القسم السياسي

ضربة إيران على قاعدة العُديد: انهار القبة الاتصالية… وتهاوى أسطورة التنسيق المسبق

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

شن الهجوم الصاروخي الذي نفذته الجمهورية الإسلامية الإيرانية فجر ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، عملية عسكرية مدروسة بدقة تم التخطيط لها في أعلى مستويات اتخاذ القرار في طهران، وكانت ردًا مباشرًا على العدوان الثلاثي الأمريكي على المواقع النووية الإيرانية.

على الرغم من كل محاولات التعتيم، كشفت الصور الفضائية التي نشرتها وكالة أسوشيتد برس تفاصيل فضحت مزاعم واشنطن، وعلى رأسها رواية دونالد ترامب حول «الإبلاغ المسبق» عن موعد ومكان الهجوم.

🎯 ماذا استهدفت إيران بالضبط؟

تُظهر الصور الفضائية التجارية أن أحد الصواريخ الإيرانية أصاب بشكل مباشر قبة جيوديزية بيضاء كبيرة داخل قاعدة العديد؛ وهي قبة صممت لحماية معدات الاتصالات العسكرية الحساسة.

تم تركيب هذه القبة عام ٢٠١٦ بتكلفة ١٥ مليون دولار، وكانت تضم معدات متطورة تلعب دورًا محوريًا في شبكة القيادة والاتصالات بين واشنطن وقواعدها العسكرية في منطقة الخليج. صور صباح ٢٣ يونيو تظهر القبة، لكنها اختفت بالكامل في صور ٢٥ يونيو، مع ظهور آثار دمار في مبنى مجاور.

لم يكن هذا الضربة عشوائية؛ بل كانت استهدافًا مباشرًا للمركز العصبي للاتصالات في القاعدة، مع تداعيات استراتيجية في موازين الحرب الإلكترونية الإقليمية.

📉 ترامب وخداع سياسي: رواية الإبلاغ المسبق تحت المجهر

سارع ترامب للحفاظ على صورته بادعاء أن إيران أبلغت مسبقًا عن وقت ومكان الهجوم، وأن أنظمة الدفاع الجوي كانت جاهزة، واصفًا الهجوم بـ«الرد الضعيف».

لكن هذه الادعاءات تعاني من تناقضات صارخة:

  • إذا كان هناك إبلاغ مسبق، كيف أصاب الصاروخ مركز القاعدة الحيوي المحمي بشدة؟
  • إذا كان الهدف غير واضح أو غير مهدد، فلماذا تم استهداف القبة المركزية للاتصالات؟
  • لماذا لم يُنشر أي دليل حقيقي على إخلاء أو تحضير مسبق سوى تصريحات سياسية متذبذبة؟

المنطق العسكري يرفض فكرة وجود تنسيق مسبق؛ فإذا كان التنسيق قائمًا، كان يجب تحييد الضربة أو منع حدوثها. الحقيقة هي أن الضربة الإيرانية اخترقت كامل طبقات الأمن الأمريكية في الخليج، رغم وجود الأقمار الصناعية وأنظمة الرصد المبكر.

📡 قطع الاتصالات واعتراف متأخر: من واشنطن إلى الدوحة

اضطر المتحدث باسم البنتاغون شان بارنيل إلى الاعتراف في بيان بأن القبة استهدفت بالفعل، مدعيًا أن «الأضرار كانت محدودة». لكن الواقع الميداني والتقني يشير إلى عكس ذلك تمامًا.

التأكيد القاطع جاء من مشهد، حيث أعلن خطيب جمعة مشهد، حجت الإسلام سيد أحمد علم الهدى، بعد أيام من الهجوم: «الاتصالات بين قاعدة العديد وباقي القواعد الأمريكية مقطوعة تمامًا، وجميع معدات القاعدة دمرت».

هذه التصريحات عادةً لا تصدر دون الاعتماد على معلومات دقيقة ومباشرة، خاصة عندما تُقال من منبر رسمي داخل إيران كرد على العدوان الأمريكي-الصهيوني.

🛡️ إيران غيرت قواعد الاشتباك

لم يكن هذا الهجوم رسالة ردع فحسب تحذر من أن أي تصعيد سيجعل كل حلفاء واشنطن ومصالحها في المنطقة عرضة للخطر، بل أعاد تعريف قواعد الاشتباك في غرب آسيا. للمرة الأولى منذ هجوم عين الأسد ردًا على اغتيال الشهيد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، استهدفت إيران مقرًا عسكريًا أمريكيًا رئيسيًا في الخليج، ولم تجرؤ واشنطن على الرد.

علاوة على ذلك، سرّع هذا الضربة من مسار التهدئة، حيث أدركت واشنطن أن أي خطوة إضافية قد تؤدي إلى حرب شاملة تمتد من فلسطين المحتلة إلى الخليج والبحر الأحمر.

إيران لم تطلق صواريخ فقط؛ بل استهدفت العمود الفقري لنظام القيادة الأمريكية في المنطقة.

📌 ضربة ناجحة ورسالة باقية

ما حاول ترامب تصويره كـ«رد رمزي» كان في الحقيقة غطاءً على فشل استخباراتي وعسكري كبير.

  • القبة الجيوديزية حُذفت من الخريطة.
  • أنظمة الاتصالات شُلت.
  • واشنطن ظلت صامتة حتى أُجبرت على الاعتراف.
  • الدوحة لم تصدر أي تعليق.

هذا الصمت يعكس حجم الصدمة الحقيقية.

في يونيو ٢٠٢٥، وجهت إيران أول ضربة مباشرة لقلب قيادة الجيش الأمريكي في غرب آسيا… ومن دون أن تطلق واشنطن رصاصة واحدة ردًا، سيطرت إيران على زمام المبادرة في الميدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى