حدث رمزي بمضمون استراتيجي: شارع «سيد حسن نصرالله» في قلب طهران

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
في خطوة تحمل رسائل سياسية وثقافية واضحة، أعلنت بلدية طهران عن تغيير اسم شارع «خالد الإسلامبولي» الواقع بين شارعي الشهيد بهشتي والغندي في المنطقة السادسة بالعاصمة إلى «الشهيد سيد حسن نصر الله». يأتي هذا القرار تكريمًا لأمين عام حزب الله اللبناني، الشخصية البارزة في جبهة المقاومة وأحد أهم قادة النضال في العالم الإسلامي. هذا التسمية تتجاوز كونها إجراءً إداريًا، إذ تعكس نظرة استراتيجية تتجاوز المستوى المحلي، وترسل رسالة واضحة للأمة العربية والإسلامية مفادها: مسيرة المقاومة ما تزال حية وثابتة في مواجهة التهديدات.
تتزامن هذه الخطوة مع التحولات الإقليمية السريعة، وخاصة التقارب المتزايد بين مصر والجمهورية الإسلامية الإيرانية. اختيار هذا الشارع الذي كان يُعرف سابقًا باسم خالد الإسلامبولي – الضابط المصري الذي اغتال أنور السادات، رئيس جمهورية مصر الموقع على اتفاق كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني – واستبداله باسم سيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة، يعكس فهمًا عميقًا من إيران للتحولات النفسية والسياسية في الرأي العام العربي، وخاصة في مصر. هذا التغيير الرمزي يعيد تعريف الأولويات ويبرز ارتباط نصر الله بمحور فلسطين.
من خالد الإسلامبولي إلى حسن نصر الله: مسار ومشروع واحد
كان خالد الإسلامبولي لعقود رمزًا للاحتجاج الشعبي على المساومة والتطبيع مع الكيان الصهيوني. ولا يمكن اعتبار اغتياله للسادات رد فعل لحظة، بل تعبيرًا عن رفض راسخ لأي تسوية تعترف بوجود الكيان المحتل في قلب العالم العربي. واليوم، تستمر نفس روح الاعتراض والمقاومة في شخصية سيد حسن نصر الله، القائد الذي منذ عام 2000 وحتى 2006، وفي دعم المقاومة الفلسطينية، قدم تعريفًا جديدًا للمواجهة مع الصهيونية.
تسمية شارع في طهران كان يحمل اسم الإسلامبولي ويحمل الآن اسم نصر الله ليست مجرد رمز، بل هي دلالة على استمرارية تاريخية لمشروع يقف في وجه المساومة والاحتلال. هذه العلاقة ليست نوستالجيا ولا مجرد ارتباط بالماضي، بل هي محاولة لبناء مستقبل تُعاد فيه صياغة ذاكرة المقاومة بألسنة الأجيال الجديدة.
شخصية نصر الله، كخليفة حي لإرث الإسلامبولي، تلعب الآن دور القيادة المعاصرة في مواجهة نفس العدو القديم.
إيران ومصر: تقارب يزعزع الكيان الصهيوني
تُظهر التحولات الأخيرة أن العلاقات بين إيران ومصر تجاوزت مرحلة الجمود وتتجه نحو إعادة تعريف. الاجتماعات الدبلوماسية، الحوارات الأمنية السرية، والتقارب في قضايا مثل أمن البحر الأحمر، تعكس إدراك القاهرة الجديد لمكانة طهران كقوة مؤثرة في المنطقة. ولم تقتصر هذه التحولات على المستوى الرسمي فحسب، بل في المجتمع المصري، سواء في الأوساط الأكاديمية أو المقاهي الشعبية، يتعزز تصور إيران كقوة مستقلة وضد الهيمنة.
كما نجحت إيران في ترسيخ نفسها نموذجًا للسيادة الوطنية والقوة الإقليمية عبر صمودها في مواجهة العقوبات والحروب المركبة والهجمات المعلوماتية. وقد عززت العمليات العسكرية الأخيرة التي انتهت بإحباط معلوماتي كبير للكيان الصهيوني هذه الصورة: إيران قوة قادرة على خلق قواعد ردع جديدة. وهذه الرسالة وصلت بوضوح إلى مصر، حيث ترى كثير من الناس إيران كممثل للطريق الثالث بديلًا عن المساومة والاعتماد.
نبض المقاومة في شوارع مصر
رغم التحفظات الرسمية والاتجاهات الإعلامية المحافظة أحيانًا تجاه إيران، فإن الواقع في الشارع المصري مختلف تمامًا. ففي المقاهي والجامعات والدوائر الثقافية، يزداد الدعم لقوى المقاومة، لا سيما إيران وحزب الله. وهذا الدعم ليس نتيجة دعاية، بل نابع من فهم واقعي لتوازن القوى في المنطقة: من يقاوم الكيان الصهيوني حقًا؟ من يمتلك القدرة على مواجهة الهيمنة الغربية؟ ومن يقف إلى جانب فلسطين في اللحظات الحرجة؟
وينبع هذا الوعي العام من تراجع مصداقية مشاريع التطبيع التي أدت إلى مزيد من الفرقة والضعف في المنطقة. فقد كشفت اتفاقيات مثل «إبراهام»، التي رُوجت كجسر للسلام، حقيقتها كأداة لتعزيز نفوذ الكيان الصهيوني وتهميش القضية الفلسطينية. في المقابل، تقدم إيران وحلفاؤها، وبالأخص حزب الله بقيادة نصر الله، أكثر أشكال الدعم ثباتًا للمقاومة الفلسطينية، عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا.
الكيان الصهيوني: كابوس التقارب بين إيران ومصر
يشكل أي تقارب بين مصر وإيران تهديدًا وجوديًا للكيان الصهيوني. فاستراتيجية هذا الكيان مبنية على تفتيت الجبهة العربية والإسلامية، وهو يدرك أن قوته لا تقتصر على التفوق العسكري والدعم الغربي فقط، بل تستمد جزءًا كبيرًا من تفوقها من إذكاء الخلافات والصراعات بين الدول العربية. ومصر، بثقلها السياسي والتاريخي والجغرافي، تمثل ركيزة أساسية في أي معادلة إقليمية. وخروجها من «الحياد الموجه» الذي فرضته اتفاقيات مثل كامب ديفيد، وتحركها نحو فضاء يحترم السيادة الوطنية والتضامن العربي-الإسلامي، قلب موازين الكيان وغيّر قواعد اللعبة في المنطقة.
ومع الأزمات الداخلية التي يعاني منها الكيان، من انقسامات سياسية إلى فقدان الثقة في قدراته العسكرية والاستخباراتية، ينظر إلى التقارب المصري-الإيراني كتهديد استراتيجي يتجاوز السياسة إلى أبعاد أعمق. فإذا استطاعت مصر أن تستعيد دورها كقوة مقاومة أو شريك حيادي يدعم المقاومة بشكل غير مباشر، سيتغير ميزان القوى في المنطقة وتصبح القضية الفلسطينية أكثر حضورًا في المحور.
طهران: عاصمة المقاومة ومنصة الرموز
تسمية شارع باسم سيد حسن نصر الله في قلب طهران ليست مجرد رمزية، بل هي جزء من النضال من أجل الوعي. فطهران التي كانت دائمًا عاصمة المقاومة في المنطقة، تستغل هذه الخطوة لتأكيد دورها كمركز لتجديد خط المقاومة وبناء رموزها. يحمل نصر الله، برمزية مقاومته وانتصاراته، دورًا بارزًا في هذا المسار، وتمكنت إيران من خلال الربط بين التاريخ والحاضر، وربط الرموز العربية والإسلامية، من دفع مشروع مقاوم موحد.
لا يرسل هذا التسمية رسائلها فقط إلى الشعوب العربية، بل تصل أيضًا إلى العواصم التي تعيد النظر في سياساتها. إذ تظهر إيران من خلال هذا القرار كقوة ثقافية وفكرية تحتضن قضايا الأمة، وتحافظ على بوصلة توجهها نحو فلسطين. شارع «سيد حسن نصر الله» يعبر عن رؤية ترى المقاومة ليست مجرد عمل عسكري محدود، بل مشروع حضاري يتجاوز الأجيال والحدود.
فلسطين: القلب النابض للمقاومة
وراء هذا الإجراء، تظل فلسطين، خاصة يافا وغزة المحتلة، وكل شبر من الأراضي المحتلة، القلب النابض لمشروع المقاومة. فاسم سيد حسن نصر الله المرتبط بدعم المقاومة الفلسطينية، يشكل جسرًا بين طهران والقدس. ولم يكن هذا الدعم مجرد خطاب، بل تحول إلى أفعال ملموسة مثل تأمين الأسلحة والدعم اللوجستي والمعنوي في أصعب اللحظات. تسمية شارع باسمه في طهران تأكيد على أن فلسطين ليست قضية هامشية، بل في صلب جميع المعارك السياسية والعسكرية والثقافية في المنطقة.
شارع نصر الله… خطوة في مسيرة النضال الواعي
في النهاية، اختيار اسم سيد حسن نصر الله لشارع في وسط طهران هو أكثر من تكريم رمزي. هذه الرسالة موجهة لكل العواصم العربية: رموز المقاومة ما تزال حية، وإيران تحافظ على بوصلة المقاومة، والمشروع المقاوم لم يُهزم لا في الميدان ولا في المجال الثقافي. ومن يراهن على الذاكرة القصيرة عليه إعادة النظر، فالتاريخ في هذه المنطقة يُكتب بأيدي من لا ينسون.
والخطوة القادمة قد لا تقتصر على تسمية شارع في القاهرة أو بغداد باسم نصر الله، بل هي مؤشر على عودة اليقظة المتواصلة إلى مسارها الأصيل، حيث تُقاس المواقف بمعيار فلسطين وتُكتسب الشرعية من موقع المقاومة لا من منصات التطبيع.