القسم السياسي

في أي مرحلة من المعركة نحن؟

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

يبدو أننا نقف في مرحلة حسّاسة من المعركة؛ حيث يواجه الكيان الصهيوني السفّاح للأطفال هزائم عسكرية وسياسية متتالية، فيما تواصل المقاومة الفلسطينية صمودها بدعم من إيران وحلفائها. وتشير المؤشرات إلى ثبات غزة وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية على هذا الكيان. كما أن احتمال تصاعد التوترات، لا سيّما في ظل الدعم اليمني وردود الفعل العربية والإسلامية المتزايدة، يبقى وارداً وبقوة.

السياق العسكري

تُظهر الشواهد أنّ المخططات العسكرية للكيان الصهيوني، وعلى رأسها “عربات جدعون”، قد فشلت. فقد اصطدمت هذه الخطط بصمود عنيف من قبل الفلسطينيين، ما ساهم في تعزيز ثبات غزة.

السياق الإنساني والسياسي

لقد أدّت سياسة الحصار والتجويع إلى كارثة إنسانية دفعت حتى دونالد ترامب إلى الاعتراف بوقوع المجاعة. وفي الوقت ذاته، يواجه الكيان الصهيوني ضغوطاً سياسية متزايدة من قِبل دول تسعى إلى الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر 2025.

الدور الإقليمي

تؤدي إيران دوراً محورياً، حيث تعزّز محور المقاومة بالتنسيق مع تحركات اليمن، وردود الفعل العربية والإسلامية التي باتت مصدر إحراج لبعض الأنظمة. وقد شكّل إحياء ذكرى استشهاد إسماعيل هنيّة في طهران رمزاً لهذه التضحيات، مما زاد من تماسك هذا المحور.

تقرير تحليلي

في خضمّ المعركة المشتعلة في غزة، يبرز سؤال جوهري: في أي مرحلة من مراحل المعركة نحن؟
يسعى هذا التقرير إلى تحليل المرحلة الراهنة من هذه المواجهة الوجودية مع الكيان المصطنع، بناءً على التطورات الأخيرة والدعم الإيراني المتواصل لحركات المقاومة، مع التركيز على الأبعاد العسكرية والإنسانية والسياسية والإقليمية. حيث يتم تناول كل بُعد بشيء من التفصيل، مع الحفاظ على الترابط بينها لتقديم صورة شاملة.

مدخل عام: السياق الشامل

وسط الصراع الوجودي الدائر في غزة، يبدو أننا نعيش لحظة مصيرية. الكيان الصهيوني السفّاح للأطفال يتكبّد هزائم متزايدة على مختلف الجبهات، في حين تواصل المقاومة الفلسطينية صمودها بدعم فعّال من إيران وقوى محور المقاومة. وبينما نحيي في طهران ذكرى استشهاد إسماعيل هنيّة، يثبت التزام إيران بقضية غزة وفلسطين من جديد، وهو التزام لم يتزعزع رغم استمرار العدوان الصهيوني–الأميركي.

صمود غزّة وفشل مخططات الكيان الصهيوني السفّاح للأطفال

غزة، رمز الصمود والمقاومة، تقف بشجاعة لا توصف في وجه آلة الحرب الصهيونية. المخطط الذي حمل اسم “عربات جدعون” ووقّعه رئيس الأركان إيال زمير، كان يهدف إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية وتحقيق أحلام نتنياهو، لكنه مُني بهزيمة قاسية. زمير، الذي أراد التفوّق على هرتسي هليفي، أدرك أنّ هدف نتنياهو المتمثل في القضاء على حماس يتناقض مع هدف تحرير الأسرى.

فالتحرير عبر العملية العسكرية يعني قتل المزيد، بل وربما قتل الأسرى أنفسهم، بينما الطريق الوحيد لإعادتهم هو الحوار مع حماس. دخلت “عربات جدعون” غزة مغرورة، لكنها واجهت الألغام، والكمائن الدقيقة، وصواريخ “ياسين 105″، ليدرك زمير أن الكيان الصهيوني أضعف من أن يحقق نصراً عسكرياً. وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية بإيمانها وصمودها أن غزة عصيّة على الانكسار.

فشل سياسة التجويع وتفاقم الكارثة الإنسانية

إلى جانب الفشل العسكري، باءت السياسات اللاإنسانية لهذا الكيان بنتائج عكسية. الحصار وتجويع غزة، بدعم أميركي، لم يؤدّيا إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، التي أصبحت وصمة عار على جبين المجتمع الدولي. حتى دونالد ترامب، الداعم الدائم لهذا الكيان، اضطر للاعتراف بوقوع المجاعة، وعبّر عن تعاطفه مع الأمهات والأطفال بكلمات أثارت الدهشة، واصفاً منكري هذه المأساة بـ”القساة أو المجانين”—محاولة متأخرة لتطهير صورة كان شريكاً في تشويهها. وقد جاء هذا الاعتراف بينما كان مبعوثه، ويتكوف، في يافا يبحث عن مخرج من فشل خطط “التجويع” و”عربات جدعون”. لكن هذه السياسات، التي سعت لتركيع غزة، زادت من صمود الشعب الفلسطيني وفضحت وجه الكيان الوحشي أمام العالم.

السقوط السياسي للكيان بين حلفائه الغربيين

فشل الكيان السفّاح لم يقتصر على الجانب الإنساني، بل امتد إلى الساحة السياسية، حيث يواجه سلسلة من الإخفاقات بين حلفائه التقليديين في الغرب وأوروبا. إعلان عدة دول أوروبية نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025 شكّل ضربة قاضية لنتنياهو وحكومته المتطرفة. ورغم أن هذه التصريحات قد تكون جزءاً من خطة لتخفيف الضغط عن الكيان، فإنها تعكس فشلاً دبلوماسياً ذريعاً. لم يعد هذا الكيان قادراً حتى على إقناع حلفائه بتبنّي روايته الزائفة حول جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. وتؤكّد التطورات الأخيرة، بقيادة محور المقاومة برئاسة إيران، أن موازين القوى العالمية بدأت تميل لصالح المقاومة، وأن عزلة الكيان الصهيوني تتفاقم حتى بين أصدقائه السابقين.

العدوان الصهيوني–الأميركي على إيران وصمود المقاومة

على المستوى الإقليمي، يواجه الكيان السفّاح ردود فعل حازمة من الدول والجماعات الداعمة للمقاومة، وعلى رأسها إيران. في الذكرى السنوية لاستشهاد إسماعيل هنيّة في طهران، جُدّد عهد الدم مع الشهداء لمواصلة المقاومة. كان هذا العدوان، الذي شنّه الكيان الصهيوني بدعم أميركي، محاولة يائسة لكسر إرادة إيران—الداعم الأكبر للمقاومة الفلسطينية. لكن إيران، بموقفها الثابت الذي لا يعرف المساومة، قدّمت كل شيء في سبيل دعم غزة وفلسطين: من الدعم العسكري والسياسي، إلى تقديم دماء أبنائها على أرض المعركة. هذا الموقف عزّز وحدة محور المقاومة—حماس، حزب الله، اليمن، سوريا، العراق—وأقام سداً منيعاً في وجه العدوان الصهيوني–الأميركي. لم يُضعف اغتيال هنيّة المقاومة، بل زادها عزماً على مواصلة المعركة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني، وأثبت أن دماء الشهداء هي وقود الانتصار.

التحرّكات العربية والإسلامية والدور المحوري لإيران

بالتزامن مع استمرار دعم إيران للمقاومة، بدأت تحرّكات في العالم العربي والإسلامي. بيان المرجعية العليا في النجف بشأن مجاعة غزة كسر جدار الصمت، ووضع الجميع أمام امتحان أخلاقي وسياسي. لم يقتصر البيان على إدانة جرائم الاحتلال، بل وجّه نقداً لاذعاً لصمت المتواطئين العرب والمسلمين، مُحرجاً الحكومات المتخاذلة. ما ميّز البيان أنه طالب بتحرّك عاجل من العالم، استناداً إلى واجب شرعي، لإنهاء هذه الكارثة، وفرض إلزام فعلي على الكيان الصهيوني وحلفائه لوقف سياسة التجويع والترحيل.

في هذا السياق، جاءت كلمة خليل الحيّة، رئيس مكتب حماس في غزة، موجهة إلى الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، حاملة عتاباً شديداً على صمتهم وتقاعسهم. وقد أثارت هذه الكلمات قلق بعض الحكومات، فبادرت إلى إطلاق وعود بتقديم مساعدات، رغم بقاء هذه الخطوات محدودة جداً. في المقابل، حاول الكيان الصهيوني تخفيف الغضب العام من خلال الترويج لتسهيلات وهمية في دخول المساعدات. أما إيران، فقد بقيت بجانب غزة، من خلال تحرّك دبلوماسي فعّال ودعم لوجستي حقيقي. والجمهورية الإسلامية، التي تواجه هي نفسها عدواناً صهيونياً–أميركياً، ما زالت تشكّل العمود الفقري لمحور المقاومة، وترى في دعم فلسطين واجباً إسلامياً وإنسانياً لا يقبل التهاون.

تصعيد اليمن وتعزيز محور المقاومة

في الميدان، يواصل حلفاء إيران لعب دور بارز، حيث تقف اليمن في طليعة محور المقاومة، مقدّمةً دعمها العسكري والشعبي لغزة دون تراجع. وقد أعلنت اليمن أنها تُعدّ خطوات جديدة لاستهداف السفن والشركات المتعاملة مع الكيان الصهيوني السفّاح للأطفال. بعد إغلاق ميناء “أم الرشراش” (إيلات) واستمرار إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية، تصاعد الضغط على الكيان بشكل حاد. عجز هذا الكيان عن مواجهة اليمن، رغم قصفه لميناء الحديدة وأهداف أخرى، يؤكّد على ثبات موقف اليمنيين. وقد أثبتت اليمن، بقيادة أنصار الله، أن المقاومة ليست مجرد شعار، بل فعل ميداني قادر على إذلال العدو وتعزيز صمود غزة.

أخطر مراحل الحرب ودور إيران في مواجهتها

رغم كل هذا الدعم، لا يزال الكيان الصهيوني يواصل عدوانه. ويمكن القول الآن إنه يمر بأخطر مراحل حياته، يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويتصرّف كالمجرم الذي يشعر بحبل المشنقة حول عنقه؛ فيزيد من جرائمه في غزة والضفة، ويوسّع اعتداءاته ضد إيران وحلفائها. لكن هذا التصعيد يُواجَه بثبات محور المقاومة وبقيادة إيران الراسخة. فقد ضحّت إيران بدماء أبنائها ومواردها في سبيل فلسطين، ولا تقبل بأي تراجع أو مساومة، وتدعم المقاومة الفلسطينية بكامل قوتها. نتنياهو، في دوامة وهم السلطة، يظن أن المزيد من سفك دماء الفلسطينيين سيمنحه النصر، لكن هذه المرحلة الخطيرة تُظهر فقط ضعف الكيان وفشله، بينما تستمر المقاومة، بدعم إيران، في التقدّم بإيمانٍ أقوى وإرادة لا تلين.

الاعتراف بفلسطين من الغرب: مناورة أم هزيمة؟

مع اقتراب موعد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، يُطرح سؤال جوهري: هل تمثل هذه الخطوة هزيمة حقيقية للكيان، أم أنها مجرد مناورة دبلوماسية؟ رغم أن هذه الاعترافات تبدو كأنها انتصار رمزي للفلسطينيين، فإنها في الواقع قد تكون محاولة لتخفيف الضغط عن الكيان السفّاح. الاعتراف بدولة فلسطينية في ظل الاحتلال وتدمير غزة، يبقى وهماً لا واقع له. وترى إيران أن هذه التحركات ليست إلا مناورات لإنقاذ الكيان الصهيوني من عزلته المتزايدة، وتؤكد أن الحل الحقيقي يكمن فقط في المقاومة المسلحة والضغط الشامل على العدو. إن محور المقاومة، بقيادة إيران، يرفض كل الحلول الشكلية، ويؤمن بتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، مهما كانت التضحيات.

الجدول: ملخص التطورات الأساسية

البُعد التفاصيل
العسكري فشل “عربات جدعون”، صمود غزة، المقاومة المسلحة بصواريخ ياسين 105
الإنساني مجاعة غزة، بيان المرجعية، اعتراف ترامب، فشل سياسة التجويع
السياسي خطط أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين (سبتمبر 2025)
الإقليمي دعم إيران، التحركات العربية والإسلامية، هجمات اليمن على سفن العدو
دور إيران الدعم العسكري والسياسي، الصمود في وجه العدوان، ذكرى استشهاد هنية

رؤية شاملة

تشير التحليلات إلى أن الكيان الصهيوني السفّاح يتعرض لهزائم على عدة جبهات، بينما تزداد المقاومة قوة وثباتاً بدعم إيران وحلفائها. ورغم كل التحديات، تبقى قضية فلسطين في قلب المعركة الإقليمية، ولا طريق للحرية والعدالة سوى طريق التضحية والمقاومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى