القسم السياسي

الكيان الصهيوني من الداخل: دولة تنهار على وقع غزة وطهران

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

«فهمتُ أننا نستطيع أن نفعل أي شيء لأننا أمام أمّة نائمة»

 

هكذا تبجحت مجرمة الحرب غولدا مائير بعد حرق المسجد الأقصى عام 1969، ظانةً أن الأمة قد ماتت ولن تقوم لها قائمة. لكن لو كانت على قيد الحياة اليوم، لشهدت أن هذه الأمة لم تكن نائمة، بل كانت تستعد لانتفاضة عارمة تنطلق من قلب غزة، وتتغذى من عزم صنعاء وبغداد وبيروت، وتستمد قوتها من إرادة طهران الصلبة. اليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود على زرع هذا الكيان الغاصب في قلب الأمة، يتهاوى الكيان الصهيوني من الداخل تحت وطأة مقاومة شعبية لا تلين، وإرادة إقليمية لا تُقهر، وانهيارات داخلية تكشف هشاشة بنيته العسكرية والسياسية والنفسية.

 

تصدع الأمن الصهيوني: توسل إلى واشنطن

 

في سابقة خطيرة تكشف عمق الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني، وقّع أكثر من 600 مسؤول أمني سابق من أجهزة “الموساد” و”الشاباك” وقيادة الأركان والشرطة على عريضة موجهة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يطالبونه فيها بالتدخل للضغط على بنيامين نتنياهو لوقف الحرب على غزة. هذه الخطوة، التي جاءت برئاسة شخصيات بارزة مثل تامير باردو (رئيس الموساد السابق)، وعامي أيالون (رئيس الشاباك السابق)، وماتان فلنائي (نائب رئيس الأركان السابق)، ليست مجرد مناشدة سياسية، بل إعلان صريح عن انهيار الثقة في المنظومة الأمنية التي طالما روّجت لنفسها كـ”لا تُقهر”.

 

هذا التوسل العلني يكشف عن حالة من اليأس لم يسبق للكيان أن أظهرها بهذا الوضوح. الكيان الذي بنى هيبته على صورة القوة المطلقة بات يعترف، من خلال أعلى قياداته الأمنية، بأن استمرار الحرب في غزة يهدد بقاءه ذاته. إنها لحظة تاريخية تعكس انهيار العقيدة الأمنية التي قامت عليها “إسرائيل”، حيث أصبح قادتها يبحثون عن مخرج خارجي لإنقاذهم من مستنقع فشلهم الداخلي.

 

الانهيار النفسي: اعترافات الموساد بالهزيمة

 

في تحليل نادر بثته وسائل الإعلام العبرية، كشف أحد كبار محللي الموساد عن حقيقة صادمة: “نحن في أزمة غير مسبوقة، حماس ضربتنا في عمقنا النفسي والعسكري”. هذا الاعتراف ليس مجرد تصريح عابر، بل دليل على أن الكيان الصهيوني يواجه هزيمة وجودية عميقة. المحلل أضاف: “استمرار الحرب كان خطأ استراتيجيًا، والجوع في غزة كان طعنة عميقة لصورتنا”. هذه الكلمات تكشف عن انهيار نفسي لم يعد بالإمكان إخفاؤه، حيث أصبح الكيان عاجزًا عن مواجهة مقاومة شعبية في غزة لم تتوقف عن مفاجأته بصمودها وإبداعها العسكري.

 

الاعتراف بأن حماس، التي طالما وصفها الكيان بـ”التنظيم الصغير”، باتت قادرة على ضرب الكيان في عمقه النفسي والعسكري والإعلامي، يعني أن المقاومة نجحت في قلب المعادلة. لقد تحولت غزة من هدف عسكري إلى رمز للصمود العالمي، يكشف زيف الرواية الصهيونية ويعري هشاشة الكيان أمام العالم.

 

التمرد الداخلي: جيش يفقد ثقته بقيادته

 

داخل الكيان، تتصاعد التوترات بين القيادات السياسية والعسكرية إلى مستويات غير مسبوقة. لم تعد الخلافات تدور حول التكتيكات العسكرية، بل أصبحت تمس جوهر وجود الكيان نفسه. في “الكابنيت” الأمني، تتزايد الدعوات لوقف الحرب، وسط مخاوف من استنزاف غير مسبوق على الجبهتين الجنوبية (غزة) والشمالية (لبنان). جنرالات الاحتياط، الذين تم استدعاؤهم للمرة الرابعة منذ بدء الحرب، بدأوا يعلنون صراحةً أن الجيش لم يعد يثق بقيادته السياسية، وأن نتنياهو “يستخدم الجنود كدروع بشرية لإطالة أمد حكمه”.

 

هذا التمرد الصامت داخل الجيش يكشف عن انهيار الثقة بين المؤسسات الصهيونية، وهو مؤشر خطير على تفكك المنظومة العسكرية التي طالما اعتبرت العمود الفقري للكيان. الجنود، الذين يواجهون مقاومة شرسة في غزة وحزب الله في الشمال، بدأوا يدركون أن قيادتهم السياسية تدفعهم إلى حرب خاسرة لا هدف لها سوى بقاء نتنياهو في السلطة.

 

التهديد الإيراني: كابوس يتحقق

 

منذ الرد العسكري الإيراني على العدوان الصهيوني، دخل الكيان في حالة تأهب قصوى. لم يكن الرد الإيراني مجرد عملية عسكرية، بل رسالة استراتيجية واضحة: المعادلة تغيرت، والردع الصهيوني لم يعد فعالًا. بعد أن اعتاد الكيان على استهداف إيران ومحيطها دون رد مباشر، جاءت الصواريخ الإيرانية لتضع “إسرائيل” أمام احتمال نووي حقيقي، يهدد بقاءها.

 

تشكيل “المجلس الأعلى للدفاع” في طهران كان خطوة إضافية لتثبيت هذا الردع الجديد. المجلس، الذي يضم كبار قادة المحور، أرسل رسالة مزدوجة: أولًا، إيران لن تتهاون في الدفاع عن سيادتها وحلفائها، وثانيًا، أي تفاوض مع واشنطن لن يكون على حساب كرامة محور المقاومة أو صمود غزة. هذا التحول جعل الكيان الصهيوني يعيش كابوسًا لم يعد نظريًا، بل واقعًا ملموسًا يهدد أسسه.

 

الإعلام العبري: حرب نفسية خاسرة

 

في غزة، تواصل كتائب القسام بث مقاطع مرئية تظهر أسرى الاحتلال في ظروف صعبة، مما يفاقم حالة الانهيار النفسي والإعلامي داخل الكيان. الإعلام العبري، الذي كان يروج لرواية “النصر المطلق”، بات عاجزًا عن تقديم تفسير مقنع لعائلات الأسرى أو للجمهور الصهيوني حول فشل الجيش في استعادتهم. هذه المقاطع، التي وصفها نتنياهو بأنها “حرب نفسية”، أثبتت فعاليتها في زعزعة استقرار الكيان، حيث بدأت عائلات الجنود تخرج إلى الشوارع مطالبة بإسقاط الحكومة لإنقاذ أبنائها.

 

زنغزور: محاولة يائسة لمحاصرة إيران

 

وفي هذا الواقع ، و في محاولة يائسة للالتفاف على إيران، يدعم الكيان الصهيوني مشروع “ممر زنغزور” عبر أذربيجان، بالتعاون مع النظام الحاكم في باكو. هذا المشروع، الذي يروج له تحت عنوان “الربط بين الشرق والغرب”، ليس سوى محاولة لإقامة قاعدة استخبارية قرب حدود إيران، بتمويل خليجي وحماية أطلسية. لكن طهران، التي تدرك أبعاد هذا المخطط، تستعد لرد شامل يمتد من القوقاز إلى شبكة التآمر الصهيوني الأوسع. أي دعم لباكو تحت ذريعة “المصالح الاقتصادية” ليس سوى تكرار للأكاذيب التي تحاول النيل من محور المقاومة.

 

نهاية أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”

 

و رغم كل ذلك، و في واقع الانتصارات على العدو بالرغم من الثمن الباهض الذي ندفعه، فاليوم، لا حاجة لانتظار “جيش عربي مشترك” أو “قمم طارئة” لتحقيق النصر. صوت طفل في خان يونس يصرخ “سننتصر ولو حاصرونا بالظلام” يكفي ليهز أركان تل أبيب، التي أصبحت تُعرف بين سكانها بـ”مدينة الظل والخوف”. غزة، بصمودها الأسطوري، وإيران، بعزيمتها النووية، ومحور المقاومة، بإرادته الصلبة، يكتبون فصلاً جديدًا في تاريخ الأمة.

نعم، لقد ماتت غولدا مائير، لكن وهمها يحترق اليوم في عيون جنرالات الكيان المرتجفين داخل ملاجئهم. الكيان الصهيوني، الذي زُرع كخنجر في قلب الأمة، ينهار من الداخل، وصوت المقاومة من غزة إلى طهران يعلن بداية نهاية هذا الكابوس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى