کریدور داوود: حين يطرق الخطر باب منزلنا ونحن نائمون

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
خطر حقيقي يطرق أبوابنا يوميًا ويهدد الجغرافيا العربية من الشرق إلى الغرب، بينما الشعوب تغط في نومٍ عميق. وهذا التهديد ليس مجرد نبوءة عابرة ولا نظرية مؤامرة تنتشر عبر وسائل التواصل، بل مشروع معلن منذ عقود: مشروع «من النيل إلى الفرات»، ذاك الحلم الصهيوني الطموح الذي لم يخبئه أحد، وقد رُوّج له علانية كجزء من رؤية توسعية تستهدف الأرض والماء والموارد والهوية.
في ثمانينيات القرن الماضي، نشر المفكر الصهيوني “عوميد ينون”، الذي شغل مناصب حساسة في وزارة الخارجية ومستشار شارون، وثيقة تحت عنوان «استراتيجية إسرائيل في ثمانينيات القرن» في مجلة “كيفونيم” العبرية. تضمنت هذه الوثيقة خطة تفصيلية لتفتيت دول الشرق الأوسط على خطوط طائفية وعرقية، تبدأ بتفكيك الجيش السوري وإلغاء اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة في 1974، تمهيدًا لاحتلال جبل الشيخ.
كان الهدف الأوضح هو التمدد جنوبًا نحو سوريا عبر ممر جولان، مرورًا بقنيطرة ودرعا والسويداء، وصولاً إلى الحدود الشرقية التي تفصل سوريا عن العراق، ثم الانتشار نحو الفرات. حركة شطرنج تُدار بخطط مدروسة، تبدأ من جبال سوريا وتمتد إلى منابع النهر.
—
### كيف بدأ التنفيذ؟
تحت شعار **«سنغير وجه الشرق الأوسط»**، بدأت القوى المتحالفة مع المشروع الصهيوني تنفيذ خطتها ميدانيًا. لم يكن هذا مجرد وعد سياسي، بل إعلان حرب جغرافية، ديموغرافية واقتصادية قوبلت بصمت قاتل من الأمة العربية. اختير **«ممر داوود»** كنقطة انطلاق؛ شريط يمتد من جولان المحتل، إلى قنيطرة، درعا والسويداء، ثم شرقًا باتجاه معبر البوكمال الحدودي بين سوريا والعراق، ويتجه شمالًا نحو **قاعدة التنف** الأمريكية.
في هذه الخطة، يتحوّل معبر التنف إلى مركز حاسم للدعم اللوجستي والعسكري لجماعات انفصالية. ويتم تقسيم الأقليات: دروز في السويداء، أكراد في الشمال الشرقي، وعلويون على الساحل، إلى كانتونات سياسية، مما يؤدي إلى محاصرة دمشق من الجنوب والغرب وتقسيم سوريا فعليًا إلى أربع كيانات عرقية وطائفية.
—
### السويداء والدروز: بوابة النفوذ الناعم
عندما منعت قوات النظام من دخول السويداء بدعوى “حماية الدروز”، انتقل المخطط من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ. رفع العلم الدرزي في السويداء بدعم خارجي صريح، كإعلان غير رسمي عن كيان مستقل يُستخدم لاحقًا كورقة تفاوض أو تهديد.
هذا المخطط الذي دافع عنه “حكمت الهجري” تحت مسمى استمرار “الصراع الداخلي”، انسجم كليًا مع رؤية المشروع التوسّعي الصهيوني.
—
### لماذا التنف والبوكمال؟
قاعدة التنف الأمريكية ليست اختيارًا عشوائيًا، بل العامل الحاسم للسيطرة على النقطة الجغرافية الحيوية التي تربط سوريا، العراق والأردن، وهي نقطة انطلاق لأي مشروع انفصالي مستقبلي. الهدف فصل العراق عن سوريا، وقطع العمق الاستراتيجي بين دمشق وبغداد، وإنشاء منطقة عازلة بعيدة عن النفوذ الإيراني. السيطرة على البوكمال تعني ضرب القلب البري لمحور المقاومة.
—
### نهر الفرات: الجائزة الكبرى
الفرات ليس مجرد ماء؛ بل شريان الحياة شرق سوريا وغرب العراق، وكعنصر محوري في المشروع الصهيوني. السيطرة عليه تعني التحكم بالمياه، بناء السدود، تصدير المياه للدول المجاورة، وتوسيع سوق الطاقة تحت قبضة الكيان المحتل. كما يتيح التحكم بالغاز العربي.
وفي هذا السياق، تتحوّل سوريا إلى مركز استراتيجي لثلاث مشاريع:
1. خط الغاز القطري المزمع تمريره عبر السعودية، الأردن، سوريا، تركيا إلى أوروبا.
2. مشروع ربط الغاز العراقي بشبكة أوروبا.
3. خط الغاز الإيراني من العراق عبر سوريا إلى تركيا.
توقّف المشروع القطري في 2009 بسبب تدخل روسي وضغط على سوريا، لأنّه كان تهديدًا لسوق الغاز الروسي في أوروبا. لكن اليوم، يسعى الكيان الصهيوني وحلفاؤه لإغلاق جميع المشاريع العربية-الإسلامية التي تهدف لإمداد الغاز أو المياه، عبر السيطرة على عقد استراتيجية: التنف، البوكمال، الفرات، والحدود العراقية-السورية-التركية.
—
### حلم يتحول إلى حقيقة أم كابوس يُكشف؟
في ظلّ هذا المخطط الشامل، تُحوّل السويداء إلى “جيب مستقل”، التنف إلى “قاعدة كردية”، الساحل إلى “منطقة علوية”، ودمشق إلى “مدينة محاصرة”. العراق يفصل عن سوريا، وتقسم سوريا من الشمال والجنوب، وتقفل طرق الدعم الإيراني إلى دمشق، وتُمنع تركيا من أي مساعدة مستقبلية.
فنسأل:
أين العرب؟ أين المسلمون؟ هل ما زلنا نائمين؟
الخطر بات محدقًا إذا لم نواجهه الآن. **ممر داوود ليس خيالًا، بل واقع يُبنى على الأرض. والصمت معه خسفٍ بالجغرافيا والتاريخ والهوية والمستقبل.**