أخبار العالم

ما وراء عدم رغبة ألمانيا في فرض عقوبات تسليحية على الكيان الصهيوني

تطرقت وسيلة إعلام غربية في تقرير لها إلى الأسباب والخلفيات الكامنة وراء عدم رغبة ألمانيا في فرض عقوبات تسليحية على الكيان الصهيوني، رغم تصاعد الدعوات المطالِبة بذلك.

نقلاً عن موقع “صدای سما” تناولت صحيفة “شتوتغارتر ناخريشتن” في تقرير لها الأسباب التي تقف وراء عدم رغبة الحكومة الألمانية في فرض حظر تسليحي على الكيان الصهيوني، رغم الجرائم المستمرة التي يرتكبها في قطاع غزة، وكتبت: بالرغم من الاتهامات الموجهة لإسرائيل بانتهاك القوانين الدولية، إلا أن ألمانيا ما تزال متمسكة بسياسة تصدير الأسلحة لهذا الكيان وتواصل تزويده بالسلاح. وهنا يُطرح السؤال: لماذا؟

ووفقاً لتقرير صادر في مايو 2025 عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني، فإن أفعال إسرائيل في غزة، خاصة الحصار ومنع المساعدات الإنسانية عمداً، تُعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. وقد اتهمت اللجنة الكيان الصهيوني باستخدام الجوع كسلاح حرب بشكل ممنهج، مما يشكل عقاباً جماعياً للسكان الفلسطينيين.

من جهتها، أكدت منظمة “أطباء بلا حدود” أن إسرائيل استأنفت تكتيكاتها السابقة من خلال تقديم مساعدات جزئية وإزالة الحواجز بشكل مؤقت فقط، في محاولة للتأثير على الرأي العام العالمي. إلا أن المنظمة حذرت من أن أزمة الجوع في غزة قد وصلت إلى مرحلة متقدمة لا يمكن حلها من خلال “وقفات إنسانية” مؤقتة خلال الهجوم العسكري.

كما أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن سيناريو المجاعة الأسوأ بات يتحقق فعلياً في قطاع غزة.

وفي نهاية يوليو 2025، أصدرت 28 دولة بياناً مشتركاً دعت فيه إلى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما طالبت أكثر من 100 منظمة إنسانية بوقف فوري لإطلاق النار وتوفير وصول غير محدود للمساعدات. ومع ذلك، تعارض ألمانيا هذا النداء الدولي.

الحكومة الألمانية، بقيادة فريدريش ميرتس، لم تكن من بين الدول الموقعة على هذا البيان، وبالرغم من الانتقادات الدولية المستمرة، فإنها ما تزال متمسكة بتحالفها الوثيق مع إسرائيل. لكن لماذا؟

البروفيسور الدكتور “ماتياس غولدمن”، أستاذ القانون الدولي في جامعة EBS في فيسبادن وباحث كبير في معهد ماكس بلانك في هايدلبرغ، علّق على هذا الأمر قائلاً: من الصعب تفسير سبب استمرار ألمانيا في تزويد إسرائيل بالسلاح، لكن من المحتمل أن يكون التعاون الأمني والاقتصادي الوثيق بين البلدين عاملاً أساسياً، حيث توجد العديد من المشاريع المشتركة ذات الخلفية الألمانية ـ الإسرائيلية. ويرى غولدمن أن هذا يثير تساؤلاً في برلين حول ما إذا كان هناك خوف من مخاطر قد تعود لاحقاً على ألمانيا.

وأشار الخبير أيضاً إلى الأسباب الاستراتيجية والتاريخية لهذا السلوك المتردد من جانب الحكومة الألمانية، قائلاً: إن ألمانيا لا تزال ملتزمة بالتعاون مع إسرائيل بدافع الولاء والسياسة التحالفية، وهي نظرة ما تزال متأثرة بقوة بالنظام الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. وأضاف: يجب أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت هذه السياسة لا تزال تتماشى مع مصالح تحالفاتنا الحالية. فألمانيا ما تزال تدفع بنفسها نحو إطار التحالف الغربي الخاضع لهيمنة الولايات المتحدة.

وتابع: بالطبع، هناك أيضاً أبعاد أمنية تلعب دوراً، خاصةً في ما يتعلق بروسيا، إذ تعتمد ألمانيا جزئياً على المشاركة النووية التي توفرها الولايات المتحدة، ولكن هذه لم تعد استراتيجية مناسبة للمستقبل. وشدد غولدمن قائلاً: هذا التحالف لا مستقبل له. ويجب على ألمانيا أن تتساءل كيف سيبدو تحالف أمني أوروبي في المستقبل، وهل ستكون أوروبا قادرة على ضمان ردع نووي مستقل على المدى البعيد أم لا.

أما عن عواقب هذا النهج على القانون الدولي الإنساني، فيرى غولدمن أن الوضع واضح جداً: بالنظر إلى ظروف الحرب، هناك الآن عدد كبير من الانتهاكات المنهجية والمستمرة والخطيرة للقانون الدولي الإنساني من قبل الكيان الصهيوني، بحيث إنه لم يعد من المشروع أو المقبول الاستمرار في تزويده بالسلاح.

قال ماتياس غولدمن، الخبير في القانون الدولي، إن الأساس القانوني لمنع تصدير الأسلحة في هذه الحالات، هو معاهدة تجارة الأسلحة الدولية، التي تحظر تصدير الأسلحة في حال وجود ما يُعرف بـ”خطر كبير” لاستخدامها في انتهاك القانون الدولي. وأضاف غولدمن أن نظرة فاحصة إلى صادرات الأسلحة الألمانية – مثل المعدات العسكرية أو أجزاء نقل الحركة للدبابات – تثير تساؤلاً عما إذا كانت هذه الصادرات لا تزوّد فعلياً بالأدوات نفسها التي استُخدمت سابقاً في ارتكاب انتهاكات موثّقة.

وتابع قائلاً: المسألة لا تتعلق فقط بحصار غزة أو تجويع السكان، بل الأهم من ذلك هو الهجمات المتعمدة على البنية التحتية المدنية – مثل المستشفيات، الجامعات، أو الأرشيفات – وهي تمثل انتهاكات جسيمة.

ويرى غولدمن أن ألمانيا تواجه مفترق طرق خطير. ويقول: من ناحية، فإن القانون الدولي حالياً يشهد تراجعاً، وهذا الأمر سيكون كارثياً لأوروبا وألمانيا على المدى الطويل، إذ لم يعد بإمكانهما الاعتماد على الولايات المتحدة كما كان في السابق.

وأضاف: لهذا السبب بالذات – أي الحاجة المتزايدة لاستقلالية النظام الأمني الأوروبي – يجب على ألمانيا أن تتصرف على الساحة الدولية كجهة موثوقة. وأكد: نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الاعتماد على القانون، وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول غير الأوروبية. يجب أن نعطيهم إشارة واضحة مفادها أننا – خلافاً للولايات المتحدة – نأخذ القانون الدولي على محمل الجد كأساس ملزم.

وأشار إلى أن اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في الشؤون الأمنية، خصوصاً في ظل الحرب الروسية، لا يمكن إنكاره. ولهذا فإن الحكومة الألمانية لا تريد المخاطرة بإبعاد واشنطن عنها.

ويرى غولدمن أن ألمانيا كان بإمكانها منذ فترة طويلة أن تبعث بإشارات أوضح بشأن هذا التوتر، مثلاً من خلال تقييد صادرات الأسلحة أو تعليق اتفاقيات التعاون مع إسرائيل. بدلاً من ذلك، ترسل برلين إشارات معاكسة، على سبيل المثال من خلال إعلان المستشار مرتس عن رغبته في دعوة نتنياهو إلى ألمانيا.

وأكد أنه رغم هذا المأزق، كانت هناك العديد من الخيارات المتاحة لألمانيا للدفاع عن القانون الدولي، لكنها لم تستخدمها.

ويعتقد هذا الخبير القانوني أن على ألمانيا أن تلتزم بالقانون الدولي قدر الإمكان، ليس فقط لأسباب أخلاقية، بل لأسباب استراتيجية أيضاً. وقال إن موقفاً قانونياً واضحاً – مثل تعليق تصدير الأسلحة في حال حدوث انتهاكات واسعة للقانون الدولي – يمكن أن يرسل رسالة قوية إلى الولايات المتحدة.

وختم قائلاً: على المدى البعيد، يجب على أوروبا أن تسعى إلى استقلال أكبر في سياساتها الأمنية، وإلا فستضطر لاحقاً إلى تقديم تنازلات أصعب بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى