“إقرار خطة ضم الضفة الغربية ووادي الأردن من قبل الكنيست وتداعياتها على العراق في سياق المواجهة مع الكيان الصهيوني”

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
هذا القرار، الذي يُعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن رقم 242 و338، يشكّل استفزازًا مباشرًا للأردن، ويقضي فعليًا على أي أمل بحل سياسي يقوم على مبدأ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. إضافة إلى ذلك، يحمل هذا القرار تداعيات خطيرة على دول المنطقة، لا سيما العراق، الذي يواجه تحديات أمنية وسياسية معقّدة في ظل التوترات الإقليمية والضغوط الأمريكية الرامية إلى تفكيك فصائل المقاومة، بما في ذلك الحشد الشعبي.
أبعاد القرار وتداعياته الإقليمية
1. ضمّ الضفة الغربية ووادي الأردن: إعلان حرب جيوسياسية
-
الأهمية الاستراتيجية لوادي الأردن: يمتد هذا الوادي على مساحة تُقدّر بـ 400 كيلومتر مربع ويشكّل الحدود الشرقية للضفة الغربية. نظرًا لقربه من الأردن واحتوائه على مصادر زراعية ومائية غنية، يُعتبر منطقة ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية بالغة. إن ضمّ هذا الوادي يعزز سيطرة الكيان الصهيوني على الموارد الطبيعية ويهدد الأمن القومي الأردني مباشرة، لا سيما إذا تحوّل إلى قاعدة لزعزعة استقرار المملكة من خلال الترويج لمخططات “الوطن البديل” للفلسطينيين.
-
إضعاف القانون الدولي: يشكّل هذا القرار انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان المدنيين أو فرض السيادة على الأراضي المحتلة. ومع أن هذه الخطوة تعمّق عزلة الكيان الصهيوني دوليًا، إلا أنها تشير في الوقت ذاته إلى دعم ضمني من الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب، التي أبدت مرونة تجاه السياسات التوسعية الإسرائيلية.
-
تدمير عملية “السلام” المزعومة: يُقضي هذا القرار عمليًا على إمكانية تنفيذ حل الدولتين، ويكشف أن الكيان الصهيوني يسعى إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية من خلال فرض وقائع ديمغرافية وجغرافية جديدة على الأرض.
2. السياق السياسي والتاريخي
-
مشروع “إسرائيل الكبرى”: جاء هذا القرار في إطار رؤية اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، وهما من أبرز الداعين إلى نظرية “أرض إسرائيل الكبرى”، التي تعتبر الضفة الغربية ووادي الأردن جزءًا لا يتجزأ من الكيان الصهيوني. وتتّسق هذه الرؤية مع تصريحات سابقة لسموتريتش حول ضرورة ضمّ الضفة الغربية وتوسيع نطاق السيطرة على حساب الفلسطينيين.
-
اختبار ردود الفعل الإقليمية: يسعى الكيان الصهيوني من خلال هذا القرار إلى اختبار ردود أفعال دول المنطقة، لا سيما الأردن الذي يُعد خط الدفاع الأول في مواجهة التمدد الصهيوني شرق نهر الأردن. كما يُوجّه القرار رسالة تهديد واضحة لدول مثل العراق، التي تُعد من الناحية الواقعية في حالة عداء مع الكيان، وتشكل جزءًا من “محور المقاومة” المدعوم من إيران.
تداعيات القرار على العراق في سياق المواجهة مع الكيان الصهيوني
1. تهديدات أمنية مباشرة
-
انتهاك الأجواء العراقية: أشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الانتهاكات المتكررة لأجواء العراق من قبل الطائرات الصهيونية خلال العدوان الأخير على إيران في حزيران/يونيو 2025. هذه الانتهاكات، التي شملت استخدام الأجواء العراقية لتنفيذ ضربات على أهداف إيرانية، تكشف عن ضعف أنظمة الدفاع الجوي العراقية واعتمادها الكامل على الإرادة الأمريكية. وفي حال اندلاع مواجهة مباشرة، قد يتحوّل العراق إلى ساحة عمليات جوية لصالح الكيان، خاصةً إذا استُخدمت أراضيه أو مجاله الجوي لعبور الطائرات أو الصواريخ.
-
تصعيد الهجمات على فصائل المقاومة: فصائل مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء، التي لا تُعد رسميًا جزءًا من الحشد الشعبي، نفذت منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 عمليات ضد أهداف صهيونية وأمريكية. وقد يُسهم قرار الضم في دفع هذه الفصائل إلى تصعيد عملياتها ضد الكيان، الأمر الذي قد يُقابل برد عسكري مباشر، عبر قصف قواعد عسكرية عراقية أو مواقع تابعة للحشد الشعبي.
-
زعزعة الاستقرار الداخلي: يعاني العراق من انقسامات سياسية وطائفية، وقد تؤدي التوترات المتزايدة مع الكيان الصهيوني إلى اضطرابات داخلية. الشارع العراقي، الذي يُظهر دعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، قد يضغط على الحكومة لاعتماد مواقف صارمة، حتى لو أدى ذلك إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.
2. ضغوط اقتصادية
-
قطع إمدادات الطاقة: يعتمد العراق بشكل كبير على واردات الغاز والكهرباء من إيران، وهو أمر يُواجه بعقوبات أمريكية. وفي حال اندلاع حرب، قد يتعرض العراق لعقوبات إضافية إذا قرر دعم إيران أو فصائل المقاومة، مما يُهدد اقتصاد البلاد الهش، والذي يُعاني أصلًا من أزمات مالية وارتفاع تكاليف المعيشة. لذا، يتعين على العراق العمل على تحقيق استقلال اقتصادي عن واشنطن.
-
اضطراب صادرات النفط: قد يؤدي قرار الكنيست إلى تصعيد التوتر الإقليمي، ما يُهدد خطط العراق لاستئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب العراق–تركيا، وهو مسار حيوي لعائدات الدولة. وأي مواجهة عسكرية قد تضع البنية التحتية النفطية العراقية في دائرة الاستهداف، خاصة إذا اعتبر الكيان الصهيوني منشآت الطاقة العراقية جزءًا من استراتيجية الردع ضد إيران.
3. تحديات سياسية
-
الموازنة بين واشنطن وطهران: يواجه السوداني تحديًا بالغًا في الحفاظ على توازن العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران. وقد يُجبره قرار الضم على اتخاذ موقف واضح، حتى لو كلف ذلك تدهور العلاقات مع واشنطن، خصوصًا في ظل الضغوط الأمريكية لحل الحشد الشعبي.
-
تأثير القرار على الوحدة الوطنية: قد يُفاقم القرار الانقسامات بين القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية، خصوصًا تلك التي تميل إلى التحالف مع الغرب أو بعض دول المنطقة. هذا الاستقطاب قد يُقوض جهود السوداني في تحقيق الاستقرار السياسي في العراق.
الارتباط بين قرار الضمّ والضغوط الأمريكية لحلّ الحشد الشعبي
1. الضغوط الأمريكية على الحشد الشعبي
-
موقف واشنطن: تمارس الولايات المتحدة، بقيادة إدارة ترامب، ضغوطًا متزايدة على بغداد لحلّ الحشد الشعبي. ففي مكالمة هاتفية بتاريخ 22 تموز/يوليو 2025، أعرب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن “قلقه العميق” إزاء مشروع قانون الحشد، معتبرًا أنه يُعزز نفوذ إيران والجماعات المسلحة الإرهابية. هذه التصريحات الحادة التي افتقرت إلى اللباقة الدبلوماسية أثارت غضب الأوساط العراقية، حيث يُعدّ الحشد الشعبي جزءًا من القوات المسلحة الرسمية للعراق، والعامل الرئيسي في دحر داعش وضمان الأمن الوطني.
-
الربط بين الضغوط والضمّ: يُعزّز قرار الكنيست بالضمّ السردية التي تُصوّر إيران وقوى المقاومة المتحالفة معها، بما في ذلك الحشد الشعبي، كتهديد إقليمي. وتستغل واشنطن هذا القرار لتكثيف الضغوط على بغداد بهدف تحجيم ما تسميه “النفوذ الإيراني”، كما تحذّر من إمكانية تنفيذ المقاومة لهجمات ضد الكيان الصهيوني ردًا على القرار، ما قد يزجّ العراق في ساحة صراع عسكري مفتوح.
2. الاتصال الهاتفي بين روبيو والسوداني: توتر دبلوماسي
-
طبيعة الاتصال: تبنّى روبيو خلال المكالمة لهجة متشددة، وربط مشروع قانون الحشد الشعبي بنفوذ إيران، مهددًا بفرض عقوبات على العراق إن لم يُسيطر على “الميليشيات المسلحة”. هذا الأسلوب أثار استياء السوداني، الذي أكد في بيان لاحق على سيادة العراق ورفض أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية.
-
النتائج: تعكس هذه المكالمة جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية الأوسع لتقويض محور المقاومة، خصوصًا في ظل التصعيد مع الكيان الصهيوني. وتندرج الضغوط الرامية إلى حلّ الحشد الشعبي ضمن الدعم غير المشروط الذي تقدمه واشنطن للكيان، بهدف منع أي ردّ عراقي محتمل.
3. توازن السوداني الصعب
يحاول السوداني، الذي يتولى رئاسة الوزراء منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022، الحفاظ على توازن حساس بين العلاقات مع الولايات المتحدة وإيران لضمان الاستقرار الداخلي. غير أن الضغوط الداخلية من فصائل المقاومة والرأي العام، الذي يُطالب بموقف قوي تجاه الكيان الصهيوني، إلى جانب الضغط الأمريكي لحلّ الحشد الشعبي، تُهدد هذا التوازن بشكل كبير.
المخاطر الاستراتيجية التي تواجه العراق
-
تصعيد المواجهة العسكرية: في حال اندلاع حرب شاملة مع الكيان الصهيوني، قد يتحوّل العراق إلى هدف مباشر للضربات الجوية، التي قد تُدمّر منشآت حيوية مثل البنى التحتية النفطية ومحطات الطاقة.
-
العقوبات الاقتصادية: في حال استمرار عمليات فصائل المقاومة ضد الكيان، قد تُفرض على العراق عقوبات أمريكية إضافية. وتُروّج وحدة 8200 الصهيونية لهذه التهديدات ضمن حرب نفسية تهدف إلى ترهيب الشارع العراقي من التداعيات الاقتصادية.
-
زعزعة الاستقرار السياسي: يمكن أن يُفاقم قرار الضمّ الانقسامات بين القوى السياسية العراقية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة لحلّ الحشد الشعبي.
-
تعزيز الدور الإيراني: على الرغم من الضغوط الأمريكية، قد يُؤدّي هذا القرار إلى تعزيز دور إيران في العراق، باعتبارها الراعي الرئيسي لقوى المقاومة في المنطقة.
توصيات للعراق
-
تعزيز الدفاع الجوي: الإسراع في تطوير أنظمة دفاع جوي متقدمة، عبر شراكات مثل الاتفاقيات مع كوريا الجنوبية.
-
الوحدة السياسية: بناء توافق وطني حول دعم القضية الفلسطينية واستقلال القرار العراقي.
-
إعادة ضبط العلاقات مع واشنطن وطهران: تحرير الموارد المالية العراقية من السيطرة الأمريكية، والتصدي لأي تدخل خارجي في شؤون العراق الداخلية.
-
التنسيق الإقليمي: العمل مع دول مثل إيران لتشكيل جبهة موحدة ضد التوسع الصهيوني.
ختامًا
يشكل قرار الكنيست بضمّ الضفة الغربية ووادي الأردن تهديدًا وجوديًا للأمن القومي العربي، ويضع العراق، بسبب موقعه الجيوسياسي وعلاقاته المعقدة مع إيران والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، في موقف بالغ الحساسية. وتأتي الضغوط الأمريكية لحلّ الحشد الشعبي، كما تجلّت في لهجة روبيو غير الدبلوماسية، ضمن محاولة لإضعاف قدرة العراق على مقاومة الكيان.
في ظل هذه المعطيات، يجب على العراق أن يُعزز سيادته، ويطور قدراته الدفاعية، ويحافظ على تماسكه الداخلي لتفادي الانزلاق نحو الفوضى.
أما الصمت العربي تجاه قرار الضمّ، فإنه يُعدّ بمثابة ضوء أخضر للكيان الصهيوني للاستمرار في عدوانه. ويتطلّب الأمر موقفًا موحدًا وحازمًا على مستوى الإقليم يُؤكد أن الضفة الغربية ووادي الأردن أراضٍ محتلة، وأن أي محاولة لضمّها هو عدوان سافر يجب الرد عليه بقوة.