انهيار الكيان الصهيوني: الهولوكوست الفلسطيني ونهاية الرواية المزيفة

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
فجّرت صحيفة “أكسيوس” الأمريكية قنبلة تحليلية حين وصفت الوضع الدبلوماسي للكيان الصهيوني غير الشرعي ومنعدم الجذور بأنه “أسوأ انهيار” منذ إعلان تأسيسه المزعوم عام 1948. هذا الوصف جرس إنذار يعكس تراكم عقود من السياسات العدوانية التي تنهار الآن تحت ضغط الحقيقة التاريخية والمقاومة الشعبية.
“أكسيوس”، المقربة من دوائر صنع القرار في واشنطن، أكدت في تقريرها المستند إلى مصادر داخلية، أن الكيان يواجه عزلة غير مسبوقة على المستوى الدولي، حتى من قبل حلفائه التقليديين. هذا الانهيار ليس سوى نتيجة منطقية لسلسلة من الجرائم الممنهجة بدأت باحتلال فلسطين، لا سيما مدينة يافا المحتلة التي أصبحت رمزًا للظلم التاريخي.
ركّز التقرير على تصاعد التوتر بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، الحليف الأبرز له، والتي لطالما قدّمت دعماً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً غير مشروط. لكن اليوم، حتى هذا الحليف بات في موقف محرج وصعب أمام الرأي العام العالمي، بسبب وحشية الكيان تجاه الفلسطينيين، والتي بلغت حد اتهامه بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية.
هذه الاتهامات تستند إلى تقارير موثقة من منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش”، التي وصفت سياسات الكيان بأنها جرائم فصل عنصري واضطهاد ممنهج. وأكدت في آخر تقاريرها أن الكيان يمارس سيطرة واحدة على كامل المنطقة الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث يمنح المستوطنين امتيازات بنيوية على حساب الفلسطينيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
الانهيار الدبلوماسي المشار إليه لا يعني فقط فقدان أصوات في الأمم المتحدة، بل يشير إلى انهيار سردية كاملة بُنيت خلال 77 عاماً. سردية “الضحية” التي كانت تُستخدم لتبرير الاحتلال والعدوان، بدأت تتهاوى مع كل صورة من دمار غزة، وكل تقرير عن استهداف المدنيين، وكل شهادة عن الظروف القاسية في الأراضي المحتلة.
السردية التي كانت ترتكز على مزاعم “الحق التاريخي” و”الدفاع عن النفس” لم تعد تقنع حتى الحلفاء التقليديين. ففي يافا المحتلة، التي يُراد لها أن تكون وجه الكيان “المتحضر”، تتكشف يومًا بعد يوم حقائق عن مدينة فلسطينية سُلب سكانها ودُمّر تراثها.
ما يجعل تقرير “أكسيوس” أكثر وقعاً هو توقيت نشره، في ذروة مواجهة الكيان للمقاومة الفلسطينية، خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023. في هذه اللحظة الحرجة، تتزايد عزلة الكيان حتى من قبل دول كانت محايدة أو مترددة، والتي بدأت الآن باتخاذ مواقف واضحة ضد جرائمه. قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة – التي طالما تجاهلها الكيان منذ 1948، كقرار 194 بشأن حق العودة – أصبحت الآن مرجعيات رسمية لدول تسعى لمساءلة الكيان. حتى في أوروبا، التي طالما دعمت الكيان، تعلو أصوات تطالب بفرض عقوبات على مسؤوليه المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان.
لكن الانهيار الدبلوماسي ليس سوى جزء من الصورة. ما يحدث في فلسطين هو “هولوكوست حقيقي”، لا ما يروّجه الكيان في روايته الزائفة. الهولوكوست الحقيقي هو ما يعانيه الفلسطينيون يوميًا: مصادرة الأراضي، هدم المنازل، الحصار الكامل على غزة، والقيود القاسية على التنقل والحقوق الأساسية. تصف “هيومن رايتس ووتش” هذه السياسات بأنها محاولة ممنهجة لـ “تقليص التهديد الديمغرافي” الفلسطيني، أي طردهم قسرًا من أرضهم من خلال التهجير والحرمان من الإقامة. وفي غزة، حيث 80٪ من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، تؤدي القيود على الاستيراد إلى تدمير الاقتصاد وجعل 96٪ من المياه غير صالحة للشرب، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
هذا الهولوكوست المستمر ليس مجرد أرقام وتقارير، بل هو روايات إنسانية تتكرر كل يوم: عائلات تتفكك بسبب قوانين الفصل العنصري، أطفال يقتلون في الغارات الجوية، ومزارعون يُمنعون من الوصول إلى أراضيهم.
في الضفة الغربية، يواجه الفلسطينيون قيودًا شديدة على البناء تُجبرهم على مغادرة منازلهم، في وقت تتوسع فيه المستوطنات غير القانونية بدعم مباشر من الحكومة المحتلة. هذه السياسات – التي وصفتها “أكسيوس” بأنها أساس العزلة الدبلوماسية – هي نفسها التي تدفع الكيان نحو الانهيار. فكيف يمكن لكيان قام على الظلم والقمع أن يصمد أمام إرادة شعب مقاوم ودعم عالمي متصاعد؟
ما يعزز هذا التحليل، تصريحات من داخل الكيان نفسه. ففي مقال بصحيفة “هآرتس” العبرية في سبتمبر الماضي، أشار رئيس تحريرها إلى “عوامل انهيار” الكيان، مستندًا إلى تحذيرات الإمام السيد علي الخامنئي، ومؤكدًا أن الأزمات الداخلية، كالصراعات السياسية والفساد في حكومة يافا المحتلة، فاقمت هذا الضعف البنيوي. وأشارت “أكسيوس” في تقرير آخر عام 2024 إلى فضائح داخل مكتب رئيس الوزراء، واصفة إياها بأكبر أزمة داخلية منذ بداية الحرب على غزة. هذه الفضائح، إلى جانب الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية ضد المقاومة، تكشف انهيارًا داخليًا يوازي العزلة الخارجية.
الكيان الصهيوني عديم الجذور، المبني على أنقاض مدن مثل يافا، لم يعد قادرًا على إخفاء حقيقته كمشروع استعماري. لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية – من غزة إلى الضفة – أن هذا الشعب لن يستسلم أبدًا، بينما يكشف العالم تدريجيًا الوجه الحقيقي لهذا الكيان. تقارير مثل تلك التي نشرتها “أكسيوس”، والاتهامات أمام محكمة العدل الدولية، وصمود المقاومة، جميعها مؤشرات على أن زوال هذا الكيان ليس مجرد توقع، بل مسار تاريخي حتمي. فكيانٌ بُني على القتل والتهجير القسري لا يمكن أن يبقى إلى الأبد، لأن الحقيقة – مهما قُمعت – ستجد في النهاية طريقها نحو النور.