القسم السياسي

ممرّ داوود؛ مشروع احتلال زاحف لتقسيم سوريا وضرب محور المقاومة

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

مع تزايد التحولات الجيوسياسية في غرب آسيا بعد سقوط النظام السابق في سوريا، تتكشف يومًا بعد يوم مشاريع استعمارية وتوسعية جديدة من قِبل الكيان الصهيوني، تُنفّذ تحت غطاء تحالفات طائفية وتقسيمات جغرافية. ويُعدّ “ممر داوود” أخطر مشروع جغرافي-أمني في السنوات الأخيرة، وليس مجرد طريق بين السويداء وشمال شرق سوريا؛ بل هو جزء من مشروع صهيوني متكامل يهدف إلى ضرب العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة وتقسيم ما تبقى من سوريا والعراق في آنٍ واحد.

⚠️ من السويداء إلى الجزيرة: سلسلة لإنشاء جغرافيا صهيونية متصلة

في 17 يوليو 2025، كشفت مصادر صهيونية عن وجود تواصل مباشر بين زعماء طائفة الدروز في السويداء، وعلى رأسهم “حكمة الهجري”، وضباط من جهاز الموساد الإسرائيلي، بهدف إنشاء طريق بري يربط بين السويداء والمناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية في شمال شرق سوريا، والمعروفة بمنطقة الجزيرة. هذا الممر، المسمى “ممر داوود”، ليس محلياً أو طائفياً، بل صُمّم منذ البداية ليكون حلقة استراتيجية في مشروع “إسرائيل الكبرى”، يمتد عبر العراق حتى حدود إيران.

🔍 الأبعاد الاستراتيجية: هل هو بوابة صهيونية لاختراق العمق الإيراني؟

رغم أن الخطوط الأولى لهذا الطريق رُسمت في الجغرافيا السورية، إلا أن الهدف النهائي يتجاوز بلاد الشام. فمن خلال السيطرة على ممر داوود، يسعى العدو الصهيوني إلى فتح خط إمداد موثوق من مرتفعات الجولان المحتلة، عبر الجنوب والشرق السوري، وصولاً إلى حدود العراق، حيث النفوذ الأميركي والميليشيات الانفصالية المدعومة من واشنطن، وانتهاءً بالحدود الغربية لإيران.

وبالتالي، فإن السيطرة على هذا الممر تمثل خطوة محورية في استراتيجية فصل إيران عن عمقها العربي والمقاوم، وقطع خطوط الوصل بين طهران، بغداد، دمشق وبيروت.

🧭 نموذج “سايكس-بيكو ٢”: تفتيت الشعوب وتوحيد المصالح الصهيونية

ما يسعى إليه الكيان الصهيوني من خلال ممر داوود هو نسخة حديثة من اتفاقية “سايكس-بيكو”، ولكن بأدوات محلية وأقنعة طائفية. يُدفع بالدروز نحو الانفصال جنوباً، ويُشجع الأكراد على السيطرة شمالاً، ويُستنزف السنّة في صراعات داخلية، وتُحاصر دمشق بالنار والجوع والعزلة.

ضمن هذا المشروع، تُفرغ سوريا من هويتها الوطنية وعمقها الاستراتيجي، وتُحوّل إلى فسيفساء هشّة تحت سيطرة شبكات من العملاء، بينما يُستخدم الممر كخدمة مباشرة للمشروع الصهيوني في نقل الأسلحة، وتنفيذ عمليات استخباراتية، وربما تمركز عسكري في المستقبل.

🏴 المقاومة تراقب وتستعد: سوريا ليست لقمة سائغة

رغم أن بعض الأصوات في الداخل السوري خُدعت بشعارات “الحرية” بعد سقوط السلطة المركزية في بعض المناطق، إلا أن الواقع الميداني يقول غير ذلك: أولئك الذين زعموا أنهم “حرروا” الشعب، هم أنفسهم من فتحوا أسواق النخاسة، ومهدوا الطريق للاحتلال الزاحف الصهيوني.

لكن هذا لا يعني أن جبهة المقاومة صامتة. فحزب الله في لبنان، وإيران من قلب طهران، يراقبون التحركات بدقة. فهذه المشاريع ليست استثناءً أو طارئة، بل امتداد طبيعي لفشل الحرب الشاملة ضد سوريا.

وقد صرّح العدو الصهيوني صراحةً أنه لن يسمح بإعادة بناء قدرات حزب الله، ما يعني أن مشروع داوود هو رد استباقي على عودة محور المقاومة إلى الساحة السورية.

⚡️ إيران في قلب الميدان: من دمشق إلى السويداء

القبائل البدوية السورية التي لم تكن تدرك سابقًا دور إيران في تحقيق الأمن، بدأت اليوم تراجع مواقفها. وبعد انهيار أوهام التقسيم ونهاية الدعم الأميركي الوهمي، أصبح واضحاً أن الأمن جلبه أولئك الذين واجهوا المشروع الصهيوني، لا من حملوا شعارات “الحرية” وتحولوا إلى مرتزقة.

من منظور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يُعدّ ممر داوود تهديدًا مباشرًا للأمن القومي. ففصل سوريا عن العراق، وقطع الجنوب السوري عن محور المقاومة، إعلان حرب على كامل المحور. والرد الإيراني قد يأتي من عدة مسارات، سواء من الميدان السوري أو عبر شبكات المقاومة في العراق.

📌 لم يعد هناك خطوط حمراء

ممر داوود ليس مجرد طريق جغرافي، بل مشروع للتقسيم، والإذلال، والهيمنة؛ خلاصة قرن من أحلام الكيان الصهيوني بتحقيق “إسرائيل الكبرى”. وكما أسقطت المقاومة مشروع داعش، وأفشلت حربًا عالمية دامت أربعة عشر عامًا ضد دمشق، فإن هذا المشروع أيضاً لن يمر دون ثمن.

الجبهات مفتوحة، والساحات على وشك الانفجار، ولا نقطة في محور المقاومة باتت خارج مرمى العدو.

ومن لم يفهم بعد أن استهداف سوريا هو استهداف لطهران وبغداد وبيروت، عليه أن يُدرك أن العدو الصهيوني لا يُفرّق بين الطوائف، بل يعادي كل دولة ذات إرادة، وكل شعب يرفض الركوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى