القسم السياسي

الجولان وجنوب سوريا: الحربة الصهيونية الجديدة في مشروع تفتيت المشرق

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في جنوب سوريا، وعلى حدود السويداء، تُرسم من جديد خريطة الخيانة والدم، لكن هذه المرة بأقنعة مختلفة: قائد من ميليشيا متطرفة يرتدي زيّ “الاعتدال”، دروز محاصرون يُدفعون نحو خيارات قاتلة، وكيان صهيوني يُدير اللعبة من خلف الستار، بأصابع استخباراتية تمتد من أربيل إلى باكو، ومن الدوحة إلى يافا.


أولاً: الجولاني… من أداة تركية إلى عميل صهيوني مباشر

لم يعد “أبو محمد الجولاني” مجرّد ظاهرة سورية أو انحرافًا عن مسار الجماعات الجهادية؛ بل أصبح منذ سنوات أداة في يد أجهزة الاستخبارات الغربية، قبل أن يتحوّل إلى أداة تنفيذية للموساد، ينفذ بدقة ما يعجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه بشكل مباشر.

في إدلب، أصبح أداة لتصفية الفصائل المنافسة، خاصة تلك الرافضة للتطبيع مع الكيان.
في درعا، لعب دور الوسيط بين الفصائل والمركز العملياتي الصهيوني في الجولان، تحت غطاء “العمل الإنساني”.
واليوم، معركته إلى جانب ما يسمى “العشائر العربية” في السويداء ليست مجرد تحرك عسكري، بل ذروة مسار إعادة تدويره كأداة صهيونية صرفة.

مراكز صنع القرار في الكيان صاغت سيناريو “أمننة الجنوب” من خلال إعادة تدوير الميليشيات المتطرفة ومنحها شهادات إعلامية بالتطهير لتُفرض على الأقليات كـ”منقذين” من الفوضى؛ كما حدث سابقًا في العراق بأدوات البنتاغون.


ثانيًا: اتفاق باكو – أربيل – الدوحة: بوابة صهيونية إلى قلب سوريا

من يقرأ أحداث الجنوب السوري دون ربطها بما جرى في باكو وأربيل، يضلّ الطريق.

في باكو، عُقدت اجتماعات سرية جمعت أحمد الشرع (الجولاني)، ضباط الموساد، وسطاء خليجيين وأكراد، بهدف خلق بيئة لما يُسمى “إنقاذ الأقليات”، حيث يظهر الكيان المحتل كضامن للدروز والعلويين في حال تراجع الدولة السورية.

في أربيل، تحوّلت المكاتب التنسيقية الصهيونية إلى غرفة عمليات لمشروع “إسرائيل الكبرى الناعمة” – أي النفوذ دون الاحتلال، من خلال الميليشيات السنّية ضد الشيعة، والدروز ضد العلويين، وتأجيج الأقليات تحت غطاء الدفاع عن النفس.

الجولاني في هذا المشروع ليس إلا “جهاز تحكم عن بعد” في يد الكيان الغاصب، يُستخدم لتخويف الدروز من دمشق ودفعهم لطلب الحماية الخارجية.

أما الدوحة، فتُموّل هذا المشروع تحت شعار “حماية المدنيين”، تمامًا كما فعلت في ليبيا واليمن بدعم من شبكة الإخوان المسلمين العابرة للحدود.


ثالثًا: هل تُحوَّل السويداء إلى غرفة انتظار لـ”ممر داوود” جديد؟

المخطط المرسوم للسويداء هو أن تتحول إلى نسخة سورية من “ممر داوود” في كردستان العراق؛ ممر آمن للموساد يمتد من الجولان إلى العمق السوري، ويُستخدم لحماية الجبهة الشمالية للكيان وتوجيه ضربة مزدوجة لسوريا وحزب الله.

كل الشواهد الميدانية تدعم ذلك:

  • تمدد الجولاني جنوبًا
  • التلميع الإعلامي الغربي له كمعتدل
  • صمت محلي غريب
  • فتح قنوات تنسيق بين الميليشيات وبعض المجموعات الانفصالية الدرزية

هل يُدرك العقلاء في السويداء إلى أين تقودهم هذه اللعبة؟ القبول الضمني بدخول الجولاني إلى القرى الحدودية ليس مجرد خطأ سياسي، بل انتحار جماعي يفتح الباب أمام وجود {إسرائيلي} مباشر في المستقبل.


رابعًا: موقف المقاومة… لا مصالحة مع أدوات العدو

تنظر المقاومة إلى الجولاني ليس كعدو عسكري له قيمة ميدانية، بل كأداة ضمن مشروع يستهدف وحدة الأمة. هو نسخة سورية من “مغاف” (MAGAV) – الشرطة الحدودية الصهيونية – التي تُفكك المجتمعات بزرع التطرف ثم تقدم نفسها كحلّ أمني.

الإمام الخامنئي أوضح هذا المعنى حين وصف الحرب على سوريا بأنها “حرب على جوهر المقاومة”، تقودها قوى تستخدم أدوات داخلية لتنفيذ مشاريع خارجية.

وحزب الله، الذي واجه هذه الأساليب في الضاحية، القصير والزبداني، يعلم جيدًا أن الجولاني يُستخدم لتفكيك النسيج الاجتماعي، ويفهم أن صمت دمشق أحيانًا ليس من ضعف بل من حسابات دقيقة لتجنّب إشعال الجنوب.


خامسًا: من السويداء إلى غزة… عدو واحد، وجه واحد

في اللحظة التي تُقصف فيها غزة بالفوسفور الأبيض، وتُمنع عنها المساعدات، ويُقتل أطفالها أمام أعين العالم، يظهر الجولاني في جنوب سوريا كنسخة أرضية للطائرات الحربية الصهيونية: مهمته ضرب الوعي، تفتيت الجبهة الداخلية، وإرهاق دمشق لمنعها من دعم فلسطين.

ما يجري في السويداء ليس نزاعًا محليًا، بل جزء من معركة عالمية تمتد من غزة إلى جبل العرب. الصمت تجاه هذه الأحداث هو تواطؤ ضمني في خنق غزة، لأن طريق إنقاذ فلسطين يمرّ عبر صمود دمشق.


الاستنتاج التحليلي:

  • الجولاني أصبح الأداة الأبرز للكيان الصهيوني للتوغل في جنوب سوريا
  • السويداء تُستخدم كرافعة ضغط على الدولة السورية وحزب الله في آن
  • هناك تنسيق إقليمي بين أربيل، الدوحة، باكو ويافا لرسم خرائط جديدة للجنوب
  • إفشال هذا المشروع يعتمد على وعي الدروز، صمود الشعب السوري، ويقظة محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى