الأهداف المتعددة للّعبة الخطيرة التي تخوضها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في سوريا
اللعبة الخطيرة التي تمارسها اليوم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتفكيك سوريا، تأتي في سياق مشروع تقليدي يستهدف تقسيم العالم العربي بأسره، حيث يسعى كل من الطرفين الأمريكي والإسرائيلي لتحقيق أهداف خاصة، يكون الشعب السوري أكبر ضحاياها.

بحسب موقع “صوت سما” الإخباري، وفي سياق التحليلات المستمرة في الأوساط والمحافل الإعلامية العربية حول الوضع في سوريا في ظل التطورات الأخيرة وتوسّع الاعتداءات والاحتلال من قبل الكيان الصهيوني، قامت قناة الجزيرة باستعراض أبعاد المخططات والأهداف الأميركية والإسرائيلية في سوريا، ويمكن تلخيصها كما يلي:
منذ بداية أزمة الإرهاب في سوريا عام 2011، اتبعت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أجندات مختلفة داخل سوريا، كانت تهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى، وسعى الطرفان إلى تنفيذ هذه الأهداف عبر استغلال التنافسات الإقليمية والتحولات الجيوسياسية المتغيرة.
لكن وسط هذا التداخل، كان هناك مشروع أوسع يختبئ في الخلفية؛ وهو إضعاف سوريا كدولة مستقلة وركن أساسي في محور المقاومة، لضمان عدم قدرة أي فاعل إقليمي أو دولي على تحدي المشروع الأميركي–الإسرائيلي في المنطقة.
إسرائيل ومشروعها التقليدي لتفكيك العالم العربي من بوابة سوريا
في هذا السياق، وبينما ركّزت الولايات المتحدة على الهيمنة الجيوسياسية وتحقيق الأهداف الأمنية والسيطرة على الثروات والطاقة في المنطقة، فإن إسرائيل، كجزء من استراتيجية قديمة تهدف إلى تفكيك العالم العربي وفرض هيمنتها على المنطقة، كانت تسعى دائماً إلى تقسيم سوريا بجميع مكوناتها الطائفية والعرقية.
هذا التوجه الإسرائيلي تجاه سوريا والمنطقة العربية ليس جديداً، بل تعود جذوره إلى تأسيس هذا الكيان المصطنع على أرض فلسطين المحتلة؛ إذ كشفت وثائق استراتيجية داخلية من خمسينيات القرن الماضي صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية والموساد، عن دعوات لتأسيس دولة كردية في سوريا. وقد تجسد هذا التوجه لاحقاً في “خطة ينون” عام 1982 التي وضعها “عوديد ينون”، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، والتي دعت إلى تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وعرقية، معتبرة أن سوريا تشكل على المدى البعيد التهديد الرئيسي لإسرائيل من الجبهة الشرقية، ويجب بالتالي تقسيمها إلى دويلات صغيرة.
ورأت خطة ينون أن أمن وهيمنة إسرائيل في المنطقة يعتمدان على تفكيك الدول العربية إلى كيانات صغيرة وعرقية مثل الدروز، العلويين، الأكراد، الموارنة، الأقباط وغيرهم من الطوائف. وكان الهدف هو استبدال الدول العربية القوية والمركزية بدول صغيرة وضعيفة ومبعثرة، لا تشكّل أي تهديد لإسرائيل، ويمكن لاحقاً أن تتحول إلى أدوات في خدمتها.
استراتيجية إسرائيل لتقسيم وتفكيك سوريا
في الحالة السورية، تضمنت هذه الاستراتيجية تقسيم البلاد إلى أربع مناطق رئيسية:
- دولة درزية تتمركز في محافظة السويداء جنوب سوريا، حيث تأمل إسرائيل في إنشاء كيان درزي موالٍ لها.
- دولة علوية صغيرة على الساحل السوري بدعم روسي، تتمحور حول مدينتي اللاذقية وطرطوس.
- منطقة كردية في شمال شرق سوريا بدعم أميركي وتحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
- حزام سني عربي تحت النفوذ التركي يمتد على طول الحدود الشمالية والشمالية الغربية وفي قلب سوريا.
ويخدم هذا المخطط التقسيمي مباشرة الأهداف الصهيونية، حيث يُبقي سوريا دولة ضعيفة، مفككة، وعاجزة عن أداء دورها كلاعب إقليمي داعم للمقاومة الفلسطينية ومعارض للاحتلال الإسرائيلي.
