القسم السياسي

الحشد الشعبي: ركيزة السيادة العراقية ودحض التدخلات الأمريكية

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

الحشد الشعبي هو تعبير حيّ عن الإرادة العراقية في مقاومة الإرهاب وحماية السيادة الوطنية من كل أشكال الهيمنة والتدخل الخارجي. نشأ من رحم الخطر، وتحوّل إلى مؤسسة دفاعية راسخة تُمثّل عمق الدولة في لحظات الانهيار والتخاذل الدولي. إن الدعوات لتقويض وجوده تتجاهل حقيقة أن العراق لا يزال يواجه تهديدات أمنية معقدة، وأن حل هذه القوة أو إضعافها سيترك فراغًا قاتلاً في المشهد الوطني. في المقابل، يظل الوجود العسكري الأميركي في العراق خارج أي غطاء شرعي أو تفويض شعبي، وهو وجود فرضته الحسابات الجيوسياسية لا الضرورات الأمنية، ما يجعله عبئاً لا يمكن القبول باستمراره تحت أي ذريعة.

وجود الحشد الشعبي في المشهد العراقي ليس بحاجة إلى تبرير، بل إلى قراءة واعية لحقيقة دوره ومكانته. فهذه القوة الوطنية نشأت من صلب معركة الدفاع عن العراق، وأثبتت قدرتها على سحق أخطر التنظيمات الإرهابية التي عجزت أمامها جيوش كبرى. الحشد لم يكن طارئًا على المعادلة، بل أصبح جزءًا أصيلاً من منظومة الردع والسيادة، وصمام أمان في وجه كل من يراهن على تفكيك العراق أو إخضاع قراره الوطني لإملاءات خارجية.

1.دور الحشد في مكافحة الإرهاب:

  • تشكل الحشد الشعبي عام 2014 كاستجابة وطنية لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي هدد وحدة العراق. بفضل تضحيات الحشد، تم تحرير مدن رئيسية مثل الموصل وتكريت، مما منع انهيار الدولة العراقية.
  • يضم الحشد أكثر من 238 ألف مقاتل من مختلف مكونات الشعب العراقي، مما يعكس تنوعه الوطني ودوره في تعزيز الوحدة الوطنية، بعيداً عن أي طابع طائفي.

2.مؤسسة وطنية تحت مظلة الدولة:

  • قانون الحشد الشعبي لعام 2016، والذي يتم تعزيزه حالياً، يهدف إلى تنظيم هذه القوة كجزء لا يتجزأ من القوات المسلحة العراقية، تحت إشراف رئيس الوزراء. هذا التشريع يعزز سيطرة الدولة ويضمن أن الحشد يعمل وفقاً للتوجيهات الوطنية.
  • إنشاء أكاديمية عسكرية خاصة بالحشد يعكس التزامه بتطوير قدراته بشكل مهني، مما يعزز الاستقلال العسكري للعراق عن التأثيرات الأجنبية.

3.حماية السيادة الوطنية:

  • الحشد الشعبي يعمل كدرع وطني لحماية العراق من التهديدات الخارجية، بما في ذلك التدخلات الأمريكية التي تنتهك سيادة البلاد. دوره يمتد إلى حماية الأقليات، مثل المسيحيين والإيزيديين في سهل نينوى، من بطش الإرهاب.
  • التعاون مع إيران، كدولة جارة، يأتي في إطار شراكة إقليمية طبيعية لمواجهة التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والتدخلات الغربية. هذا التعاون يعزز الأمن الإقليمي ويحترم سيادة العراق.

دحض الاتهامات ضد الحشد الشعبي:

1.رفض اتهامات “الإرهاب”:

  • الادعاءات التي تصف فصائل الحشد بـ”الإرهابية” تفتقر إلى أدلة موثوقة وتهدف إلى تشويه صورة قوة وطنية ساهمت في هزيمة داعش. الحشد يمثل مقاومة مشروعة ضد الإرهاب والاحتلال.
  • الاتهامات بمهاجمة الأقليات أو الصحفيين أو المتظاهرين هي ادعاءات غامضة لم تدعمها تحقيقات محايدة. على العكس، الحشد ساهم في حماية المجتمعات المحلية وتعزيز الأمن في المناطق المحررة.

2.التعاون مع إيران:

  • الدعم الإيراني للحشد الشعبي كان حاسماً في مواجهة داعش، خاصة عندما تخلت القوى الغربية عن العراق. هذا الدعم يعكس علاقة تعاون طبيعية بين دولتين جارتين، وليس تبعية كما يتم الترويج له.
  • الحشد يعمل تحت قيادة الحكومة العراقية، وأي تصوير له كأداة إيرانية هو محاولة لتقويض دوره الوطني وتبرير التدخلات الأجنبية.

في المقابل ، لا يملك الوجود العسكري الأميركي في العراق اليوم أي سند شرعي أو واقعي يبرر استمراره، بعد أن انتفت الذرائع الأمنية وسقطت الأقنعة السياسية. فالعراقيون هم من حرّروا أرضهم، وبدمائهم حُسمت المعركة ضد الإرهاب، لا بطائرات التحالف ولا بوعود واشنطن. استمرار القوات الأميركية بعد كل هذا ليس حماية، بل وصاية مرفوضة واحتلالاً مقنّعًا يسعى لإعادة تشكيل القرار العراقي بما يخدم مصالحه، لا مصلحة الشعب العراقي.

1.انتهاك السيادة العراقية:

  • الوجود العسكري الأمريكي في العراق يفتقر إلى تفويض قانوني من البرلمان العراقي، ويُعتبر انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية. قرار البرلمان عام 2020 بطرد القوات الأجنبية لم يُنفذ بسبب الضغوط الأمريكية.
  • القوات الأمريكية لم تقدم مساهمات ملموسة في استقرار العراق بعد هزيمة داعش، بل تسببت في تصعيد التوترات من خلال عمليات غير مشروعة، مثل اغتيال قادة النصر  في 2020.

2.التهديدات الأمريكية تهدف إلى الهيمنة:

  • التهديدات الأمريكية، مثل الانسحاب العسكري وترك العراق أمام تحديات الإرهاب وداعش، أو فرض عقوبات اقتصادية، تهدف إلى معاقبة العراق على سعيه لتعزيز مؤسساته الوطنية. هذه التهديدات تعكس نهجاً استعمارياً يهدف إلى إبقاء العراق تحت النفوذ الأمريكي.
  • الادعاء بأن تنظيم الحشد الشعبي يعزز “الإرهاب” هو محاولة لتبرير استمرار الوجود العسكري الأمريكي، الذي يفتقر إلى أي مبرر استراتيجي أو أخلاقي.

3.البديل الوطني والإقليمي:

  • الحشد الشعبي، بدعم من القوات المسلحة العراقية، قادر على حماية الأمن القومي العراقي دون الحاجة إلى قوات أجنبية. التعاون مع دول الجوار، مثل إيران وسوريا، يوفر بديلاً إقليمياً موثوقاً يحترم سيادة العراق.
  • انسحاب القوات الأمريكية سيسمح للعراق باستعادة سيادته الكاملة وتطوير قدراته الدفاعية بشكل مستقل.

الرد على التبعات المزعومة لتشريع قانون الحشد:

1.الانسحاب الأمريكي:

      • انسحاب القوات الأمريكية لن يعرض العراق للخطر، بل سيمنح البلاد فرصة لتعزيز قدراتها الذاتية. الحشد الشعبي والجيش العراقي قادرون على مواجهة أي تحديات أمنية.
      • الوجود الأمريكي هو مصدر للتوترات، وانسحابه سيسهم في استقرار العراق والمنطقة.

2.العقوبات الاقتصادية:

      • تهديدات العقوبات الاقتصادية أو تثبيط الاستثمارات الأمريكية هي محاولات لإضعاف الاقتصاد العراقي. العراق قادر على بناء شراكات اقتصادية مع دول مثل الصين، روسيا، ودول المنطقة لتعويض أي تأثير سلبي.
      • الكيانات الاقتصادية الوطنية، مثل شركة “المهندس”، تساهم في تنمية العراق، وأي اتهامات ضدها تهدف إلى تقويض الاقتصاد الوطني.

3.تدويل القضية:

      • محاولات تدويل قضية الحشد الشعبي هي استغلال سياسي للضغط على العراق. الحشد لم يرتكب جرائم خارجية، بل ساهم في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، كما في سوريا، لحماية الأمن الإقليمي.
      • قانون الحشد يعزز مكانة العراق كدولة مستقلة، مما يدعم علاقاته مع دول الجوار ويقلل من الاعتماد على القوى الغربية.

من هنا، فالحشد الشعبي هو ركيزة أساسية للأمن القومي العراقي، وقانونه الجديد يعزز دمجه ضمن مؤسسات الدولة، مما يعكس التزام العراق بتعزيز سيادته. الوجود العسكري الأمريكي يشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار العراق، حيث يفتقر إلى مبرر قانوني ويخدم مصالح أجنبية على حساب الشعب العراقي. التعاون مع إيران ودول الجوار هو خيار سيادي يعزز استقرار المنطقة، بينما التدخلات الأمريكية تمثل العائق الأساسي أمام تقدم العراق. إن دعم الحشد الشعبي هو دعم لسيادة العراق واستقلاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى