مقالات الرأي

المحور الأول: السياقات وبداية الحرب – «الجزء الثاني»

✍️الوحدة السياسية:

 

أدّى تقدم الفصائل المعارضة السورية بدعم من تركيا والغرب إلى سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، مما قطع خط الإمداد البري بين إيران ولبنان. هذا الفراغ الأمني أتاح للكيان الصهيوني تصعيد هجماته الجوية على أهداف عسكرية واستراتيجية في سوريا، مستغلاً الانهيار شبه الكامل لمنظومة الدفاع الجوي السوري تحت إشراف النظام الجديد، وبعد انسحاب جزئي للقوات الروسية نتيجة احتدام العمليات العسكرية الأوكرانية ضد موسكو.

في اليمن، واصل أنصار الله استهداف السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني في البحر الأحمر، مما أدى إلى رفع تكاليف التأمين البحري بنسبة 300%، وزيادة الضغط الاقتصادي على الكيان، الذي شهد في عام 2024 تراجعاً في النمو الاقتصادي إلى ما دون 1%.

على الصعيد الدولي، عاد دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة في يناير 2025، مع سياسة “أمريكا أولاً” التي أولت أولوية لدعم الكيان الصهيوني دون التورط في التزامات عسكرية مباشرة في الشرق الأوسط. قدمت واشنطن دعماً لوجستياً واستخباراتياً واسعاً، بما في ذلك تزويد الكيان بصواريخ موجهة بدقة وطائرات مسيّرة متقدمة، إضافة إلى معلومات حول مواقع حساسة داخل إيران. وفي الوقت ذاته، واجهت المفاوضات النووية مع إيران عقبة كبيرة. فبعد استئنافها في أبريل 2025، طالبت طهران برفع كامل للعقوبات الاقتصادية مقابل قيود محدودة على برنامجها النووي، الذي، وفق تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اقترب من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%. هذا التقدم عزز مزاعم الكيان الصهيوني بأن إيران على “عتبة نووية”، أي أنها قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال أشهر إذا قررت ذلك.

دبلوماسياً، أدت الجرائم الصهيونية في غزة إلى عزلة متزايدة للكيان. الاحتجاجات العالمية، بما في ذلك تظاهرات كبرى في عواصم غربية مثل لندن وباريس، إلى جانب إدانات من قطر وعُمان وجنوب أفريقيا، زادت من الضغط على الكيان. هذا المشهد دفع قادة الكيان، بقيادة بنيامين نتنياهو، للسعي نحو عملية عسكرية كبرى لاستعادة صورة القوة والردع، مستغلين ما اعتبروه ضعفاً إيرانياً بعد خسائرها في سوريا ولبنان.

العدوان كتحول في العقيدة الأمنية للعدو:

لعدة عقود، اعتمد الكيان الصهيوني على استراتيجية “المعركة بين الحروب” التي ركزت على غارات جوية محدودة ضد أهداف إيرانية وحلفائها في سوريا ولبنان، بهدف منع نقل الأسلحة المتقدمة أو تعزيز القدرات العسكرية لمحور المقاومة. نفذ الكيان مئات الهجمات على قوافل ومخازن الأسلحة في سوريا، مستفيداً من التفوق الجوي والاستخباراتي. لكن عملية “الأسد النهوض” كانت تحولاً نوعياً نقل الكيان من سياسة الردع السلبي إلى استراتيجية الحرب الوقائية المباشرة ضد إيران. هذا التحول لم يكن مفاجئاً، بل جاء نتيجة نقاشات واسعة في الأوساط السياسية والعسكرية، قادها الجنرال إيال زامير، رئيس الأركان، وتساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي، حيث رأوا أن إضعاف حلفاء إيران في سوريا ولبنان خلق فرصة لتوجيه ضربة مباشرة لطهران.

العقيدة الجديدة، التي وصفها مركز دراسات الأمن القومي في الكيان بأنها “حرب وقائية محدودة”، استندت إلى ثلاثة أركان أساسية: أولاً، التفوق الجوي من خلال مقاتلات F-35 بتقنية التخفي، والطائرات المسيّرة مثل “هيرميس 900″، والصواريخ الدقيقة مثل “دليلة”. ثانياً، التفوق الاستخباراتي عبر شبكات الموساد التي نجحت في اختراق أهداف إيرانية حساسة بمساعدة الوحدة 8200 للاستخبارات الإلكترونية. ثالثاً، الخداع السياسي، حيث قدّم الكيان العدوان كعملية “دفاعية” لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، لتفادي الإدانة الدولية.

ووفقاً للتقارير العسكرية الصهيونية، استهدفت العملية شل القدرات الاستراتيجية الإيرانية، بما في ذلك تدمير أجزاء من منشآت نطنز وفوردو النووية، ومصانع إنتاج الصواريخ الباليستية غرب إيران، وشبكات القيادة والسيطرة التابعة للحرس الثوري.

لكن هذه الاستراتيجية كشفت عن محدوديتها. فرغم الدقة العملياتية، فشل الكيان والولايات المتحدة في تدمير كامل البرنامج النووي الإيراني، إذ أظهرت التقارير أن إيران نقلت الأجزاء الحيوية من برنامجها إلى منشآت تحت الأرض. كذلك، لم تؤدِّ الهجمات إلى انهيار النظام السياسي في طهران، بل على العكس، عززت الوحدة الداخلية، خاصة بعد الخسائر الإقليمية في سوريا ولبنان. هذا الإخفاق أظهر خطأ الكيان في تقييم البنية الاجتماعية والسياسية لإيران، حيث نجحت طهران في تحويل العدوان إلى فرصة لحشد جماهيري واسع، مدعوم بحملات إعلامية داخلية ركزت على “الصمود في وجه العدو الصهيوني”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى