القسم السياسي

سلاح الجوع؛ جريمة لا تحتاج إلى رصاصة

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في عالم تسود فيه قوانين الغابة، حيث يدّعي البعض احترام حقوق الإنسان والكرامة والعدالة، يُقتل أطفال غزة في صمت قاتل؛ ليس برصاصة أو صاروخ، بل بسلاح أكثر فتكا ومكرًا: الجوع. الجوع في غزة لم يعد أزمة إنسانية مؤقتة، بل أصبح سياسة منهجية ومقصودة ينفذها النظام القاتل للأطفال بتخطيط وإصرار، في حين يشير الصمت الدولي عمليًا إلى نوع من التواطؤ. هذا ليس مجاعة طبيعية، بل مجزرة متعمدة وإبادة جماعية تحت غطاء السياسة وبذرائع أمنية؛ والعالم يغلق عينيه، كأن موت الأطفال البطيء أمر عادي في هامش التاريخ.


من الخبز إلى الرصاصة: كيف حوّل النظام الصهيوني الخبز إلى أداة قتل؟

تُظهر الوثائق والتقارير الميدانية التي نشرها صحفيون مستقلون وبعض وسائل الإعلام العبرية منذ عامين، أن الجوع ليس نتيجة جانبية للحرب، بل استراتيجية مدروسة من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام. منذ بدء الحصار الشامل على غزة في عام 2007، نفذ النظام سياسة “السعرات الحرارية المحسوبة”، وهي سياسة لتقنين الطعام والدواء عمدًا. هذه السياسة تسمح ببقاء الحد الأدنى فقط، لكنها لا تسمح بصحة أو كرامة إنسانية. الهدف الرئيسي هو كسر إرادة الفلسطينيين، تدمير الروح قبل الجسد، وإضعاف المقاومة من خلال استهداف حياة الناس اليومية.


تاريخ الجوع:

بدأ الحصار الكامل لغزة في 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع، وفرض النظام قيودًا شديدة على دخول الطعام والدواء والوقود ومواد البناء. وأكد تقرير الأمم المتحدة عام 2010 أن النظام حسب كمية السعرات الحرارية المسموح بها بناءً على “الحد الأدنى اللازم للجسم”، ووصفت هذه السياسة بأنها “عقاب جماعي” تخالف صراحة القوانين الدولية.


التصعيد بعد 7 أكتوبر 2023:

مع بدء الحرب العدوانية على غزة بعد عملية “عاصفة الأقصى”، شدد النظام الصهيوني سياسة الجوع. أُغلقت المعابر، وانقطع الوقود والكهرباء، وتوقفت المخابز والمستشفيات عن العمل. وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في يونيو 2024 أن 96% من سكان غزة يعانون من انعدام أمني غذائي حاد، وأكثر من 495 ألف شخص في المرحلة الخامسة من مؤشر الأمن الغذائي العالمي (IPC)، أي في حالة مجاعة كاملة.


لماذا يستخدم النظام القاتل الجوع كسلاح؟

في منطق النظام الصهيوني، الجوع ليس مجرد أداة حرب، بل هو استراتيجية نفسية وسياسية مصممة لكسر إرادة أمة كاملة. يعرف النظام جيدًا أن ميدان المعركة يبدأ من المعدة.

  1. كبح المقاومة: عن طريق قطع الغذاء والدواء، يحاول إضعاف المقاومة من الداخل، وجعل الناس متعبين وعاجزين عن الاستمرار في القتال.
  2. تدمير التماسك الاجتماعي: الجوع يزرع بذور الانقسام والانهيار في العلاقات الاجتماعية، والتنافس على الموارد القليلة يدمر الثقة العامة.
  3. إذلال الأمة: الحياة اليومية تتحول إلى معركة للبقاء، والإذلال والعجز سلاح نفسي يستخدمه العدو لكسر معنويات الناس.
  4. سلاح صامت: خلافًا للقصف والقتل المباشر، لا يترك الجوع آثارًا ظاهرة، ما يسمح للنظام بالهرب من المحاسبة، بينما يُعرض الكارثة على أنها “نتيجة طبيعية” للحرب.

شهادات الأطفال الجائعين: عار على الإنسانية

الأطفال هم الضحايا الرئيسيون لهذا السلاح الصامت. تقارير منظمات مثل “أنقذوا الأطفال” في مايو 2025 توضح:

  • فتاة تبلغ من العمر 8 سنوات تقول: “أمي تقول لي أن أنام مبكرًا لكي لا أشعر بالجوع، لكنني أستيقظ منتصف الليل وأنا أبكي.”
  • طفل عمره 5 سنوات يعاني من سوء تغذية مزمن أدى إلى فشل في أعضاء جسمه، لكنه لم يحصل على علاج بسبب نقص الأدوية.

تصريحات د. مسعود پزشکیان، رئيس البرلمان الإيراني:

انتقد الدكتور پزشکیان المعايير المزدوجة الدولية في حقوق الإنسان وقال: “عندما ننظر إلى وضع أطفال غزة اليوم، نرى أنهم يموتون جوعًا أمام أعين العالم. رغم وجود منظمات مدافعة عن حقوق الأطفال والنساء، إلا أنها لا تفعل شيئًا عمليًا. لا يمكننا تسمية أولئك الذين يرتكبون هذه الجرائم الفظيعة بالبشر.”

وأضاف: “كيف يمكن للبعض الذين يدّعون الانتماء لإيران من الخارج أن يتكلموا بكلمات لا إنسانية؟ النظام الصهيوني يعتدي على دول المنطقة ويقتل بدون أي رادع، وينتهك القوانين الدولية بلا حدود.”


معايير مزدوجة غربية: هل الجوع أداة متمدنة؟

بينما تتحرك المؤسسات الدولية بسرعة في أزمات الغذاء الغربية، يعتبر الجوع في غزة “جزءًا من السياسة”.

  • عندما تحدث أزمة غذائية في أوكرانيا، تأتي المساعدات فورًا، لكن بشأن غزة تُنشر تقارير جافة فقط.
  • الدول التي تدين الآخرين بانتهاك حقوق الإنسان، لا تزال تقدم السلاح والدعم السياسي للنظام الصهيوني.
  • المنظمات مثل اليونسكو والأمم المتحدة، رغم تقاريرها، لم تتخذ أي إجراءات فعالة لكسر الحصار.

الجوع: قرار استراتيجي، لا حدث عرضي

تؤكد مقاطع الفيديو والتقارير الميدانية من مصادر فلسطينية وعالمية أن الجوع هو قرار منظم:

  • تدمير البنية التحتية الغذائية: قصف المخابز والأسواق ومستودعات الطعام لوقف الإنتاج والتوزيع. وأعلنت “هيومن رايتس ووتش” في أبريل 2025 أن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في غزة دُمرت.
  • منع وصول المساعدات: شاحنات الغذاء تُوقف وتُعاد أو تُحرق عند المعابر. وأفادت “أوكسفام” في يونيو 2025 أن 80% من المساعدات الغذائية تعرّضت لتأخير أو منع.
  • الردع بالجوع: يعتبر النظام الجوع وسيلة “ردع” تجعل الناس مشغولين بالبقاء، ولا يفكرون في المقاومة. قال أحد القادة العسكريين في 2024: “ما دام لا يوجد طعام، لا توجد مقاومة.”

النساء والأطفال: الضحايا الصامتون

  • سوء تغذية الأطفال: أعلنت منظمة الصحة العالمية في يوليو 2025 أن 50% من الأطفال دون الخامسة في غزة يعانون من سوء تغذية حاد.
  • النساء الحوامل: أدى نقص الغذاء إلى زيادة نسب الإجهاض بنسبة 30%، حسب تقارير “أطباء بلا حدود” في مايو 2025.
  • الموت الصامت: يموت الأطفال بسبب أمراض ناتجة عن الجوع مثل الإسهال وفشل الكبد، دون تسجيلهم كضحايا حرب.

الأبعاد القانونية والأخلاقية

استخدام الجوع كسلاح حرب جريمة حرب وفقًا للقوانين الدولية:

  • اتفاقية جنيف الرابعة تمنع العقاب الجماعي ومنع دخول الغذاء إلى المناطق المدنية.
  • المحكمة الجنائية الدولية تلقت شكاوى في يونيو 2025 من منظمات حقوقية فلسطينية، لكن الإجراءات بطيئة بسبب الضغوط السياسية.
  • الصمت الدولي: تستمر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعم النظام، مما يعيق الملاحقة القانونية.

نداء للأحرار في العالم

الجوع في غزة لم يعد أزمة فقط؛ إنه جريمة إنسانية مستمرة بصمت وبرودة. سلاح لا يحتاج إلى رصاصة، لكنه أكثر فتكًا. والعالم الذي يصمت، شريك في هذه الجريمة.

  • دعوة للعمل: يجب الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لكسر الحصار وفتح ممرات إنسانية ومحاكمة النظام القاتل.
  • التضامن الإنساني: فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على النظام، ودعم المقاومة الفلسطينية خطوات ضرورية لوقف هذه الجريمة.
  • كسر الصمت: التوعية وكشف سياسة الجوع عبر الإعلام ووسائل التواصل، طريق لإحياء الضمير العالمي.

غزة لا تموت بالرصاص؛ تُقتل بالجوع. هذه مأساة قرننا، ومن يصمت، يشارك في كتابة فصولها السوداء.


هذا التقرير ليس مجرد خبر… بل صرخة

إلى كل الأحرار في العالم:

لا تدعوا غزة تموت جوعًا.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى