
حوراء المصري:
منذ أن لُقّب لبنان بـ”سويسرا الشرق”، وهو يعيش مفارقة مزمنة: بلدٌ جميل بطبيعته، منكوبٌ بسياساته. فخلف تلك الصورة الساحرة التي تجذب السيّاح، تختبئ دولة مأزومة تعاني من تدخلات خارجية تعرقل نهوضها، وتمنع عنها أبسط مقومات السيادة.
الهيمنة الغربية على القرار اللبناني لم تتوقف منذ رحيل الانتداب الفرنسي، بل أعادت إنتاج نفسها بأشكال أكثر نعومة وخطورة. فرنسا، التي ما زالت تتعامل مع لبنان كإرث استعماري، تفرض عليه إملاءات سياسية واقتصادية وإعلامية، وتعيد تشكيل قراره الوطني بما يخدم مصالحها ومصالح الغرب.
لكن الأخطر من ذلك أن الوصاية لم تعد حكرًا على القوى الغربية. التدخل العربي، وخصوصًا السعودي، أضاف طبقة جديدة من التبعية. فمنذ دخول رفيق الحريري الحياة السياسية، ثم تسلّم نجله سعد رئاسة الحكومة، بدا واضحًا أن النفوذ السعودي يمسك بخيوط اللعبة من خلف الستار، وأبرز الأدلة ما حدث عام 2017، حين أُجبر سعد الحريري على تقديم استقالته من داخل الرياض، في مشهد غير مسبوق لدولة تُرغم رئيس حكومتها على التنحي من أرض غيرها.
اليوم، لم تعد التدخلات مقتصرة على الأفراد أو الزعامات، بل امتدت لتطال جوهر السيادة: سلاح المقاومة. إذ تُطرح – بتشجيع أميركي وضغوط عربية – مسألة نزع سلاح “حزب الله”، تحت عنوان “بسط سلطة الدولة”. لكن أي دولة يُراد لها أن تبسط سلطتها، وهي تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الدفاع عن النفس؟!
المقاومة في لبنان، وعلى رأسها “حزب الله”، لم تنشأ عبثًا. جاءت كردّ طبيعي على الاحتلال والعدوان الصهيوني، وأثبتت – خصوصًا في حرب تموز 2006 – أن سلاحها هو الضمانة الحقيقية لحماية الأرض والكرامة. ورغم ذلك، تُطالب اليوم هذه المقاومة بتسليم سلاحها، لا من أجل مشروع وطني جامع، بل لإرضاء المطالب الأميركية والإسرائيلية.
إن كان لا بدّ من مناقشة مسألة السلاح، فلا بد أن يكون البديل واضحًا: جيش وطني قادر، وإرادة سياسية حرة، واستراتيجية دفاعية شاملة. أما أن تُطرح المسألة بهذه الخفة، وكأن المقاومة هي مصدر الأزمة لا ضحيتها، فهذه مفارقة لا يمكن تجاهلها.
ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بجدية:
كيف يمكن لحاكم أن يتنازل عن حقه في الدفاع، ثم يدّعي أنه يمثل وطنه؟