوكالة من جهة رقابية إلى جهاز استخباري. وبحسب “بلومبيرغ” (2018)، استُند في بناء “موزاييك” على برنامج استخدم في أفغانستان والعراق لرصد “السلوك العدائي”، عبر تحليل البيانات لاستخلاص “نوايا عدائية” دون أدلة مباشرة.
ووفقاً لـ”The Cradle”، قدم “موزاييك” تحليلات عن مواقع مثل فوردو، نطنز، ولويسان-شيان، والتي استُخدمت كمبرر في تقرير الوكالة المؤرخ بـ31 مايو 2025. هذه المعلومات مهّدت لهجوم 13 يونيو، فيما تؤكد الوثائق التي نشرتها إيران في 12 يونيو 2025 أن غروسي شارك مخرجات “موزاييك” مع الكيان، مما ساعد في تحديد تحركات العلماء النوويين، مثل تلك المتعلقة بموقع نطنز.
أما “The Intercept”، فذكر في 10 يونيو 2025 أن “بالانتير” استخدمت أنظمة مماثلة لرصد البرامج النووية في دول أخرى ككوريا الشمالية، لكن تركيزها الأساسي كان على إيران، في ظل تعاون وثيق مع وزارة الدفاع الأمريكية والاستخبارات الصهيونية.
اغتيال العلماء النوويين: استراتيجية “قطع الرأس”
في هجوم 13 يونيو 2025، استهدف الكيان الصهيوني منشآت نووية وعلماء بارزين، مما أدى إلى استشهاد 11 عالماً على الأقل. من أبرزهم:
-
فريدون عباسي دواني: الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية (2011–2013)، نجا من محاولة اغتيال عام 2010، لكنه قُتل في هجوم 2025.
-
محمد مهدي تهرانچي: عالم فيزياء نظرية ورئيس جامعة آزاد بطهران، شارك في برنامج “عماد” لتطوير القدرات النووية.
-
بالإضافة إلى علماء آخرين متخصصين في الفيزياء والهندسة النووية، مثل عبدالحميد مينوشهر، أحمد رضا ذو الفقاري، أمير حسن فخاهي، وغيرهم.
صحيفة “نيويورك تايمز” (3 يوليو 2025) وصفت هذه الاغتيالات بأنها جزء من استراتيجية صهيونية لـ”قطع رأس” البرنامج النووي الإيراني. بينما كشفت “الجزيرة” (13 يونيو) أن الكيان اغتال بين عامي 2010 و2020 خمسة علماء عبر تفجيرات واغتيالات مباشرة.
تقرير “AP News” في 25 يونيو أكد مقتل 14 عالماً في الهجمات الأخيرة، في محاولة لإضعاف القدرات النووية الإيرانية. لكن محللاً في معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن حذّر من أن الجيل الجديد من العلماء، مثل الدكتور علي أكبر صالحي، قادر على إعادة بناء البرنامج.
كما أشار “The Cradle” إلى اغتيال محسن فخري زاده (2020)، الذي نُفذ استناداً إلى بيانات جمعتها منصة “موزاييك” حول تحركاته ومكان إقامته. نفس النمط تكرر في اغتيالات 2025.
تصعيد غير مسبوق في الهجمات العسكرية
في 13 يونيو 2025، شن الكيان الصهيوني هجوماً جوياً ضخماً بأكثر من 200 مقاتلة، استهدفت أكثر من 100 موقع داخل إيران، منها:
-
نطنز: الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم، حيث تم تدمير منشآت أرضية وأبراج كهرباء رئيسية.
-
فوردو: موقع نووي تحت الجبال، استهدفته غارتان، فيما أسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية طائرة مسيّرة.
-
أصفهان: استُهدفت منشآتها ثلاث مرات، مرتين من الكيان ومرة من أمريكا.
صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أن الهجمات استهدفت قادة كبار في الحرس الثوري، مثل حسين سلامي ومحمد باقري، ضمن استراتيجية “قطع الرأس” ضد القيادة العسكرية والعلمية. وأفادت “هآرتس” في 16 يونيو أن الكيان استخدم صواريخ دقيقة وطائرات بدون طيار تم توجيهها استناداً إلى بيانات “موزاييك”.
رافائيل غروسي: الحياد المشكوك فيه
الوثائق التي نشرتها إيران في 12 يونيو 2025 تكشف تواصلاً سرياً بين غروسي ومسؤولين صهاينة، شمل تبادل معلومات حساسة حول المنشآت النووية الإيرانية. ووفق “The Cradle”، فإن غروسي لم يلتزم بحياد الوكالة، بل شارك مخرجات “موزاييك” مع الكيان، مما ساعد في استهداف العلماء والمرافق. وفي 9 يونيو، أكدت “The Times of Israel” أن غروسي اعترف بمراقبة موقع “سوريك”، لكنه رفض التعليق على الوثائق المسربة، ما زاد من الشكوك حول دوره.
رد إيران: مواجهة الخيانة
في يونيو 2025، اتخذت إيران خطوات حاسمة، إذ علّق البرلمان التعاون مع الوكالة، وأمر بإزالة الكاميرات من المنشآت النووية. وزير الخارجية عباس عراقجي وصف طلب غروسي بزيارة المواقع المستهدفة بأنه “بدوافع خبيثة”، مؤكداً أن إيران لن تسمح بانتهاك سيادتها مجدداً. وأكد تقرير “Reuters” في 18 يونيو طرد آخر مفتشي الوكالة من البلاد.
مؤامرة دولية: إيران ضحية الاستهداف الممنهج
إيران، التي تدافع عن حقها في برنامج نووي سلمي، تواجه عقوبات قاسية وهجمات عسكرية غير قانونية. وتُظهر الوثائق المسربة أن الجمهورية الإسلامية كانت ضحية لمؤامرة دولية استُخدمت فيها الوكالة كغطاء لجمع المعلومات الاستخباراتية. نظام “موزاييك”، بدعم أمريكي وصهيوني، لم يكن أداة للتحقق بل سلاحاً استخباراتياً لاستهداف العلماء وزعزعة استقرار البلاد.
دعوة للمساءلة
تطالب إيران بمحاسبة رافائيل غروسي والوكالة الدولية على تعاونهم مع الكيان الصهيوني. وتعد الوثائق المسربة نداءً للمجتمع الدولي لإعادة تقييم دور الوكالة، وضمان حماية السيادة الوطنية من أدوات التجسس التكنولوجية. وإذ تؤكد إيران التزامها بالعدالة والسيادة، فإنها تواصل مقاومة المخططات الخارجية والدفاع عن حقها في التقدم العلمي.
إيران تكشف الحقيقة: وكالة الطاقة، أداة تجسس لا ضمانة سلام. نظام “موزاييك”، بإشراف “بالانتير”، تحوّل إلى سلاح بيد من يسعون لكسر إرادة الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، تبقى إيران صامدة، متمسكة بحقها في السيادة والتطور.