هذا التوجه كان دائماً هدفاً ثابتاً في فكر منظّري الكيان الصهيوني، وقد كتب برنارد لويس، أحد أبرز المفكرين تأثيراً في الأوساط الإسرائيلية والأميركية، في كتابه عام 1992: “إن معظم دول المنطقة قابلة للتفكك والانقسام، وإذا ما تم إضعاف السلطة المركزية بما فيه الكفاية، فإن هذه الدول ستتفكك في ظل الفوضى الطائفية والقبلية والحزبية”.
تدمير القوة العسكرية والاستراتيجية لسوريا على يد الكيان الصهيوني
منذ عام 2013، شن الكيان الصهيوني مئات الهجمات الجوية على أهداف داخل سوريا، غالباً بذريعة استهداف مواقع مجموعات المقاومة، لكنه في الواقع كان يسعى بشكل منهجي لتدمير أنظمة الدفاع الجوي السورية ومستودعات الأسلحة والقواعد العسكرية ومراكز الأبحاث العلمية في البلاد، وكان الهدف واضحاً تماماً؛ منع إعادة بناء القدرات العسكرية لسوريا، وإيجاد تفوق عسكري ونفسي مستدام لإسرائيل، والقضاء على كل مصادر التهديد ضد هذا الكيان.
في حين أن الصهاينة خلال أزمة الإرهاب في سوريا التي دامت قرابة عقد من الزمن لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم التقليدية في تقسيم البلاد، بعد سقوط حكومة بشار الأسد في ديسمبر 2024، وبظل صمت وتواطؤ دولي وخمول الحكومة السورية الجديدة برئاسة أبو محمد الجولاني، زعيم جماعة تحرير الشام الإرهابية، اتخذت إسرائيل خطوات كبيرة نحو تنفيذ مشروع تقسيم سوريا.
فور سقوط حكومة بشار الأسد، بدأت إسرائيل بشن هجماتها العنيفة على سوريا، وخلال أسابيع قليلة دمرت تقريباً القدرات العسكرية للبلاد بشكل كامل، بالإضافة إلى ذلك، توسع الاحتلال الصهيوني في جنوب سوريا، واحتل أكثر من 400 كيلومتر مربع من الأراضي السورية إلى جانب مرتفعات الجولان.
عاصفة الأقصى وإعادة رسم خريطة المنطقة
بعد بدء عملية عاصفة الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، اهتزت عقيدة الردع للكيان الصهيوني بشدة، وكموقف رد فعل على عملية المقاومة الفلسطينية بدعم أمريكي، بدأ هذا الكيان موجة من الهجمات العسكرية والمؤامرات السياسية ضد أعضاء محور المقاومة في المنطقة.
كان المسؤولون الصهاينة يصفون هذه اللحظة بأنها فرصة تاريخية لتغيير شكل المنطقة، والقضاء على التهديدات، وإحياء ردع إسرائيل، وتغيير قواعد الاشتباك، والوصول إلى عمق استراتيجي.
وفي هذا السياق، كثفت إسرائيل هجماتها على سوريا، بما في ذلك دمشق وحمص والسويداء، لمنع تحويل البلاد إلى قاعدة للمقاومة أو حليف لها. كما استغلت الفوضى الإقليمية لتحقيق أهدافها الانفصالية.
استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا؛ الهيمنة عبر فوضى مُتحكم بها
تتوافق استراتيجية أمريكا في سوريا مع استراتيجية أوسع بعد الحرب الباردة؛ وهي منع بروز أي قوة في المنطقة أو العالم يمكنها تحدي هيمنة الولايات المتحدة.
خلال الحرب الباردة، كانت واشنطن تنظر إلى سوريا، خاصة في عهد حافظ الأسد، كدولة تابعة للاتحاد السوفيتي وداعمة للعروبة والمقاومة الفلسطينية والتحالفات المناهضة للنفوذ الأمريكي.
بعد غزو العراق عام 2003، سعت أمريكا لعزل سوريا، وفي 2011 مع بداية الحرب العالمية على الإرهاب بقيادة واشنطن ضد سوريا، اتبعت سياسة تعامل انتقائية، ودعمت القوات الكردية في شمال شرق سوريا، وهو عامل أتاح لإسرائيل شن هجمات جوية مستمرة لتقويض القدرات العسكرية السورية.
رغم أن واشنطن تدعم التقسيم الفعلي لسوريا، إلا أن هدفها ليس بالضرورة تنفيذ خطة تقسيم طائفي أو عرقي على نمط إسرائيل، بل تسعى للحفاظ على وجود طويل الأمد في سوريا، ومنع سيطرة روسيا وإيران على شرق البحر المتوسط، وضمان بقاء أي حكومة مستقبلية سورية خاضعة أو في خدمة مصالح أمريكا.
تقسيم سوريا من بوابة المجتمع الدرزي
تصاعد التوترات في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب سوريا خلال المرحلة الأخيرة بعد جرائم عناصر إرهابية مرتبطة بحكم أبو محمد الجولاني، ثم تدخل الكيان الصهيوني، يظهر بوضوح خطورة حالة عدم الاستقرار الداخلي في سوريا. هذا الوضع الهش والصراعات الداخلية جذب انتباه الكيان الصهيوني ومنحه فرصة كافية لتقسيم سوريا.
تشير التقارير إلى أن الجماعات الدرزية المؤيدة للكيان الصهيوني في السويداء تستغل الاستياء الاقتصادي والاجتماعي لتزيد من اضطرابات المحافظة، في حين أن أمريكا، رغم مطالبتها الظاهرية بالهدوء واحترام سيادة سوريا، لم تدن بشكل علني التدخل الإسرائيلي في البلاد.
الحركات التي يقوم بها اليوم الكيان الصهيوني في السويداء تعكس خطة ينون ولكن بشكل أوسع، أي إنشاء تحالف مع الأقليات العرقية والطائفية مثل الدروز الذين قد يدعمون الحكم الذاتي تحت حماية الكيان الصهيوني، مع ذلك فإن المجتمع الدرزي في سوريا منقسم، وكثير من الدروز يرفضون التدخلات الخارجية.
السياسة المزدوجة لواشنطن وتل أبيب في سوريا
بينما يسعى الكيان الصهيوني لإقامة دولة درزية في جنوب سوريا، تستمر الولايات المتحدة في سياسة حذرة، معترفة بأن الدعم العلني لمثل هذه الخطوة قد يثير ردود فعل عنيفة في الأردن ولبنان وحتى داخل الدروز في إسرائيل. كما تخشى واشنطن أن سوريا المقسمة قد تعزز قوة الفصائل المعارضة للمحور الأمريكي-الصهيوني وتعيد مكانة ونفوذ روسيا وإيران في سوريا.
لذا، تفضل أمريكا سوريا مقسمة لكن غير منهارة، كي تتمكن من الحفاظ على نفوذها دون إحداث فوضى إقليمية واسعة ومنع الإضرار بمصالحها. أما إسرائيل، فلا تملك هذه التحفظات ومستعدة للفوضى الإقليمية الواسعة بهدف تقسيم سوريا ومن ثم باقي الدول العربية.
تقسيم سوريا للسيطرة على العالم
هناك مقولة شهيرة لسياسي ومفكر إنجليزي يُدعى هالفورد ماكيندر تنطبق على سوريا: «من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب العالم، ومن يسيطر على قلب العالم يهيمن على الجزيرة العالمية، ومن يسيطر على الجزيرة العالمية يسيطر على العالم بأسره.»
وبنفس المنطق، تقع سوريا في موقع محوري في قلب العالم العربي، وتتحكم في طرق التجارة والتحالفات الإقليمية، ولهذا تعتقد القوى الإقليمية والعالمية أن من يسيطر على سوريا أو على جزء كبير منها، يملك نفوذاً واسعاً على كامل منطقة الشرق الأوسط.
في هذا السياق، تتبع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني سياسة مزدوجة تجاه سوريا؛ بالنسبة لواشنطن، سوريا هي رقعة شطرنج تمنع أعداءها من التمكين، وتحافظ على هيمنتها على الدولار النفطي، وتمنع إسرائيل من الغرق في الفوضى والأوحال، أما بالنسبة لإسرائيل، ف سوريا تهديد وجودي يجب إزالته تماماً وتقسيمها إلى مجموعة من الدول الصغيرة التابعة لهذا الكيان.
هذه الأهداف والطموحات الأمريكية – الصهيونية تسبب معاناة مستمرة لشعب سوريا، وتضعف الأمن القومي العربي ومفهوم سيادة الدول العربية بشكل عام. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يدق جرس الخطر لتقسيم سوريا، حيث يواجه شعبها في ظل حكم إرهابي مثل حكم جولاني، الذي يصمت تجاه الاعتداءات الخارجية ويتوسل لتطبيع العلاقات مع المعتدين الصهاينة، أخطر تهديد وجودي على الإطلاق.