المحور الأول: السياقات وبداية الحرب – «الجزء الثالث»

✍️ القسم السياسي:
لماذا تم اختيار إيران كهدف الآن؟
تحليل الدوافع والأهداف
اختيار إيران لتكون الهدف الرئيسي في يونيو 2025 لم يكن صدفة، بل نتيجة تراكم دوافع استراتيجية وسياسية مدعومة بخسائر إقليمية لطهران:
أولًا: التهديد النووي المستشعر
تعتبر إسرائيل البرنامج النووي الإيراني — رغم طبيعته السلمية بحسب إيران — تهديدًا وجوديًا مباشرًا. وفقًا لمصادر استخباراتية إسرائيلية، اقتربت طهران من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪، مما يجعلها — حسب ادعاءاتها — في نطاق إنتاج سلاح نووي خلال أشهر قليلة. هذه الحقيقة ولّدت قلقًا لدى القيادة الإسرائيلية التي تخشى أن يكون لامتلاك إيران سلاح نووي أثر جذري في ميزان القوى الإقليمي، خاصة مع وجود أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل “إس‑300” الروسية.
ثانيًا: استغلال الخسائر الإقليمية لطهران
سقوط النظام الأسدي في ديسمبر 2024 قطع خط الإمداد اللوجستي بين إيران وحزب الله، بينما أدّى اغتيال قادة بارزين في الحزب إلى تعطّل مؤقت في الهيكل القيادي. جرّى استغلال هذا كفرصة لاعتبار إيران أضعف مما كانت عليه، ما شجع إسرائيل على توجيه ضربة مباشرة.
ثالثًا: استثمار الأزمات الداخلية والضغوط الاقتصادية
فرضت العقوبات الغربية خسائر اقتصادية تقدر بمئات مليارات الدولارات، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ما أسهم في تفتيت اللحمة الوطنية مؤقتًا. واستغلت إسرائيل ذلك عبر وسائل إعلامية فارسية المحور لتحفيز احتجاجات داخلية، وتوسيع الهوّة بين مؤيدي الانفتاح والمفاوضات ومؤيدي استقلال البلاد الاستراتيجي. في الوقت نفسه، كان نتنياهو بحاجة إلى إنجاز عسكري لضمان تأييد داخلي وخارجي، خصوصًا بعد سنوات من الانتكاسات في غزة.
رابعًا: تعطيل المفاوضات النووية مع الغرب
السلوك الإسرائيلي تجاه هذا التصعيد هدفه أيضًا ضرب احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، بهدف تحفيز دول الغرب لتشديد العقوبات على طهران، وبالتالي تأكيد إسرائيل كحليف استراتيجي أميركي من الدرجة الأولى.
من منظور الواقعية السياسية، استغلت إسرائيل “الفرصة الهيكلية” الناتجة عن تدهور علاقات إيران الإقليمية والهشاشة الأمنية في سوريا لاستعادة ميزان القوى لصالحها، بدعم لوجستي واستخباراتي من واشنطن.
🛰️ خريطة الهجوم: من أين وكيف تمّ التنفيذ؟
بدأت عملية “الأسد الناهض” في تمام الساعة الثالثة فجراً من يوم 13 حزيران/يونيو 2025، بتنسيق دقيق بين الجيش الصهيوني وجهاز الموساد، وبدعم استخباراتي مباشر من الولايات المتحدة.
تركّزت الضربات الجوية على مواقع استراتيجية داخل طهران، أصفهان، قم وكرمانشاه، مستهدفةً منشآت نووية حساسة مثل نطنز وفوردو، بالإضافة إلى مصانع إنتاج الصواريخ الباليستية غرب إيران، وقواعد عسكرية تابعة لـ الحرس الثوري.
نُفذت الغارات باستخدام أسطول من مقاتلات F-35 الشبحية، مدعومة بطائرات مسيّرة متطورة من طراز “هرمز 900” و**”هاروب”، إلى جانب صواريخ دقيقة التوجيه مثل “دليلة” و“سبايس آرو”**.
من أبرز الأهداف التي تمّ استهدافها:
- اغتيال قادة عسكريين كبار، أبرزهم محمد سعيد إزدي، قائد “فرع فلسطين” في فيلق القدس، الذي استُهدف في منزله بمدينة قم واستشهد مع ثلاثة من مساعديه.
- الهجوم على بهنام شهرياري، قائد وحدة نقل المعدات القتالية، داخل قاعدة عسكرية في كرمانشاه، في محاولة لتدمير مستودعات الصواريخ الباليستية.
- هجمات إلكترونية واسعة نفذتها وحدة 8200، أدّت إلى قطع الإنترنت في طهران، شيراز، ومشهد لمدة 12 ساعة، بهدف شلّ شبكات القيادة والسيطرة الإيرانية.
استغرقت المرحلة الأولى من العملية قرابة ست ساعات، تلتها هجمات متواصلة على مدار ثلاثة أيام، استهدفت خلالها منشآت إضافية مثل محطات الرادار ومراكز الاتصالات.
هذا ما يدّعيه العدوّ في تقاريره العسكرية والإعلامية.
اعتمدت “إسرائيل” على قواعد جوية في الأراضي المحتلة، منها قاعدة “رامون” في صحراء النقب، بالإضافة إلى قاعدة “أكروتيري” في جزيرة قبرص، كنقطة انطلاق لوجستية للطائرات.
كما تمّ استغلال الأجواء الجوية لبعض دول الجوار الإيراني، واستخدام تقنيات تضليل متقدمة مثل بث إشارات راديوية مزيفة لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، إلى جانب طائرات استطلاع حددت مواقع الأهداف بدقة.
كل ذلك يُظهر مستوى عالٍ من التنسيق العسكري والتقني، لكنه يكشف أيضاً عن الاعتماد الكبير على الدعم الأميركي، خصوصاً في مجالات الاستطلاع الجوي، التزود بالوقود جواً، وتقديم صور الأقمار الصناعية التي ساعدت في تحديد مواقع المنشآت النووية الإيرانية.