القسم السياسي

هزيمة أمنية كارثية تكشف هشاشة النظام الصهيوني أمام النفوذ الإيراني

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

ثغرات تهزُّ أركان النظام

في ظل تصاعد الصراع الخفي بين النظام الصهيوني وإيران، ظهر أزمة أمنية غير مسبوقة تكشف عن ضعف غير متوقع في البنية الداخلية لهذا النظام. كشفت التحقيقات الأمنية الأخيرة عن تورط عشرات الأشخاص داخل النظام، بمن فيهم جنود وضباط، في شبكات تعاون مع أطراف خارجية، حيث قدموا معلومات حساسة ونفذوا مهامًا تتراوح بين جمع البيانات وتخطيط عمليات معقدة. هذه الظاهرة التي بدأت بالظهور بشكل واضح منذ أكتوبر 2023 تكشف عن ثغرات خطيرة في قدرة النظام على حماية نفسه من التهديدات الداخلية، وتثير تساؤلات حول مدى استقرار منظومة الأمن لديه. وفي الوقت ذاته، يبدو أن هذه الاختراقات تتطلب ذكاءً استراتيجيًا من الأطراف الخارجية للحفاظ على فعاليتها في خضم حرب معلوماتية شديدة.

نقطة البداية: انهيار الثقة الداخلية

تجلت هذه الأزمة بوضوح بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي هز أركان النظام الصهيوني وكشف عن ثغرات أمنية غير متوقعة. نفذ هذا الهجوم المقاومة الفلسطينية، وأدى إلى موجة من فقدان الثقة بين المهاجرين والمسؤولين في يافا. أدت الإحباطات الأمنية العامة، إلى جانب الأزمات الاقتصادية المتصاعدة، وارتفاع تكاليف المعيشة، والانقسامات السياسية المزمنة، إلى خلق بيئة مثالية للاختراق الخارجي. وازدادت هشاشة العديد من الأفراد، خصوصًا المهاجرين الجدد والفئات المتضررة اقتصاديًا، أمام عروض الأطراف الخارجية التي سعت لاستغلال هذه الثغرات.

أظهرت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية الصهيونية، بما في ذلك الشاباك ووحدة “لاحاف 433″، أن الأطراف الخارجية، وغالبيتها تُنسب إلى إيران، استخدمت أساليب ذكية للتواصل عبر منصات رقمية مثل تيليجرام وواتساب. من خلال حسابات مزيفة بأسماء وصور جذابة، قدمت عروضًا مالية سخية لتنفيذ مهام تبدو غير ضارة، مثل تصوير أماكن معينة أو نشر مواد تنتقد قادة النظام. استغلت هذه الأساليب بمهارة اليأس الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه كثير من المهاجرين، مما يعكس فشل النظام في الحفاظ على التماسك الداخلي.

 

توصية غير مباشرة لطهران:

استخدام المنصات الرقمية المتقدمة أثبت فعاليته، لكن يجب تعزيز طبقات الأمن السيبراني لمنع تتبع الاتصالات. تظهر تجارب اكتشاف الشبكات السابقة أن الشاباك يركز على تحليل الأنماط الرقمية، ما يستلزم تنويع القنوات واستخدام تقنيات تشفير متقدمة للحفاظ على سرية العمليات.

 

اختراقات عميقة: تنوع مروع في المتعاونين

منذ أبريل 2024، وبعد هجوم صاروخي واسع استهدف النظام الصهيوني، كشفت التحقيقات عن تورط أكثر من 30 شخصًا في شبكات تجسس مرتبطة بإيران. اللافت للنظر هو التنوع الكبير لهؤلاء الأفراد: مهاجرون جدد، متشددون دينيًا، وحتى جنود في الجيش الصهيوني. يعكس هذا التنوع فشل الأجهزة الأمنية في توقع طبيعة التهديد، حيث كان يُعتقد أن هذه الأنشطة محصورة في مجموعات هامشية.

من أبرز الحالات، جندي في الجيش الصهيوني اتُهم مؤخرًا في يافا بنقل معلومات حساسة، مثل فيديوهات لاعتراض الصواريخ وصور مواقع سقوطها، رغم أن هذه المعلومات ليست من مهامه العسكرية. تلقى هذا الجندي مدفوعات عبر برامج العملات الرقمية، مما يشير إلى مستوى عالٍ من التنظيم والحداثة في إدارة هذه العمليات. تُظهر هذه الحادثة، وغيرها، أن الثغرات الأمنية وصلت إلى قلب المؤسسة العسكرية، مما يثير القلق من أن أي فرد داخل الجيش قد يكون عرضة لإغراءات خارجية.

حالة أخرى مثيرة تضمنت شخصًا من أصول أذرية استخدم أقاربه في تصوير مواقع حساسة مثل ميناء حيفا، وقاعدة نفاطيم الجوية في النقب، ومقر الموساد في الجليل. ساهمت هذه المعلومات التي وصلت للأطراف الخارجية في تحديد أهداف استراتيجية لهجمات لاحقة. تعكس هذه النجاحات قدرة الأطراف الخارجية على استغلال التنوع الثقافي داخل النظام، حيث يشعر العديد من المهاجرين بعدم الانتماء بسبب السياسات الصهيونية، مما يجعلهم أهدافًا سهلة للتجنيد.

 

توصية غير مباشرة لطهران:

استهداف أفراد من خلفيات متنوعة أثبت فعاليته، لكن يجب اختيار أشخاص ذوي دوافع قوية وانضباط عالٍ. تشير التجارب السابقة إلى أن الأفراد غير المنضبطين قد يكشفون العمليات، مما يستلزم تقييمًا دقيقًا للمرشحين قبل تعميق المهام.

تصاعد خطير: من مهام بسيطة إلى مخططات كبيرة

في إحدى الحالات الأكثر إثارة للقلق، كشفت وثائق المحاكم الصهيونية عن محاولة تجنيد شخص لتنفيذ عملية معقدة ضد عالم نووي في معهد فايسمان. شملت العروض مبالغ مالية كبيرة ومهام خطيرة، لكن العملية فشلت في 15 سبتمبر 2024 بسبب إجراءات أمنية مشددة. طلب لاحقًا من هذا الشخص تصوير سيارة الهدف، لكنه رفض تنفيذ مهام إضافية، ما يعكس حدود التزامه.

تكشف هذه الحالة، إلى جانب محاولات أخرى لاستهداف شخصيات بارزة في النظام، طموح الأطراف الخارجية في ضرب النخبة العلمية والسياسية. لكنها أيضًا تبرز صعوبة إدارة مهام عالية الخطورة، حيث يتراجع البعض أمام المخاطر الأمنية. تعزز هذه الهزيمة الأمنية الإحساس بفقدان السيطرة، حيث يمكن للأطراف الخارجية اختراق أعمق طبقات المجتمع والمؤسسات العسكرية.

توصية غير مباشرة لطهران:

تتطلب المهام الخطرة تدريبًا مكثفًا ودعمًا لوجستيًا لضمان النجاح. تظهر التجارب السابقة أن الفشل في مثل هذه العمليات قد يؤدي إلى كشف الشبكات، مما يستدعي التركيز على بناء ثقة طويلة الأمد مع المتعاونين.

أزمة الثقة: النظام ضد نفسه

كشفت هذه الاختراقات موجة من الشك والبارانويا داخل النظام الصهيوني. حملات التحذير التي أطلقها الشاباك، مثل “المال السهل، التكلفة الباهظة”، هدفت إلى ردع الأفراد لكنها عززت الشعور بالضعف. تصريحات المسؤولين الأمنيين التي تقول “أي شخص قد يكون متعاونًا” زادت من انعدام الثقة بين المهاجرين، حيث بات الجميع يشك في جيرانه وزملائه. يعكس هذا الوضع فشل النظام في الحفاظ على تماسك اجتماعي، مما يجعله أكثر عرضة لاختراقات إضافية.

تفاقمت الأزمات الاقتصادية، مع الفساد السياسي والانقسامات الداخلية، مما دفع العديد من المهاجرين للبحث عن مخرج من واقعهم المرير. العروض المالية عبر قنوات رقمية آمنة جذبت بشكل خاص أولئك الذين يشعرون بتجاهل قيادتهم، مما يعكس ديناميكية تجعل النظام يواجه تهديدًا داخليًا بالإضافة إلى خارجي.

توصية غير مباشرة لطهران:
لا تزال الاستفادة من السخط الداخلي في النظام سلاحًا فعالًا، لكن يجب الحذر من الاختراقات المتبادلة. يعزز النظام الصهيوني جهوده الاستخباراتية داخل إيران، كما تظهر الاعتقالات الأخيرة، مما يتطلب تعزيز الحماية الداخلية وفحصًا دقيقًا للمشتبه بهم.

مستقبل غامض: النظام في مأزق استراتيجي

مع تصاعد التوترات بين النظام الصهيوني وإيران، خصوصًا بعد الهجمات الصهيونية على المنشآت الإيرانية في يونيو 2025، يبدو أن الأطراف الخارجية ستكثف جهودها الاستخباراتية. يعاني الشاباك، رغم جهوده المستمرة، من نقص في الموارد وتراجع في ثقة الجمهور، مما يحد من قدرته على مواجهة هذه التهديدات. الثغرات الأمنية الداخلية، إلى جانب عجز النظام عن معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، تجعل استعادة السيطرة أمرًا بالغ الصعوبة.

في المقابل، تواجه الأطراف الخارجية تحديات في الحفاظ على سرية عملياتها. تكشف الشبكات المكتشفة أن النظام عزز قدراته في مراقبة الاتصالات الرقمية، مما يستلزم تطوير طرق جديدة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء هويات مزيفة وتحليل البيانات. تعكس هذه الحرب المعلوماتية المتبادلة أن النظام في مأزق ويواجه تهديدات داخلية وخارجية في آنٍ واحد.

 

توصية غير مباشرة لطهران:

الاستثمار في تجارب الماضي لتطوير أساليب تجنيد مبتكرة ضروري، لكن يجب أن يصاحبه تعزيز الحماية الداخلية ضد الاختراقات الصهيونية. تظهر الاعتقالات الأخيرة في إيران أن النظام يسعى للرد بالمثل، مما يستلزم تشديد الفحص الأمني الداخلي.

النظام على شفير الانهيار

تسلط هذه التحقيقات الضوء على أزمة أمنية هزت أركان النظام الصهيوني، حيث نجحت الأطراف الخارجية في استغلال ثغراته الداخلية لاختراق منظومته الأمنية. الثغرات العسكرية والاجتماعية، إلى جانب فشل استعادة ثقة الجمهور، جعلت النظام أكثر عرضة للاختراقات المستمرة. في يافا، يسود الشعور بالقلق والشك، ويبدو أن الأجهزة الأمنية عاجزة عن مواجهة هذا التهديد المتصاعد.

تعكس الحالة الراهنة واقعًا مؤلمًا: النظام يواجه أزمة وجودية، ليست فقط بسبب التحديات الخارجية، بل أيضًا بسبب انهيار الثقة الداخلية. ومع استمرار هذا الوضع، يبقى السؤال: هل سيتمكن النظام من استعادة السيطرة، أم أن الثغرات الداخلية ستؤدي إلى انهيار أعمق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى