تهديد تفعيل «آلية الزناد» و وقاحة الأوروبيين
ازدواج المعايير من قبل الدول الأوروبية الثلاث تجاه إيران، حيث يتم التغاضي عن الهجمات العسكرية على المنشآت النووية السلمية الإيرانية، بينما تُوصَف الإجراءات القانونية التي تتخذها إيران بأنها «انتهاك للاتفاق النووي»، يُعدّ مثالًا صارخًا على «الوقاحة السياسية» للترويكا الأوروبية.

نقلاً عن موقع «صدای سما» الإخباري؛ هددت الدول الأوروبية مؤخراً بتفعيل آلية ما يُعرف بـ «العودة التلقائية للعقوبات» (Snapback) أو «آلية الزناد»، وذلك رداً على ما وصفته بـ «انتهاك إيران لالتزاماتها النووية»، وهي آلية مدرجة في الاتفاق النووي (برجام).
تُعد آلية الزناد جزءاً من آليات حل النزاعات في الاتفاق النووي، وتسمح بإعادة فرض العقوبات الأممية السابقة بموجب قرارات مجلس الأمن قبل القرار 2231، من دون الحاجة إلى تصويت جديد. وقد قوبلت هذه الآلية منذ البداية بانتقادات واسعة، كونها تتيح لأي طرف توجيه اتهام غير مبرر للنشاط النووي الإيراني واستخدامه كذريعة لإعادة العقوبات بشكل تلقائي.
ويأتي هذا التهديد في وقت لم تفِ فيه الدول الأوروبية بوعودها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، بل وواصلت اتهام إيران بتقليص التزاماتها، رغم أن هذا التقليص جاء في إطار الحقوق القانونية التي يتيحها نص الاتفاق ذاته.
سجل خرق العهود الأوروبية
بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق في 8 مايو 2018، تعهدت الدول الأوروبية بتعويض إيران عن الأضرار الاقتصادية الناجمة، عبر تطبيع العلاقات الاقتصادية، وضمان استمرار شراء النفط الإيراني، ودعم الشركات الأوروبية للتعامل مع إيران. إلا أن التجربة أظهرت تنصّل الأوروبيين من التزاماتهم، من أبرز الأمثلة:
- فشل آلية إنستكس (INSTEX):
أنشأتها أوروبا لتسهيل التبادل التجاري غير الدولاري مع إيران، لكنها لم تحقق سوى عدد محدود من المعاملات في القطاع الطبي، وكان أثرها الاقتصادي محدوداً للغاية. - انسحاب الشركات الأوروبية:
مثل “توتال” و”سيمنز” و”إيرباص”، انسحبوا تحت ضغط العقوبات الثانوية الأمريكية، ولم تبذل أوروبا أي جهد لحمايتهم. - تراجع صادرات النفط الإيراني:
انخفضت من 2.5 مليون برميل يومياً في 2017 إلى أقل من 400 ألف برميل في 2020، دون أي دعم أوروبي لتعويض الخسارة. - الاستسلام للضغط الأمريكي:
لم تحافظ أوروبا على استقلال سياستها الخارجية، بل سارت خلف الولايات المتحدة في سياسة “الضغوط القصوى”.
في مقابل ذلك، وبعد عام من الصبر الاستراتيجي، بدأت إيران بتقليص التزاماتها استناداً إلى البنود 26 و36 من الاتفاق، التي تعطيها هذا الحق في حال انتهاك الطرف المقابل. ومع ذلك، وصفت أوروبا هذه الخطوة بأنها «خرق للاتفاق».
مواقف أوروبية متحيزة
لم تُدين أوروبا الاعتداءات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية خلال الحرب الأخيرة، بل تغاضت عنها، في حين سارعت إلى إصدار قرارات ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أهداف الأوروبيين من التهديد بآلية الزناد
- مجاراة الضغوط الأمريكية:
خصوصاً بعد عودة إدارة ترامب في 2025، ومحاولة بناء إجماع دولي ضد إيران. - فرض شروط تفاوضية قسرية:
مثل التنازل عن حق التخصيب أو ربط الملف النووي ببرنامج الصواريخ، وهي مطالب خارج إطار الاتفاق. - تبرئة النفس دبلوماسياً:
عبر إظهار أوروبا كمدافع عن منع الانتشار النووي، بينما تخفي فشلها في تنفيذ التزاماتها. - كبح النفوذ الإقليمي الإيراني:
من خلال دعم غير مباشر للعمليات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
رد فعل محتمل من إيران
حذرت إيران مراراً من أن تفعيل آلية الزناد سيقابل برد قاسٍ. وقد أكد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن هذه الخطوة ستنهي دور أوروبا في الملف النووي، وتُحدث ضرراً بالغاً في العلاقات الدبلوماسية.
من جانبه، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، آلية الزناد بأنها تفتقر إلى الشرعية القانونية والأخلاقية، وأكد أن إيران ستتخذ إجراءات مقابلة حازمة، قد تصل إلى حد إنهاء جميع الاتفاقات.
الخلاصة:
تهديد أوروبا بتفعيل آلية الزناد يعكس وقاحة سياسية وازدواجية معايير واضحة، في وقت كانت هي الطرف الذي أخل بالتزاماته. إيران، التي أثبتت قدرتها على الصمود والتكيّف، ستواجه هذا التصعيد بموقف حازم، وتُحمّل الأوروبيين مسؤولية تقويض ما تبقى من العملية الدبلوماسية.