تفكيك الهويات وخيانة الشعوب: السويداء ودور الكيان الصهيوني وهيئة تحرير الشام في تعميق الطائفية

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
تتواصل المأساة السورية في ظل مخططات جيوسياسية تهدف إلى تفتيت الهوية الوطنية السورية، بقيادة الكيان الصهيوني المحتل في يافا (المعروف زورًا بتل أبيب)، بالتواطؤ مع هيئة تحرير الشام، التي يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي استولى على السلطة في سوريا عقب إسقاط النظام السابق في ديسمبر 2024. هذا التحالف المشبوه يعتمد على تأجيج الطائفية لسحق المعارضة وإعادة رسم خريطة المنطقة، تاركًا الدروز والعلويين ضحايا مجازر وحشية، دون أن يبرر ذلك أبدًا الاستعانة بالكيان الصهيوني، قاتل أطفال فلسطين. كما يبرز الدور السلبي لتركيا في تعميق الفوضى، مما يزيد من تعقيد الأزمة.
يستند هذا التحقيق إلى تقارير حقوق الإنسان، بما في ذلك تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى.
السويداء: مذبحة مدبرة تحت غطاء الطائفية
في يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء واحدة من أكثر المجازر دموية في تاريخ سوريا الحديث، حيث أفادت تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 1448 شخصًا، منهم 258 أُعدموا ميدانيًا على يد قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، بدعم من ميليشيات بدوية موالية. معظم الضحايا كانوا من المدنيين الدروز، حيث أُبيدت عائلات بأكملها، ودُمرت قرى، وأُحرقت بساتين الزيتون، ونُهبت ممتلكات. كما استُهدفت رموز وطنية مثل صور البطل الدرزي سلطان الأطرش، في محاولة لمحو الهوية الوطنية السورية.
بدأت الأحداث في 12 يوليو 2025، عندما تعرض تاجر درزي للسرقة والاعتداء عند نقطة تفتيش تديرها ميليشيا بدوية جنوبية بين دمشق والسويداء. ردًا على ذلك، اختطف فصيل درزي محلي أحد أفراد الميليشيا، مما أشعل فتيل الاشتباكات. بدلاً من تهدئة الوضع، استغلت الحكومة السورية بقيادة الجولاني الحادث لشن حملة عسكرية وحشية ضد المجتمعات الدرزية. استخدمت القوات الحكومية قاذفات الصواريخ والقناصة، مما أدى إلى تدمير أحياء بأكملها وقتل مدنيين أثناء محاولتهم الفرار. وفقًا لتقارير حقوقية، تم قطع رؤوس العديد من الضحايا، فيما نُهبت ممتلكاتهم وأُحرقت منازلهم عمدًا.
هذه الأحداث كانت عملية مدبرة تهدف إلى إخضاع السويداء وإعادة فرض السيطرة الحكومية. تقارير منظمات حقوق الإنسان أكدت أن وسائل الإعلام الحكومية ضخّمت الاشتباكات الأولية لتبرير التدخل العسكري، بينما كانت المفاوضات بين وجهاء المنطقة لإنهاء التوترات جارية.
هيئة تحرير الشام: أداة الكيان الصهيوني
منذ استيلائه على السلطة، عزز أحمد الشرع سلطته الديكتاتورية، متوليًا مناصب رئيس الدولة، وشبه رئيس وزراء، ورئيس “الصندوق السيادي” وصندوق التنمية، في غياب برلمان فاعل أو خارطة طريق للعدالة. هيئة تحرير الشام، التي يقودها، لا تعمل كقوة وطنية موحدة، بل كميليشيات طائفية تعيد إنتاج ديناميكيات عهد الأسد، مع تعيين الموالين للشرع في مناصب رئيسية.
الأخطر هو ارتباط الجولاني بالكيان الصهيوني. فقد وافق على محادثات “سلام” مع الكيان اللقيط، رغم هجماته العسكرية المستمرة على الأراضي السورية، بما في ذلك قصف مواقع عسكرية ومدنية، وإقامة عشر نقاط تفتيش عسكرية على الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. وفقًا لتقارير حقوقية، لم يصدر أي اعتراض رسمي من الحكومة السورية على هذه الانتهاكات، مما يكشف عن تواطؤ واضح. كما أن مفاوضات سرية جرت في الإمارات وباكو قبل أسابيع من أحداث السويداء، ناقشت سيطرة الحكومة على جنوب سوريا، مما يشير إلى تنسيق مسبق مع الكيان الصهيوني.
الكيان الصهيوني، الذي يسعى لتوسيع نفوذه في مرتفعات الجولان المحتلة و مناطق أخرى داخل العمق السوري ، يستغل هيئة تحرير الشام لتحقيق أهدافه. فهو يروّج لنفسه كـ”حامي” الدروز، بينما يواصل احتلاله للجولان وإبادته الجماعية في غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. هذا التلاعب بالهويات الطائفية يعكس استراتيجية استعمارية قديمة تهدف إلى تفتيت المنطقة وإضعاف أي مقاومة للاحتلال.
الدروز والعلويون: ضحايا مشروع التفتيت
الدروز والعلويون هم الأكثر تضررًا من هذا المشروع الطائفي. في السويداء، تعرض الدروز لإبادة جماعية، حيث أفادت تقارير حقوق الإنسان باستهداف مدنيين بشكل متعمد، مع تدمير منازلهم وممتلكاتهم. في مارس 2025، شهدت المناطق الساحلية مجازر استهدفت العلويين، أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شخص، بحسب المرصد السوري. كما شهدت ضواحي دمشق ذات الأغلبية الدرزية، مثل جرمانا وصحنايا، أعمال عنف في أبريل 2025، بعد تداول تسجيل مفبرك يسيء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، استُخدم كذريعة لقمع المجتمعات الدرزية.
تقارير حقوقية وثّقت أن الحكومة السورية رفضت الاعتراف بالضحايا غير المسلمين كشهداء، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، مما عزز خطاب الكراهية الطائفي. الدروز في الجولان المحتل، الذين يعانون من حالة انعدام الجنسية، يواجهون محو هويتهم السورية، بينما يُستخدمون كأداة في المخططات الصهيونية. هذه السياسات لا تهدف فقط إلى قمع المعارضة، بل إلى إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي السوري وفق مصالح خارجية.
على الرغم من هذه المآسي، لا يمكن بأي حال تبرير الاستعانة بالكيان الصهيوني، الذي يواصل ارتكاب جرائم حرب في فلسطين وسوريا. فهو ليس حليفًا، وإنما هو عدو يستغل الفوضى لتعزيز احتلاله ونفوذه.
تركيا: دور سلبي في تأجيج الفوضى
في هذه الأثناء، تلعب تركيا دورًا سلبيًا في الأزمة السورية، حيث دعمت هيئة تحرير الشام وميليشيات أخرى، مما ساهم في إطالة أمد الصراع وزيادة معاناة المدنيين. وفقًا لتقارير حقوقية، استغلت تركيا الوضع لتعزيز نفوذها في شمال سوريا، دون الالتفات إلى تداعيات دعمها للميليشيات الطائفية. هذا الدعم، الذي يُقدم تحت شعار “دعم الشعب السوري”، خدم في الواقع مصالح أنقرة الإقليمية، وساهم في تعميق الانقسامات وتأجيج العنف.
مقاومة التفتيت واستعادة الوحدة
وبات واضحًا أن أحداث السويداء والمناطق الساحلية تكشف عن مخطط خطير لتفتيت سوريا، يقوده الكيان الصهيوني بالتعاون مع هيئة تحرير الشام، وبدعم ضمني من قوى إقليمية مثل تركيا. فالدروز والعلويون، كغيرهم من مكونات الشعب السوري، يستحقون العدالة والأمان، لكن ذلك لن يتحقق عبر التحالف مع قوى الاحتلال أو الميليشيات الطائفية. الشعار الدرزي التأريخي “الدين لله والوطن للجميع” يجب أن يكون شعلة المقاومة ضد هذه المخططات.
إن صمت المجتمع الدولي وتسامحه مع انتهاكات الكيان الصهيوني يضع مسؤولية أكبر على الشعوب الحرة لفضح هذه المخططات. يتطلب الأمر استعادة الوحدة الوطنية السورية، ورفض الطائفية، والعمل من أجل سوريا عادلة، موحدة، وخالية من الهيمنة الاستعمارية والميليشيات الطائفية.