المحور الأول: السياقات وبداية الحرب – الجزء الأول
لماذا إيران؟ تحليل استراتيجي معمّق للعدوان الصهيوني-الأميركي على إيران

✍️الوحدة السياسية:
مقدمة تحليلية وإطار مفاهيمي
في الساعات الأولى من صباح 13 حزيران/يونيو 2025، دوّت أصوات الانفجارات في سماء طهران وأصفهان وقم، مُعلنةً بدء عدوان عسكري غير مسبوق، أطلق عليه الكيان الصهيوني اسم “الأسد المستيقظ”. استهدفت هذه العملية المنشآت النووية الحساسة مثل نطنز وفردو، ومصانع إنتاج الصواريخ الباليستية، وقادة كبار في الحرس الثوري الإسلامي، بالإضافة إلى عدد من العلماء النوويين، في محاولة استباقية لتوجيه ضربة قاصمة للقدرات الاستراتيجية الإيرانية.
لكنّ هذه العملية لم تكن مجرّد هجوم عسكري؛ بل لحظة تاريخية أعادت صياغة قواعد الاشتباك في منطقة الشرق الأوسط، ومثّلت انتقالاً صريحاً من استراتيجية “المعركة بين الحروب” إلى الحرب الاستباقية المباشرة ضد إيران. جاء هذا العدوان في سياق إقليمي معقّد، حيث فقدت إيران أحد أبرز حلفائها الاستراتيجيين بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، كما تلقت المقاومة في لبنان ضربة مؤلمة بعد اغتيال سماحة آية الله السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، وعدد من قادته الميدانيين البارزين. هذه التطورات أوحت لقادة الكيان الصهيوني بأن إيران تمرّ بأضعف حالاتها.
وتمثّل إيران – بما تمتلكه من برنامج نووي متقدّم، وتأثير إقليمي عبر محور المقاومة، ودعمها المستمر لحزب الله، وحماس، وأنصار الله – تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني، الذي يرى في طهران عقبة مركزية أمام هيمنته الإقليمية.
ولكن يبقى السؤال المحوري: لماذا استُهدفت إيران؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟
يسعى هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل للإجابة عن هذين السؤالين، من خلال استكشاف السياقات الإقليمية والدولية، ودراسة دوافع العدوان، وآلياته، وردّ فعل إيران، والتداعيات الاستراتيجية التي أعادت رسم خريطة الاشتباك في المنطقة. ويستند هذا التحليل إلى معطيات حديثة وسياقات تاريخية، مع الرجوع إلى مصادر متنوعة تشمل تقارير إعلامية، منشورات على منصة “إكس”، وتحليلات أكاديمية، من أجل تقديم قراءة متكاملة للحظة مفصلية وتبعاتها المستقبلية.
السياق الإقليمي والدولي قبل 13 حزيران/يونيو 2025
قبل هذا التاريخ، كانت المنطقة تعيش حالة من الاضطرابات المتسارعة والتحوّلات الكبرى التي أعادت تشكيل توازن القوى.
على المستوى الإقليمي، واجه الكيان الصهيوني، عقب عملية “طوفان الأقصى”، تحديات غير مسبوقة على جبهات عدّة. في غزة، تصاعدت عمليات المقاومة الفلسطينية، حيث شنّت حركتا حماس والجهاد الإسلامي هجمات صاروخية وعمليات تسلّل ميدانية أرهقت الجيش الصهيوني.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تسببت هذه العمليات بتهجير أكثر من 100 ألف مستوطن من مستوطنات غلاف غزة، وخسائر اقتصادية تجاوزت 12 مليار دولار نتيجة توقف النشاطات التجارية والزراعية.
أما على الجبهة الشمالية، فقد نفذ حزب الله في لبنان هجمات دقيقة ضد مواقع عسكرية في الجليل والجولان المحتل باستخدام صواريخ مضادة للدروع وطائرات مسيّرة، مما أدى إلى تهجير نحو 80 ألف مستوطن من المناطق الحدودية.
إلا أن الضربة الأكبر لمحور المقاومة وقعت في أواخر عام 2024، حين تمّ اغتيال آية الله السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، خلال غارة جوية صهيونية استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقد استشهد معه قادة ميدانيون بارزون مثل علي كراكي (قائد وحدة الصواريخ) ومحمد حسين سرور (مسؤول العمليات اللوجستية)، ما شكّل صدمة كبيرة للبيئة الحاضنة للمقاومة. ومع ذلك، لم تؤدّ هذه الضربة إلى شلل في صفوف الحزب، إذ أعاد حزب الله سريعاً بناء جبهته الداخلية.
أما في سوريا، فقد شكّل سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 خسارة استراتيجية لإيران، حيث كان هذا النظام – منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 – حليفاً رئيسياً لطهران، وجسراً لوجستياً لدعم حزب الله والفصائل المقاومة الأخرى…