المحور الثالث: الحرب الإعلامية والنفسية (الجزء الثانی)

القسم السياسي:
أ. قناة سي إن إن وترويج رواية التهديد العالمي
تمحورت تلك المقابلات غالبًا حول ادّعاءات مثل «عجز إيران عن الرد العسكري الفعّال» أو «ضغوط داخلية على القيادة الإيرانية»، دون الإشارة إلى وحدة الشعب والحكومة التي تبلورت في إيران بعد العدوان الصهيوني. كان هذا النهج جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إحداث شقّ بين الشعب والنظام، لتقويض التماسك الاجتماعي لإيران في مواجهة الضغوط الخارجية.
شبكة CNN، بصفتها من أكبر وسائل الإعلام الأمريكية، لعبت دورًا محوريًا في ترويج رواية «إيران كتهديد عالمي». خلال عدوان يونيو ۲۰۲۵، نشرت شبكة CNN تقارير عرضت برنامج إيران النووي، رغم طبيعته السلمية، كتهديد وشيك للأمن العالمي. استندت هذه التقارير إلى مزاعم استخباراتية صهيونية، زعمت أنّ إيران اقتربت من تخصيب اليورانيوم إلى ۶۰٪ وربما باتت على بعد أشهر من حيازة سلاح نووي. طرحت هذه الادعاءات دون دلائل مستقلة، بهدف تبرير الغارات الصهيونية على منشآتها النووية.
كما اعتمدت CNN على تقنية «تكرار الرواية»، أي بثّ الادعاءات مرارًا حول «تهديد إيران» لترسيخ هذه الصورة في أذهان الجمهور العالمي. على سبيل المثال، عرضت برامج متعددة بمشاركة محللين معروفين بمواقفهم المعادية لإيران، مثل مايكل روبن، الذين قدموا إيران كـ «داعمة للإرهاب»، وكانت عمليات «وعد صادق ۳»، التي شملت أكثر من ۵۵۰ صاروخًا باليستيًا و۱۰۰۰ طائرة مسيّرة، تُصوَّر على أنها «عمل عدواني وغير مسؤول»، بينما وصف الاعتداء الأساسي من الكيان الصهيوني بأنه «دفاع عن النفس».
بالإضافة إلى ذلك، ركّزت CNN على صور الدمار المزعوم داخل إيران، متناستةً الخسائر الصهيونية في منشآت مثل «نفاطيم» و«محطة عسقلان»، في محاولة لتقديم إيران كطرف ضعيف وعاجز. كما بثّت تقارير حول “استياء شعبي” داخل إيران، في محاولة لإثارة الجمهور ضد النظام، دون الإشارة إلى التظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي دعمّت الرد العسكري، كما في طهران وأصفهان.
ب. الإعلام العربي المتحمّل للعدو: العربيّة والحدث
وسائل الإعلام العربية مثل العربية والحدث، المرتبطة ماليًا وسياسيًا ببعض دول الخليج المتقاربة مع الكيان الصهيوني، لعبت دورًا بارزًا في الحرب النفسية ضد إيران. ركّزت هذه الوسائل على روايات تصوّر إيران كـ «تهديد إقليمي»، محاولَة تبرير دعم الدول العربية للعدوان الصهيوني. خلال عدوان يونيو ۲۰۲۵، نشرت قناة العربية تقارير سَلّطت الضوء على الخسائر المزعومة للمنشآت النووية الإيرانية، بينما وُصِف ردّ إيران على المنشآت العسكرية الصهيونية بأنه «غير ذي جدوى».
من جانبها، حاولت الحدث تصوير «نفوذ إيران الإقليمي» عبر محور المقاومة (حزب الله وأنصار الله)، كمكوّن زعزعة للأمن الإقليمي، مستخدمةً صورًا أرشيفية من صراعات سابقة مثل الحرب في اليمن، لتصوير إيران باعتبارها مسؤولة عن أزمات المنطقة، دون ذكر اعتداءات الكيان الصهيوني على لبنان وسوريا.
كانت التقارير تتسم بـ«اللغة التحريضية»، حيث نعتت العربية إيران بـ «التوسع الإيراني» و«الخطر الشيعي»، في محاولة لإثارة العداء الشعبي ضدها في العالم العربي، وكانت تسعى لخلق فجوة بين إيران والدول العربية، مع تجاهل متعمّد لانتهاكات الكيان الصهيوني للقوانين الدولية.
أيضًا، ركّزت هذه الوسائل على ادعاءات غير مثبتة بشأن «خسائر بشرية» في إيران، مثل تقارير مزيفة عن سقوط مدنيين في الغارات الصهيونية، في حين أن إيران أتقنت تحييد الأضرار الإنسانية، عبر نقل المعدات إلى منشآت تحت الأرض قبل الهجمات.
ج. تأثير الحرب النفسية الإعلامية واستجابة إيران
أثّرت الحرب الإعلامية والنفسية تأثيرًا ملموسًا على الرأي العام داخل إيران والمنطقة. داخل إيران، حاولت وسائل الإعلام تأجيج الاستياء عبر تسليط الضوء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مثل التضخم والبطالة، لكنّ ردة فعل الشعب كانت موحّدة: احتشد الملايين في مدن مثل طهران وأصفهان ومشهد دعماً للرد العسكري، ما دلّل على فشل هذه الحرب النفسية في إحداث شرخ داخلي.
إقليميًا، سعت وسائل الإعلام الغربية والعربية لدعم موقف الدول التي دعمت العدوان الصهيوني، لكنها وُوجهت بردّ فعل سلبي من دول مثل قطر وعُمان التي أدانت العدوان. دول مثل الصين وروسيا ومجموعة البريكس أدانت العدوان صراحة باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي.
**
على الصعيد الإعلامي، ردّت إيران عبر وسائلها: نشرت صور وتقارير عن الأضرار التي لحقت بالكيان الصهيوني في منشآت مثل نفاطيم ومحطة عسقلان، واستغلت منصات اجتماعية مثل X لنشر تفاصيل عملية «وعد صادق ۳»، ما ساهم في كسب دعم الرأي العام الإقليمي والدولي.
**
الحرب الإعلامية والنفسية التي شنّتها وسائل مثل BBC وCNN والعربية والحدث ضد إيران كانت جزءًا من استراتيجية أوسع للكيان الصهيوني وداعميه الغربيين لتقويض إيران خلال عدوان يونيو ۲۰۲۵. اعتمدت تلك الوسائل على تقنيات مثل تزوير الواقع واختيار النصوص وتكرار الروايات السلبية لتشكيل صورة إيران على أنها خطر عالمي ولتبرير العدوان. ومع ذلك، فإن الرد العسكري الحازم لإيران، إضافة إلى الوحدة الوطنية والدعم الإقليمي، قلّص من تأثير هذه الحرب النفسية.
من خلال تنسيق إعلامي ذكي وتحالفات إقليمية، نجحت إيران في دحض روايات العدو وتعزيز موقعها كقوة مقاومة إقليمية. وتبرز هذه الحرب الإعلامية أهمية الإعلام في الحروب المعاصرة، حيث المعركة على الرأي العام أصبحت بنفس أهمية المعركة على الأرض.