القسم السياسي

نزع سلاح حزب الله، قرار بائس وغير قابل للتحقيق!

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

قرار نزع سلاح حزب الله وضمه إلى الدولة اللبنانية، الذي أُثير مؤخراً، ليس جديداً، بل هو امتداد لمحاولات متكررة تستهدف تفكيك المقاومة اللبنانية التي كانت وما تزال الدرع الحصين أمام الاحتلال والإرهاب. هذا القرار، الذي يُفرض تحت ضغوط خارجية ومصالح إقليمية، يغفل تماماً واقع التهديدات الأمنية والسياسية التي تحيط بلبنان، ويغفل الدور الحيوي الذي يلعبه سلاح حزب الله في حفظ توازن القوى الوطنية.

لذلك يمكن القول بثقة بالغة إنه من المستحيل فصل سلاح حزب الله عن مفهوم السيادة والأمن الوطني اللبناني، فهو يمثل خط الدفاع الأول ضد المخاطر التي تهدد البلاد، خصوصاً من جهة الكيان الصهيوني والجماعات الإرهابية، ويُشكل ركيزة لا غنى عنها لضمان استقرار لبنان وقدرته على المواجهة، ما يجعل أي محاولة لنزع هذا السلاح تهديداً مباشراً لاستقلال لبنان وأمنه.

 

السياق التأريخي: فشل القرارات السابقة

 

ليس هذا القرار الأول من نوعه. ففي عام 2005، حاولت حكومة فؤاد السنيورة إصدار قرار مماثل لنزع سلاح حزب الله، لكنه باء بالفشل بسبب غياب الإرادة السياسية والقدرة العسكرية لتنفيذه. حزب الله، بقوته العسكرية وحاضنته الشعبية، ظل القوة الأبرز في لبنان، مدعوماً بشعبية واسعة في الجنوب اللبناني وبين مختلف مكونات المجتمع. هذا الفشل التأريخي يكشف عن استحالة فرض مثل هذه القرارات دون معالجة الجذور العميقة التي تجعل سلاح الحزب ضرورة وطنية.

 

الأسباب الشرطية لوجود سلاح حزب الله

 

سلاح حزب الله ليس ظاهرة عشوائية، بل هو نتاج ظروف سياسية وجيوسياسية محددة تجعل من نزعه مستحيلاً دون معالجة هذه الظروف. يمكن تلخيص هذه الأسباب في ثلاثة محاور رئيسية:

1.المحاصصة الطائفية في لبنان:

      • النظام السياسي اللبناني، القائم على المحاصصة الطائفية، أنتج حالة من عدم التوازن في توزيع السلطة والموارد، مما دفع مجتمع الجنوب اللبناني، وخاصة الطائفة الشيعية، إلى تطوير قدرات دفاعية خاصة به لحماية مصالحه. هذا السلاح ليس مجرد أداة عسكرية، بل هو تعبير عن هوية سياسية واجتماعية لمجتمع شعر بالتهميش لعقود.
      • إنهاء المحاصصة الطائفية وإقامة نظام سياسي عادل يضمن تمثيلاً متساوياً لجميع الطوائف قد يقلل من الحاجة إلى سلاح خاص بالجنوب، لكن هذا الحل بعيد المنال في ظل الانقسامات السياسية الحالية.

 

2.الاحتلال الصهيوني لأراضٍ لبنانية:

      • الكيان الصهيوني يواصل احتلال أراضٍ لبنانية، مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ويشن اعتداءات متكررة على الأراضي اللبنانية. سلاح حزب الله شكل الردع الوحيد الذي منع الكيان من توسيع احتلاله لجنوب لبنان. فعلى سبيل المثال، في حرب 2006، أجبرت المقاومة الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار بعد تكبده خسائر فادحة، شملت مقتل وإصابة الآلاف وتشريد أكثر من 100 ألف مستوطن.
      • بدون انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي اللبنانية المحتلة، يبقى سلاح حزب الله ضرورة للدفاع عن السيادة الوطنية.

 

3.القضية الفلسطينية:

      • لبنان مرتبط جيوسياسياً بالقضية الفلسطينية، حيث يستضيف مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، ويواجه تداعيات الاحتلال الصهيوني لفلسطين. حزب الله يرى في دعم القضية الفلسطينية جزءاً من رسالته المقاومة ضد الهيمنة الصهيونية في المنطقة.
      • إقامة دولة فلسطينية عادلة وحل القضية الفلسطينية قد يقلل من الحاجة إلى المقاومة المسلحة، لكن هذا الحل بعيد المنال في ظل استمرار الاحتلال ورفض الكيان الصهيوني لمبدأ الدولتين الذي لايقبله أيضاً حزب الله كونه يشرعن الاعتراف بالكيان الصهيوني. 

 

مخاطر نزع سلاح حزب الله

 

نزع سلاح حزب الله في الوقت الحالي لن يؤدي إلى استقرار لبنان، بل سيعرضه لمخاطر جسيمة، يمكن تلخيصها كالتالي:

1.التهديد الصهيوني:

      • الكيان الصهيوني يتربص بلبنان، وتجربة جنوب سوريا تثبت ذلك. بعد انسحاب القوات السورية من الجنوب السوري، استغل الكيان الصهيوني الفراغ الأمني لتوسيع نفوذه واحتلال أراضٍ إضافية. نزع سلاح حزب الله سيفتح الباب أمام سيناريو مماثل في جنوب لبنان، حيث يمكن أن يحتل الكيان الصهيوني المنطقة أو يضمها إلى مشروعه التوسعي.
      • الكيان الصهيوني لم يلتزم يوماً بالاتفاقيات الدولية، مثل قرار مجلس الأمن 1701، مما يجعل أي رهان على “ضمانات دولية” لحماية لبنان غير واقعي.

 

2.التهديد الإرهابي:

      • تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” لا تزال تشكل تهديداً على الحدود اللبنانية السورية. هذه الجماعات تستفيد من الفراغ الأمني لتوسيع نفوذها. نزع سلاح حزب الله سيترك لبنان عرضة لهذه الجماعات، خاصة في ظل محدودية إمكانيات الجيش اللبناني.
      • هناك مخاوف من مشروع مدعوم خارجياً لضم شمال لبنان إلى مناطق تحت سيطرة تنظيمات متطرفة مثل “جبهة النصرة”، بهدف فرض حكم الشريعة السنية. هذا المشروع يستهدف في المقام الأول المجتمع الشيعي في الجنوب، مما يجعل سلاح حزب الله ضرورة لردع هذه المخططات.

 

3.مشروع صهيوني-خليجي مشترك:

      • نزع سلاح حزب الله يتماشى مع أجندة مشتركة بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة الخليجية وعلى رأسها السعودية ، التي ترى في المقاومة اللبنانية تهديداً لمصالحها الطائفية والسياسية. الكيان الصهيوني يسعى إلى إضعاف لبنان لتسهيل احتلاله، بينما بعض الأنظمة الخليجية تدعم هذا المشروع لأسباب طائفية تتعلق بالصراع السني-الشيعي.
      • هذا التحالف يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني، بما في ذلك مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يطمح إلى ضم أراضٍ لبنانية وسورية.

 

4.التداعيات الإقليمية:

      • إذا نجح الكيان الصهيوني في إضعاف لبنان عبر نزع سلاح حزب الله، فإن الدور سيأتي على دول أخرى مثل مصر والأردن. الكيان الصهيوني يسعى إلى فرض مشروع التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء والأردن، مما سيفتح الباب أمام صراعات إقليمية أوسع.
      • نتنياهو، بدوافعه التوسعية، قد يخوض حرباً ضد مصر أو الأردن بنهج انتحاري إذا شعر أن المنطقة أصبحت خالية من قوى المقاومة.

 

استحالة تنفيذ القرار عملياً

 

من الناحية العملية، لا توجد قوة داخل لبنان قادرة على نزع سلاح حزب الله. الحزب يُعتبر القوة العسكرية الأولى في البلاد، مدعوماً بحاضنة شعبية قوية في الجنوب تجمع بين الدافع الديني والاجتماعي والسياسي. هذه الحاضنة تجعل من أي محاولة لنزع السلاح تحدياً يهدد استقرار لبنان نفسه. علاوة على ذلك:

1.محدودية قدرات الجيش اللبناني:

      • الجيش اللبناني يعاني من قيود دولية تمنعه من امتلاك أسلحة ردع فعالة، مما يجعله غير قادر على ملء الفراغ الأمني الذي سيتركه نزع سلاح حزب الله. هذا الواقع يعزز أهمية الحزب كقوة ردع وطنية.

 

2.غياب الضمانات الدولية:

      • لا توجد ضمانات دولية موثوقة لحماية لبنان من الاعتداءات الصهيونية أو الإرهابية. الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم يلتزما تاريخياً بأي اتفاقيات، مما يجعل الرهان على “الحلول الدبلوماسية” غير مجدٍ.

 

3.الضغوط الخارجية:

      • الولايات المتحدة تلوح بالعقوبات أو حتى باستخدام القوة لنزع سلاح حزب الله، لكن هذه التهديدات تهدف إلى إخضاع لبنان للهيمنة الصهيونية. أي حرب لنزع السلاح ستؤدي إلى تدمير لبنان، سواء تم تسليم السلاح أم لا.

حوار يعكس الواقع

 

لتوضيح استحالة نزع سلاح حزب الله، نستعرض الحوار بين مواطن لبناني ورئيس الجمهورية، الذي يلخص التحديات العملية والأخلاقية لهذا القرار:

    • المواطن: إذا سُلّم سلاح المقاومة، ما الذي ستفعله الدولة به؟
    • الرئيس: سنتلفه، لأن الجيش ممنوع دولياً من امتلاك أسلحة ردع فعالة.
    • المواطن: هل هذا يعني أن لبنان سيكون عرضة للخطر؟
    • الرئيس: نعم، فالكيان الصهيوني يهدد، والجماعات الإرهابية على الحدود تشكل خطراً دائماً.
    • المواطن: هل الدولة قادرة على حماية لبنان؟
    • الرئيس: للأسف، إمكانياتنا محدودة.
    • المواطن: هل هناك ضمانات دولية لمنع الاعتداءات؟
    • الرئيس: لا توجد ضمانات، لكن يمكننا السعي لاتفاقيات مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
    • المواطن: هل تثق بهذه الاتفاقيات؟
    • الرئيس: لا، لم يلتزما تاريخياً بأي وعود.
    • المواطن: إذاً، لماذا تطالبون بتسليم السلاح الوحيد القادر على الردع؟
    • الرئيس: الأمريكي يهدد بالعقوبات أو الحرب.
    • المواطن: هل سننجو من الحرب إذا سلمنا السلاح؟
    • الرئيس: لا أثق بنوايا الأمريكيين أو الصهيونيين.
    • المواطن: هل تفضل أن تموت مرفوع الرأس أم خانعاً؟
    • الرئيس: مرفوع الرأس.
    • المواطن: إذاً، حافظ على سلاح المقاومة، فهو كرامة لبنان الأخيرة.

 

السيناريو الكارثي لتحالف صهيوني-إرهابي

 

السيناريو الوحيد الذي قد يؤدي إلى نزع سلاح حزب الله هو تحالف غير مسبوق بين الكيان الصهيوني وتنظيمات إرهابية مثل “جبهة النصرة” في سوريا. هذا التحالف قد يهدف إلى ضرب لبنان من الجنوب والشمال والشرق، مع صفقات ثنائية بين نتنياهو وتنظيمات إرهابية لتقاسم النفوذ في لبنان والجنوب السوري. مثل هذا السيناريو سيعني تدمير لبنان، حيث:

    • من الجنوب: الكيان الصهيوني سيستغل الفراغ الأمني لاحتلال الجنوب اللبناني، كما فعل في جنوب سوريا.
    • من الشمال والشرق: تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” ستسعى لفرض سيطرتها على شمال لبنان، مستغلة الانقسامات الطائفية.
    • النتيجة: تقسيم لبنان وتحويله إلى ساحة صراع إقليمي، مع ضياع السيادة الوطنية.

 

وعلى أية حال فإن 

 

نزع سلاح حزب الله هو قرار بائس وغير قابل للتحقيق، لأنه يتجاهل السياقات التي جعلت من المقاومة ضرورة وطنية. سلاح الحزب مرتبط شرطياً بالمحاصصة الطائفية، والاحتلال الصهيوني، والقضية الفلسطينية. نزعه سيفتح الباب أمام احتلال صهيوني وتوسع إرهابي، مما يهدد استقرار لبنان والمنطقة. حزب الله يبقى الضامن الأساسي لسيادة لبنان في مواجهة الكيان الصهيوني والجماعات الإرهابية، وأي محاولة لنزع سلاحه ستكون كارثة وطنية. الحل الوحيد هو معالجة الأسباب الجذرية، مثل إنهاء الاحتلال الصهيوني والمحاصصة الطائفية، بدلاً من استهداف المقاومة التي تمثل كرامة لبنان الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى