موقف إيران من حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين: موقف مبدئي ومقترح الاستفتاء العام.

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
اعتمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقفاً ثابتاً ورافضاً لحل الدولتين كإطار لتسوية ما يُسمّى “النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي”، معتبرةً أن هذا الحل غير عادل للشعب الفلسطيني وغير كافٍ لمعالجة جذور القضية. وفي المقابل، تدعو إيران إلى إجراء استفتاء شامل بمشاركة جميع سكان فلسطين التاريخية – من المسلمين والمسيحيين واليهود – لتقرير مصير هذه الأرض من البحر إلى النهر. هذا الموقف يعكس الرؤية الاستراتيجية لإيران، التي تجمع بين المبادئ العقائدية والسياسية، وهو موقف عبّر عنه قادة الثورة الإسلامية منذ تأسيسها، من الإمام الخميني إلى الإمام الخامنئي والرئيس الراحل السيد إبراهيم رئيسي.
بيان الحرس الثوري الإيراني في رفض حل الدولتين
في بيان صدر اليوم، السبت 2 آب/أغسطس 2025، أعلن الحرس الثوري الإيراني رفضه القاطع لحل الدولتين، واعتبره تسوية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وتكريساً لوجود الكيان الصهيوني. وجاء في نص البيان:
“تسعى بعض التحركات الشيطانية إلى الترويج لحل الدولتين للقضاء على قضية فلسطين.
بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد «إسماعيل هنية»، أصدر الحرس الثوري بياناً أكد فيه أن «طوفان الأقصى» لم يكن حدثاً عابراً أو مفاجأة تاريخية في لحظة من لحظات المقاومة، بل هو مشروع شامل واستراتيجية ميدانية بُنيت على دماء الشهداء الأطهار، لا سيما الشهداء العظام إسماعيل هنية ويحيى السنوار، من أجل تحرير القدس، وهو مسار فعّال لتقرير مصير هذه الساحة.
نص البيان:
“بعض التحركات الشيطانية اليوم تحاول فرض حل الدولتين كخيار لحل القضية الفلسطينية.
الحرس الثوري الإيراني في بيان له بمناسبة الذكرى الأولى لاستشهاد القائد إسماعيل هنية يؤكد: بخلاف ما يتصوره العدو الصهيوني، فإن “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد حدث أو مفاجأة تاريخية في مرحلة من مراحل المقاومة، بل هو نهج واستراتيجية عملية تضمنها دماء الشهداء من أجل تحرير القدس، خاصة إسماعيل هنية ويحيى السنوار.
إن بعض المؤامرات الشيطانية هذه الأيام تحاول الترويج لفكرة إقامة دولتين، فلسطينية وإسرائيلية؛ وهو حل يتعارض تماماً مع العبارة الشهيرة للشهيد هنية وشعار حركة حماس البطل: “لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل”.
ويؤكد البيان على موقف إيران الرافض لأي حل يعترف بشرعية الكيان الصهيوني، ويعتبر أن فلسطين التاريخية وحدة لا تقبل التجزئة، وأن الحل يكمن في إرادة الشعب الفلسطيني من خلال استفتاء شامل.
مقترح الاستفتاء الذي قدّمه الإمام الخامنئي
قدم الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) مبادرة لإجراء استفتاء شامل في فلسطين كبديل لحل الدولتين، وقد تم تسجيل هذا المقترح رسمياً في الأمم المتحدة. وتتضمن المبادرة النقاط التالية:
- الشمولية: يدعو المقترح إلى إجراء استفتاء ديمقراطي بمشاركة جميع سكان فلسطين التاريخية (من البحر المتوسط إلى نهر الأردن)، بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم، بما يشمل المسلمين والمسيحيين واليهود الذين كانوا يعيشون في فلسطين قبل تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948.
- حق العودة: يشدد المقترح على ضرورة ضمان حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، ويعتبر أن أي حل لا يضمن هذا الحق هو حل غير عادل.
- الدولة الواحدة: يقترح المقترح إنشاء دولة فلسطينية موحدة ذات سيادة كاملة، تضمن حقوق جميع سكانها على اختلاف انتماءاتهم الدينية أو العرقية، وتكون القدس عاصمتها.
- رفض الاحتلال: يؤكد المقترح أن الاحتلال الصهيوني هو العقبة الرئيسية أمام تحقيق العدالة، وأن إنهاء الاحتلال هو شرط أساسي لأي حل ديمقراطي.
- تسجيل رسمي في الأمم المتحدة: تم تقديم هذا المقترح كوثيقة رسمية في الأمم المتحدة، لإضفاء طابع دولي عليه وتأكيد التزام إيران بالدفاع عن القضية الفلسطينية ضمن إطار قانوني ودولي.
تعكس هذه المبادرة الرؤية العقائدية للجمهورية الإسلامية التي تعتبر فلسطين قضية مركزية للأمة الإسلامية، وتسعى إلى تقديم حل يحافظ على وحدة الأراضي الفلسطينية ويرفض أي تسوية تكرّس وجود “إسرائيل”.
بالطبع، إليك الترجمة إلى اللغة العربية:
مقارنة بين شعار “محو إسرائيل من الخريطة” ومبادرة الاستفتاء
إن شعار “محو إسرائيل من الخريطة” الذي أطلقه الإمام الخميني (رحمه الله) يعبر عن الموقف المبدئي والثوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية في رفض شرعية الكيان الصهيوني بوصفه كيانًا غاصبًا. وقد طُرح هذا الشعار بهدف تعبئة الرأي العام الإسلامي والعالمي ضد الاحتلال، وهو يحمل طابعًا ثوريًا يعكس رفض إيران لأي اعتراف بوجود هذا الكيان غير المشروع. ومع ذلك، أسيء تفسير هذا الشعار أحيانًا على أنه دعوة للعنف أو الإبادة الجماعية، ما أثار جدلًا واسعًا.
في المقابل، تُعد مبادرة الاستفتاء التي قدمها الإمام الخامنئي (دام ظله) ترجمة عملية ودبلوماسية لهذا الموقف، وتكمل الشعار الثوري بصيغة قابلة للتنفيذ وفق الأطر الدولية. وتُظهر المقارنة بينهما أن كليهما ينطلق من هدف مشترك هو استعادة فلسطين التاريخية لأهلها من خلال رفض الاحتلال وتحقيق العدالة. فالشعار يعزز الروح الثورية ويحفز الجماهير، بينما تقدم المبادرة حلاً ديمقراطيًا وشرعيًا يعكس نفس المبادئ. وهكذا، يعبر الشعار والمبادرة عن هوية إيران الثورية والتزامها الثابت بالقضية الفلسطينية من خلال مسارين متكاملين.
أوجه التشابه:
- كلاهما يرفض شرعية الكيان الإسرائيلي كدولة احتلال.
- كلاهما يطالب باستعادة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.
- كلاهما يعبر عن التزام إيران الدائم بدعم القضية الفلسطينية بوصفها جزءًا من هويتها الثورية.
أوجه الاختلاف:
- شعار الإمام الخميني هو خطاب تعبوي وثوري موجه لتحفيز الجماهير، بينما مبادرة الإمام الخامنئي تُعد حلاً عمليًا ضمن إطار ديمقراطي وقانوني.
- تسعى المبادرة إلى مواءمة الموقف المبدئي مع ضرورات الدبلوماسية الدولية، وتُظهر مرونة أكبر في التعامل مع المجتمع الدولي.
قمة الرياض وموقف الشهيد إبراهيم رئيسي
عُقدت قمة الرياض في نوفمبر 2023، بعد أشهر قليلة من عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، والتي أعادت إحياء القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. وخلال هذه القمة العربية-الإسلامية، عبّر الرئيس الراحل الشهيد السيد إبراهيم رئيسي عن موقف واضح يتماشى مع الرؤية الإيرانية الرافضة لحل الدولتين، مؤكدًا على مبادرة الإمام الخامنئي لإجراء استفتاء شامل.
أبرز محاور خطاب الشهيد رئيسي في قمة الرياض:
- رفض حل الدولتين: أكد الشهيد رئيسي أن حل الدولتين يمثل تسوية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ويُضفي شرعية على الكيان الصهيوني، مما يتناقض مع العدالة التاريخية.
- دعم الاستفتاء: دعا إلى إجراء استفتاء ديمقراطي يشارك فيه جميع السكان الأصليين لفلسطين لتحديد شكل الحكم والدولة المستقبلية، معتبرًا ذلك الحل العادل الوحيد.
- إدانة الاحتلال: شدد على أن الاحتلال الإسرائيلي هو أصل النزاع، وأن أي حل لا يؤدي إلى إنهاء الاحتلال هو حل غير شرعي.
- دعم المقاومة: أثنى على عملية “طوفان الأقصى” بوصفها تعبيرًا عن إرادة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وأكد دعم إيران للمقاومة الفلسطينية.
- الدعوة للوحدة الإسلامية: طالب الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف موحد ضد الاحتلال، والامتناع عن أي مسار يؤدي إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
دلالات موقف الشهيد رئيسي:
- يعكس الخطاب التزام إيران التاريخي بدعم القضية الفلسطينية، مع التركيز على الاستفتاء كبديل عملي لحل الدولتين.
- تسعى إيران من خلال هذه القمة إلى تعبئة الدول العربية والإسلامية حول رؤيتها، رغم التحفظات التي أبداها البعض ممن يدعمون حل الدولتين.
- أكد الخطاب على أهمية “طوفان الأقصى” كعامل محفز لإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي.
خلاصة القول:
يتّسم موقف إيران من حل الدولتين بالرفض القاطع، انطلاقًا من رؤية أيديولوجية وسياسية تعتبر أن فلسطين قضية محورية لا تقبل التقسيم أو التسوية مع الاحتلال. ويُجسد بيان الحرس الثوري هذا الرفض بوضوح، بينما تقدم مبادرة الاستفتاء التي طرحها الإمام الخامنئي بديلاً ديمقراطيًا لتحقيق العدالة من خلال إرادة الشعب الفلسطيني.
وقد سُجلت هذه المبادرة كوثيقة رسمية في الأمم المتحدة، مما يعكس تطور الخطاب الإيراني من الشعار الثوري “محو إسرائيل” إلى نهج منظم ضمن إطار دولي. وفي قمة الرياض، عزز الرئيس الشهيد رئيسي هذا التوجه، مؤكدًا أن فلسطين من البحر إلى النهر يجب أن تُدار من خلال دولة موحدة يُحدد مصيرها عبر استفتاء شامل. ويعكس هذا الموقف التزام إيران الثابت بالقضية الفلسطينية، إلى جانب السعي لتقديم حلول عملية دون التخلي عن المبادئ الأساسية.