إلى رحمة الله و رضوانه..محمود فرشچيان…الرسّام الإيراني المُبدِع..

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
الفنان الإيراني البارز محمود فرشجيان، أحد أعظم رسامي المنمنمات في العصر الحديث وصاحب أسلوب فني فريد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن الإيراني، توفي صباح اليوم السبت الموافق 9 أغسطس/آب 2025 (18 مرداد 1404) في الولايات المتحدة الأمريكية عن عمر ناهز 95 عامًا، إثر إصابته بالتهاب رئوي.
يُعرف فرشجيان بأنه مبتكر رؤية جديدة في فن المنمنمات الفارسية، حيث مزج بين الأصالة والتراث من جهة، والابتكار والتعبير المعاصر من جهة أخرى، لتتحول أعماله إلى أيقونات ثقافية تُعرض في أكبر المتاحف وتزين أبرز القاعات الرسمية. وقد نال خلال مسيرته العديد من الجوائز والأوسمة داخل إيران وخارجها، كما لُقّب بـ”سفير الفن الإيراني” لما حمله من رسائل الجمال والروحانية إلى العالم.
وُلد محمود فرشجيان في 25 يناير/كانون الثاني 1930 بمدينة أصفهان، وبدأ دراسته في مدرسة الفنون الجميلة بالمدينة، قبل أن ينتقل إلى أوروبا لاستكمال معارفه الفنية. وقد مزج بين أسلوب المدرسة التقليدية للمنمنمات الإيرانية والمدارس الفنية الحديثة، مقدّمًا أعمالًا مبدعة تُعرض في متاحف مرموقة داخل إيران وخارجها، ومن أبرز إنجازاته تصميم نقوشات ضريحَي الإمام الحسين والإمام الرضا عليهما السلام.
يُعدّ فرشجيان من أبرز المجددين في فن المنمنمات الإيرانية، إذ أغنى هذا الفن وأخرجه من حالة الاعتماد الإلزامي على الشعر والأدب، وأوجد له رسالة وقيمة توازي بقية الفنون التشكيلية. وتمتاز أعماله بخطوط سلسة وتراكيب دقيقة ودائرية تحمل أسرارًا ورموزًا وإشارات خفية، فيما تعكس ألوانه اللامعة والموجية روح الابتكار وكأنها نسج أسطوري.
أقيمت لأعماله أكثر من مئة معرض فردي وجماعي في إيران وخارجها، وحظيت بإقبال كبير من المتاحف والمكتبات وجامعي الأعمال الفنية وعشاق الفن، الذين يفتخرون باقتناء لوحات من إبداعه.
من أبرز أعماله:
• “ضامن آهو”: تصميم لشخصية الإمام الرضا (عليه السلام).
• “اليوم الخامس من الخلق”: لوحة تُجسّد جميع المخلوقات الأرضية والسمائية وهي تسبّح الخالق.
• “عصر عاشورا”: التي قال عنها فرشجيان إنه رسمها في يوم عاشوراء قبل ثلاث سنوات من انتصار الثورة، حين نصحته والدته بالاستماع إلى الروضة أي التعزية بمقتل الامام الحسين ، فدخل غرفته ليجد نفسه منساقًا لرسم اللوحة كما هي اليوم، دون أي تعديل، وقد أهداها لاحقًا إلى متحف آستان قدس رضوي.
عصر عاشورا (The Evening of Ashura)
• الموضوع والمضمون
تجسد اللوحة لحظة عودة مرکب الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الخيام بعد شهادته في عاشوراء، دون أن يظهر صاحبه. هذه العودة المهيبة توحي بغياب البطل، مما يخلق شعورًا بالفراغ والحنين إلى المفقود .
• العناصر البصرية المؤثرة
تبرز الصورة بكثافة العناصر الرمزية: الخيول المنكسرة، العابثات مثل الدروع المسقطة، والطيور المدهونة بدماء الحسين، والدموع في عين الحصان، كلها توضح ما حدث بطريقة قوية ومؤثرة .
• التقنية والأسلوب
استخدم فرشچیان أسلوبًا يعتمد على الخطوط الدائرية المتدفقة، وتلاعب بالتكوين لترسيخ حالة الحزن والفراغ. وفيه تتلاقى العناصر لتتحول الصورة إلى رمزية مؤثرة، حيث لا مركز مرئي لكن الحضور الروحي شامخ .
• قصة الخلق
كما رواها الفنان، استُلهمت اللوحة في صباح عاشوراء قبل ثورة 1979 (عام 1355 ش)، حين شعر بحالة من الانفعال المفاجئ، وبدأ الرسم دون تخطيط مسبق، ليخرج العمل كما نراه الآن، بلا تغييرات .
• الإرث والتأثير
تعد اللوحة الشهيرة اليوم أحد أبرز الأعمال التي تناولت واقعة عاشوراء تصويريًا، وقد أُعجِب بها جمهور كبير، وتُعرض في متحف آستان قدس رضوي، كما أنها مسجّلة ضمن التراث الثقافي الوطني الإيراني .
ضامن آهو (Zamin Ahoo)
للأسف، المعلومات المتوفرة عن لوحة “ضامن آهو” أقل توثيقًا، ولم أتمكن من العثور على وصف تفصيلي يساعد في رسم الصورة الكاملة للأسلوب أو المعنى. ما نعرفه ضمنيًا منها:
• غالبًا ما تتمحور حول الإمام الرضا (ع) في سياق رمزي أو ديني، ربما باستخدام عناصر طبيعية (مثل الغزال) يرمز بها إلى البراءة والحماية. ورد ذكرها في سياق أعمال فرشچیان المتميزة لكنها تحتاج إلى مصادر إضافية لاستكمال الوصف التفصيلي.
اللوحة الوصف التفصيلي
عصر عاشورا عمل رمزي عاطفي يعبر عن فراغ البطولة ومأساتها، بأسلوب بصري قوي ورؤى مؤثرة؛ من أبرز أعمال فرشچیان
ضامن آهو عمل ذو طابع ديني رمزي، ولكنه أقل توثيقًا حاليًا ويحتاج لمزيد من المصادر لفهمه بدقّة
تفصيل موسّع حول لوحتي “عصر عاشورا” و**“ضامن آهو”** للرسّام البارز محمود فرشچیان:
1. عصر عاشورا (The Evening of Ashura)
• سنة الإنشاء والمكان
أنجز فرشچیان هذه اللوحة في عام 1976، وهي تُعدُّ واحدة من أشهر أعماله، وتُعرض اليوم في متحف آستان قدس رضوي بمدينة مشهد.
• الموضوع والمضمون
تصوّر اللوحة لحظة عودة حصان الإمام الحسين (ع) فارغًا من راكبه إلى الخيام، حيث تستعرض عائلته في حالة شديدة من الحزن والأسى. التفاصيل الصغيرة مثل حركة الرأس والعيون المنكسرة وشعر الحصان المبثوث ولمسات الدم على جسده، تعبّر بعمق عن المأساة والغياب القاتل.
• الأثر والتأثير العاطفي
بالرغم من غياب الإمام ذاته عن اللوحة، فإنّ حضوره يُلامَس بقوة من خلال العناصر البصرية المتفرقة. هذا الأسلوب لمس مشاعر المستلمين بشكل قوي خاصة في السياق الشيعي، ما يجعل “عصر عاشورا” عملًا مؤثرًا ورمزيًا في الوقت ذاته.
2. ضامن آهو (Guarantor of the Gazelle)
• سياق الإنشاء والتقنية
رسمها فرشچیان عام 1979/1980 (عام 1358 هـ.ش)، باستخدام تقنية الأكريليك على ورق خالٍ من الحمض، بأسلوب المنمنمات. وهو ما جعل اللوحة تتسم بألوان زاهية وخطوط متدفقة تخدم الموضوع الرمزي. ثم أهدى اللوحة إلى آستان قدس رضوي.
• المضمون والرمزية
تحكي اللوحة قصة آهو يواجه مطاردة الصياد، فيلجأ إلى الإمام رضا (ع)، المرسوم في أعلى يمين اللوحة ضمن هالة نور. الأيائل تحيط به بحثًا عن الأمان، فيما يظهر الصياد متأثرًا بالحدث، محطمًا كمانه وجاثيًا إليه في انكسار وتوبة.
• القصة وراء العمل
أثناء تدهور صحته (شلل في اليد) وبلوغ مرحلة خطيرة، تعلّق فرشچیان برجاء الإمام رضا (ع) للشفاء. بعد تحسّن حالته، نذر أن يرسم “ضامن آهو” – وهي قصة رمزية توضح العلاقة بين الفن والنجاة الروحية.
• النسختان والفروقات
ثمة نسخة ثانية بعنوان “ضامن آهو 2” أُنجزت حوالي عام 2009، وطُرحت في سعدآباد. ورغم التشابه في العنوان، إلا أنها تقدّم رؤية جديدة للقصة نفسها، بالتفاصيل والتكوينات.
مقارنة سريعة
اللوحة الموضوع والرمزية التقنية وسياق العمل
عصر عاشورا الحزن تجاه غياب الإمام، بتعبيرات رمزية قوية 1976، معروضة في متحف آستان قدس رضوي
ضامن آهو رحمة الإمام واستجابة للطلب الإلهي، مع توبة الصياد 1979/1980 بأكريليك، بنية رمزية عميقة، له نسختان
حول رائعتَي الرسام الإيراني محمود فرشچیان:
اللوحة الأولى: “عصر عاشورا” (The Evening of Ashura)
• سنة الإبداع والمعرض الحالي
أبدع فرشچیان هذه اللوحة عام 1976، وتُعرض حاليًا في متحف آستان قدس رضوي بمدينة مشهد.
• الموضوع والبُعد الرمزي
تُصوّر اللوحة عودة حصان الإمام الحسين (ع) وحده إلى الخيام بعد المعركة، في يأس عائلي جنائزي يثقل السماء بالحزن. التفاصيل الدقيقة من دوي الدم على الجسد غير المأهول إلى النظرات المكسورة تُعزز الألم والغموض في آنٍ واحد.
• الإلهام والخلق الفني
ذكر فرشچیان أنه رسم العمل في صباح عاشوراء عام 1977، تفاعلاً مع أجواء الحداد التي عمّت البلاد، دون تخطيط مسبق؛ إذ بدأ الرسم استجابة عفوية لنزعة داخلية.
• التقدير الثقافي
أُدرجت اللوحة ضمن قائمة التراث الثقافي الوطني الإيراني، واعتُبرت من أبرز الأعمال الفنية الوطنية المعبرة عن مأساة عاشوراء.
• التحليل الفني
يرى النقاد أن العمل يمثّل “مرثية فنية” ترمز إلى ما بعد الكارثة. في تكوينه الرمزي، تُفرَض عملية الحزن كواجب إنساني، بطريقة تجعل المشاهد جزءًا من المشهد دون تجاوزُه.
اللوحة الثانية: “ضامن آهو” (The Guarantor of the Gazelle)
• الموضوع وقصة اللوحة
تحكي هذه اللوحة قصة غزال اُمسك به صيّاد. إلى أن ارتحل الإمام الرضا (ع) وطلب إطلاق سراح الغزالة لي تربي أولادها، وفعلاً وعد الصياد بالإفراج عنها. وبعد أشهر، عادت الغزالة كما وعدت، فعار الصياد وهربت سلاحه ومنحه محفوظًا.
• الرسالة الرمزية
يُصور فرشچیان هذا المشهد للتعبير عن اللطف الإلهي في الإسلام والتوبة والرحمة. اللوحة تبرز تقاربًا روحانيًا بين الإنسان والطبيعة، وتسلط الضوء على رحمة الإمام (ع) وسيطرته الرمزية على القلوب.
• عملية الخلق والتفاصيل التقنية
استغرق الفنان أكثر من عام لإنجاز اللوحة، وقد صمّمها أولًا لنفسه، ثم أهداها إلى متحف آستان قدس رضوي. لاحقًا، أنجز نسخة ثانية بعنوان “ضامن آهو 2”، طُرحت في متحف سعدآباد.
• الإلهام الشخصي
وفقًا لما رواه، فقد رآى الإمام الرضا (ع) في المنام أثناء خضوعه لعملية قلب في الولايات المتحدة، حيث قال له الإمام: “انظر إليّ وارسمني!” فكان ذلك نقطة تحول في إنجاز العمل.
ملخص مقارن
اللوحة الموضوع والرمزية الخلفية الفنية والسياق
عصر عاشورا مأساة الحزن والفقد، من خلال فسحة رمزية تنمّ عن حضور الإمام الغائب رسم عفوي عام 1976/77، عرض بالمتحف الوطني، رمز حضوري عميق
ضامن آهو رحمة الإمام، توبة الصياد، وقوة المعجزة الروحية خلق دام أكثر من عام، مصدره حلم شخصي، معروض بالمتحف.
إليكم صورًا لواحدة من لوحات محمود فرشچیان المذهلة، بعنوان “اليوم الخامس من الخلق” (The Fifth Day of Creation)، بالإضافة إلى التفاصيل الفنية الرائعة لهذه اللوحة الشهيرة:
لوحة: “اليوم الخامس من الخلق” (The Fifth Day of Creation)
• السنة والتقنية
أُنتجت هذه اللوحة حوالي عام 1990، باستخدام الأكريليك على لوح، وهي إمضاء موثق ومرقّم بشهادة أصالة من مؤسسة فرشچیان ART .
• الأبعاد والتوقيع
تبلغ أبعاد العمل حوالي 81.5 × 55.5 سم للوح، ويصل حجمها بالإطار إلى 112.3 × 87 سم تقريبًا .
• الموضوع والرمزية
اللوحة تعكس الخامس من الخلق حسب التقاليد الدينية، حيث تصور طيورًا تحلق في السماء ضمن خلفية تفيض بالألوان والحركة، تعبر عن الحركة الوجدانية والطبيعية في خلق العالم .
• الأثر والسعر في السوق الفني
تم بيع العمل في مزاد علني بسعر 92,656 دولارًا، أي ما يعادل 76,200 جنيه إسترليني، متجاوزًا تقديرات السعر الأصلية بفارق كبير .
توضيح حول لوحة “علي-أصغر (AS)”
• الموضوع والتمثيل
في إطار أعماله المرتبطة بعاشوراء، رسم فرشچیان لوحة بعنوان “علي-أصغر (AS)” تُجسد الإمام الحسين (ع) وهو يحمل رضيعه علي-أصغر، الذي استشهد بسهم اخترق حلقه في يوم عاشوراء، مستخدمًا استحضارًا تصويريًا محاطًا بحزن عميق .
وهذا تحليل أعمق لاثنين من لوحات فرشچیان، من حيث التقنية، توزيع الألوان، والسياق الروحي والفلسفي:
1. عصر عاشورا (The Evening of Ashura)
التقنية وتوزيع الألوان:
• يعتمد فرشچیان في هذه اللوحة على التفاصيل الدقيقة جداً، كأنها منمنمات مصغرة ولكن بحجم كبير، حيث يستخدم خطوطاً رفيعة جداً لتعريف ملامح الحصان والتعبير عن مشاعره.
• الألوان الرئيسية هنا داكنة: الأسود، الأحمر القاني (لون الدم)، وألوان ترابية، مما يعكس الحزن والثقل العاطفي.
• إضاءة اللوحة غير مباشرة، وتركز على تباين الظلال التي تعطي إحساسًا بالدراما والعزاء، مع لمسات خفيفة من الضوء على وجه الحصان الذي يُبرز الألم والحنين.
• استخدام اللون الأحمر الدموي يشير إلى الألم والدماء المسالة في معركة الطف.
السياق الروحي والفلسفي:
• اللوحة تجسيد للحزن الجمعي والوجدان الشيعي المرتبط بعاشوراء.
• الحصان الفارغ يمثل غياب الإمام الحسين (ع) لكنه حاضر بالروح، مما يعكس فكرة الغياب الحضوري في الفكر الشيعي.
• تدعو اللوحة المشاهد إلى المشاركة في الحزن، وإحياء ذكرى التضحية والوفاء، وهي أشبه برمز للتجدد الروحي والالتزام بالقيم الإنسانية.
2. اليوم الخامس من الخلق (The Fifth Day of Creation)
التقنية وتوزيع الألوان:
• تستخدم اللوحة ألوانًا زاهية ومتناغمة: الأزرق السماوي، الأخضر الزمردي، والذهبي اللامع، لتعكس أجواء السماء والحياة.
• الفرشاة مرنة ومتدفقة، تُظهر حيوية الطيور في حالة حركة مستمرة، مما يعطي إحساسًا بالحرية والتجدد.
• الضوء موزع بطريقة تجعل اللوحة نابضة بالحياة، حيث تُبرز أجنحة الطيور اللامعة على خلفية دائرية تشبه الشمس أو الكون.
السياق الروحي والفلسفي:
• اللوحة تمثل لحظة خلق الحياة على الأرض، وتركز على توازن الطبيعة وانسجام المخلوقات.
• الطيور ترمز إلى الروح والحرية، والسماء التي تحتضن الحياة كلها.
• هناك بعد فلسفي يُظهر التكامل بين الخلق والإبداع، حيث يمثل اليوم الخامس لحظة مقدسة، بداية ظهور الكائنات الحية والحرية في التعبير.
• اللوحة تعكس إيمان فرشچیان بوجود روحانية عميقة في الطبيعة وبأنها من تجليات الجمال الإلهي.