القسم السياسي

الرسائل الخفية وراء الحرب المعلوماتية ضد إيران: عندما تتحوّل اليد الخفية إلى قوة عُظمى

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

عندما يتوجه رئيس وزراء كيان الاحتلال إلى واشنطن، يبدو للوهلة الأولى أن الزيارة دبلوماسية رسمية، لكن خلف الصور المبتسمة والبيانات المصقولة، يكمن واقعٌ أعمق وخطيرٌ أكثر. خلف هذه الواجهة، تجري مواجهة معلوماتية معقدة؛ حيث تسعى القوى الغربية وحليفتها في الشرق الأوسط لاختراق عمق إيران وإعادة تصميم خريطة المنطقة بعيدًا عن أعين الإعلام.

لكن ما تكشفه الوقائع على الأرض هو أن إيران لم تخرج من اللعبة، بل قلبت قواعدها مرات عديدة، ودخلت هذه المواجهة من موقع قوة واتساق فكري واستراتيجي. في هذه اللحظة الحساسة، تحولت المواجهة من الجبهات العسكرية التقليدية إلى رقعة شطرنج أمنية ومعرفية متعددة الأبعاد، حيث لم تعد الكفة تميل إلى أولئك الذين ظنّوا أن اختراقًا معلوماتيًا قادر على إيذاء بلد تخطى حدود الردع التقليدي ووصل إلى منظومة ذكية ومتعددة الطبقات.

 

🛡 شبكة المقاومة والمكافحة الاستخبارية

تحركات القوى الغربية تحت تحريض صريح من تل أبيب تستهدف سَبر إرادة إيران من الداخل من خلال النفوذ المعلوماتي، العمليات النفسية، وتفعيل خلايا يُعتقد أنها في سبات. لكن التاريخ أثبت أن اليد القوية هي من تحكم أعماقها وليس من يراهن على الوهم فقط.

طهران تمكنت مرارًا من كشف واختراق نوى استخبارية تم تجنيدها بدقة لسنوات تستهدف قطاعات علمية وصناعية وأمنية. وكل عملية تفكيك شبكة تجسس لم تكن مجرد نجاح تكتيكي، بل رسالة استراتيجية واضحة: ساحة القتال في مياديننا، ونحن من يحدد زمانها ومكانها.

 وراء الستار: واشنطن وإعادة ترتيب المنطقة

 

سفر نتنياهو إلى أمريكا لا يهدف فقط إلى الحصول على الضوء الأخضر، بل إلى إعادة تحديد موقع الكيان بعد إخفاقاته الاستراتيجية في مناطق عدة. والسؤال الأصلي: هل واشنطن مستعدة اليوم لمغامرة جديدة؟ فإيران ليست العراق ولا سوريا ولا ليبيا. أي تصرف متهور قد يشعله أزمات متعددة، من الخليج وحتى المتوسّط وباب المندب وهرمز.

داخل الولايات المتحدة نفسها، تنشط تيارات تدرك أن إيران ليست دولة يمكن احتواؤها بالعقوبات وحدها. كل محاولة لعزلها سرعان ما زادت عزيمتها؛ من الطاقة النووية إلى التكنولوجيا الدفاعية، من الاكتفاء الغذائي إلى النفوذ السيبراني، إنها وجهة تحدٍّ جديدة.

⚠️ التآكل من الداخل؟ العقيدة تغرق النظام

 

محاولات الفساد في النظام الأمني الإسرائيلي لا تجد موضعها إلا داخل الكيان ذاته. أزمة الثقة، والانشقاقات على المستويات السياسية والاجتماعية، والانهيار الداخلي المترافق مع مأساة غزة، كلها عوامل تفكك الكيان داخليًا. بينما يقاوم بناء ردع سياسي وعلني.

💡 رسائل تتجاوز التفسير

 

بين سطور هذا الصراع، رسالة واضحة: إيران التي كانت هدفًا للعزل، أصبحت اليوم لاعبًا لا يمكن تجاهله. بلدٌ حاولوا سحقه، أصبح لاعبًا محوريًا في معادلات الشرق الأوسط. فالذي كان ضحية، هو الآن من يغرس معلوماته داخل محطات العدو قبل أن تنتشر في الإعلام.

🌀 في العمق… عاصفة قادمة

 

في خضم هذا المسار، تظهر مفارقة كبيرة: من كانوا يروّجون لـ«سقوط إيران من الداخل»، هم أنفسهم يعيشون انهيارًا داخليًا غير مسبوق على مستويات السياسة والاقتصاد والقيم. وأولئك الذين يعتقدون أنهم قادرون على هزيمة شعب يمتد فكريًا وعسكريًا، لا يملكون إلا وهمًا يبتعد عن الواقع.

في النهاية، لا تكمن القوة في صخب البيانات أو التهديدات الرنانة. بل في عمق الصمت. فكلما ظلت عواصم العدو في صمت وترقب، تعرف من يملك اليد العليا في سباق السيطرة المعلوماتية والعقلية.

❗ رسالةٌ لمنتخبي القرار في طهران: الزمن لمن لا يركضون، بل يبنون التوازن بالصبر والفطنة. فالمواجهة ليست حول مركز نووي أو مقر قيادي، بل بمن يملك زمام اللعبة في الظلام. ومن يمتلك النور الداخلي، لا يخشى الظلام، بل يضيئه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى