حصر سلاح الجيوش العربية بيد المقاومة

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
حين يصبح السلاح مسألة حياة أو موت
التأريخ لا يرحم الشعوب التي سلّمت سلاحها لخصومها، ولا يغفر للأنظمة التي نزعت أنياب أوطانها.
في كل مرة نُزعت فيها البنادق من أيدي الأحرار، كانت النتيجة مجزرة أو احتلالًا أو تهجيرًا.
من فلسطين عام 1948 إلى البوسنة ، ومن غزو العراق إلى مذابح داعش، يتكرر السيناريو: سلّم سلاحك… ثم انتظر الذبح.
1- فلسطين 1948: النكبة بالسلاح المقيد
عشية النكبة، كان في بعض الجيوش العربية آلاف الجنود، لكن بنادقهم كانت في قبضة الأنظمة العميلة أو القيادات المرتبطة بالانتداب البريطاني.
• أُمرت وحدات كاملة بعدم الاشتباك، أو الانسحاب “تكتيكيًا”.
• النتيجة: احتلال 78% من أرض فلسطين، وتشريد أكثر من 700 ألف فلسطيني، ومجازر في دير ياسين والطنطوره وصفد.
كان لدى العرب سلاح، لكنه لم يكن حرًّا… وهذا أخطر من عدم وجوده أصلًا.
2- البوسنة: درس الدم
في تسعينيات القرن الماضي، حوصرت المدن الإسلامية في البوسنة، ووُعد أهلها بالأمان إذا سلّموا أسلحتهم لقوات “السلام” الدولية.
• في سربرنيتسا، وبعد أن جُرّد المسلمون من بنادقهم، عُزل الرجال عن النساء، وذُبح أكثر من 12,000 رجل وصبي في أيام معدودة.
• اغتُصبت عشرات الآلاف من النساء والفتيات، بعضهن حُبسن حتى يلدن “أطفالًا صربًا”.
• المذبحة لم ينفذها الصرب وحدهم، بل شاركت الأمم المتحدة بصمتها وتواطؤها.
هذه ليست قصة بعيدة، بل تحذير مباشر لكل من يطالب بتسليم سلاح المقاومة اليوم.
3- غزو العراق 2003: جيش معطّل أمام الاحتلال
كان الجيش العراقي وقتها من أكبر الجيوش في المنطقة، لكن الحصار الطويل دمّر قدراته، والقيود السياسية كبّلت قراره.
• خلال أسابيع، سقطت بغداد تحت الاحتلال الأميركي.
• لم يواجه الغزو إلا مجموعات شعبية ومقاتلون متطوعون، هم الذين بدأوا المقاومة الفعلية، بينما حلّ الاحتلال الجيش رسميًا.
• الدرس واضح: السلاح المرتبط بالنظام السياسي، يسقط بسقوط النظام. أما السلاح المرتبط بالشعب والمقاومة، فيبقى حتى بعد سقوط العواصم.
4- التجربة اللبنانية – حزب الله
حزب الله قلب معادلة الاحتلال:
• 2000: التحرير بلا قيد ولا شرط.
• 2006: فرض معادلة الردع، وأدخل تل أبيب في حسابات الخوف.
لم يحمِ لبنان قرار 1701، ولا الأمم المتحدة، بل صواريخ الكاتيوشا والزلزال والبركان التي حملها المقاومون على أكتافهم.
لهذا يسعى العدو الآن إلى “حصر السلاح”، لأنه يعرف أن هذا السلاح هو الحاجز الأخير أمامه.
5- العراق – الحشد الشعبي
حين تمدد “داعش” حتى أبواب بغداد، كان الحشد الشعبي هو من أوقف الكارثة.
• السلاح الذي حمله مقاتلو الحشد لم يكن مسموحًا به في المخازن الرسمية، بل جاء من تضحيات ومبادرات شعبية.
• الحشد اليوم قوة شرعية في القانون العراقي، لكنه مستهدف أميركيًا وإسرائيليًا لأنه أثبت أن ولاءه للأمة، لا للسفارات.
6- اليمن – من الحصار إلى الردع
اليمنيون الذين حُوصروا وجُوّعوا، بنوا سلاحهم بمواردهم القليلة، وصاروا يفرضون معادلات على البحر الأحمر وباب المندب.
• لم يحصلوا على إذن من الناتو أو تمويل من واشنطن.
• اليوم، موانئ الاحتلال تعيش حالة خوف دائم من صواريخ ومسيرات صنعاء، وهذا ما يفسر الحملة الغربية لتجريم سلاح اليمن.
7- لماذا يجب أن يُحصر السلاح بيد المقاومة؟
• لأن الجيوش المرتبطة بالغرب تتحول في الأزمات إلى قوات شرطة تحمي الأنظمة، لا الأوطان.
• لأن المقاومة أثبتت في كل الميادين أنها تعرف العدو من الصديق.
• لأن السلاح بلا عقيدة قتالية تحررية، يتحول إلى خردة في لحظة الحقيقة.
8- قلب خطاب “حصر السلاح”
حين يقولون: “نريد حصر السلاح بيد الدولة”، نقول: نريد حصر السلاح بيد الأمة، عبر مقاومتها.
حين يقولون: “السلاح خارج الدولة خطر”، نرد: الخطر هو الدولة التي تسلّم مفاتيحها للعدو.
وحين يقولون: “السلام هو الحل”، نجيب: السلام لا يُصنع إلا من فوهة بندقية منتصرة.
9- توصيات
1. دمج العقيدة القتالية للمقاومة في الجيوش العربية، لا دمج المقاومة في جيوش منزوعة الإرادة.
2. منع أي نزع للسلاح المقاوم تحت أي مسمى أو اتفاق.
3. إحياء الصناعات العسكرية المحلية وفق نموذج غزة واليمن.
4. تدريب كل جندي عربي كمقاتل مقاوم، لا كشرطي للنظام.
5. إنشاء غرفة عمليات عربية موحدة للمقاومة، تضم لبنان، غزة، العراق، اليمن، وسورية.
العبرة من الدماء
من البوسنة إلى فلسطين، ومن بغداد إلى صنعاء وغزة، تكررت القاعدة:
الشعب الذي يسلم سلاحه، يسلم روحه.
لهذا، حصر السلاح بيد المقاومة ليس خيارًا تكتيكيًا، بل هو ضمانة بقاء الأمة.
وسيبقى شعارنا:
“سلاحنا أمانة، لا نسلمه إلا في القدس، تحت راية النصر”.