تقييم العملة الأجنبية في الجمارك؛ عقبة خفية أمام عودة عائدات الصادرات؟
في حين يسعى صانع السياسات من خلال أدوات جديدة مثل «الامتياز التصديري» إلى تعزيز عودة العائدات بالعملة الصعبة الناتجة عن الصادرات، ما زال التحدي القديم يلقي بظلاله على هذا الهدف الواسع، والمتمثل في الفجوة بين تقييم العملة الأجنبية في الجمارك والقيمة الحقيقية التي يراها المصدّرون.

نقلاً عن الموقع الإخباري «صداى سما»؛ وفقاً لتصريحات بعض الفاعلين الاقتصاديين، فإن قيمة السلع التصديرية المسجَّلة في نظام تقييم الجمارك تكون في بعض الحالات أعلى من السعر الذي ينجح المصدّر في بيعه فعلياً في السوق العالمية. ويؤكد هؤلاء أن هذا الفارق قد يصل أحياناً إلى 20% أو أكثر من القيمة الحقيقية للشحنة.
وعندما تقوم الجمارك بتسجيل قيمة أعلى من الواقع لأي شحنة تصديرية، يُلزَم المصدّر بإعادة العائدات بالعملة الصعبة على أساس تلك القيمة المرتفعة. وهذا يعني أنه إذا باع أحد المصدّرين سلعة بقيمة حقيقية تبلغ 100 ألف دولار، لكن نظام الجمارك سجّلها بـ 120 ألف دولار، فسيتعيّن عليه تسوية التزاماته على الرقم الأعلى. وتزداد حدة هذا الضغط خاصة عندما يكون هناك فارق كبير بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الحرة، ما يشكّل عبئاً ثقيلاً على المصدّر.
ونتيجة لذلك، تتراجع حوافز المصدّرين في القطاع الخاص لإعادة العائدات إلى البلاد، لأن إعادة الأموال بهذه الشروط تعني خسارة جزء أكبر من إيراداتهم الفعلية.
اختلاف طبيعة المصدّرين الكبار والصغار
الجزء الأكبر من العائدات التصديرية في البلاد يخص الشركات الكبرى العاملة في مجالات الطاقة والمعادن والصناعات الثقيلة. وبسبب هيكليتها وملكية الدولة أو شبه الدولة لها، فإنها تملك القدرة على الوفاء بالتزامات إعادة العائدات.
لكن المشكلة الأساسية في إعادة العائدات تكمن في القطاع الخاص الصغير والمتوسط، وخصوصاً في الصادرات غير النفطية والمنتجات الزراعية أو الصناعية الخفيفة، حيث هوامش الربح ضيقة. وبالنسبة لهؤلاء، فإن أي زيادة غير واقعية في التقييم الجمركي قد تجعل العملية التصديرية كلها غير مجدية اقتصادياً.
دور البطاقات التجارية أحادية الاستخدام
في هذه الظروف، يلجأ بعض الفاعلين الاقتصاديين إلى استخدام “البطاقات التجارية أحادية الاستخدام” للتهرب من ضغط التقييمات المرتفعة والالتزامات غير الواقعية. ورغم أن هذه الطريقة مؤقتة، فإنها تقلل من شفافية التجارة الخارجية وتزيد من صعوبة مكافحة التهرب من إعادة العائدات.
عملياً، المصدّرون الصغار الذين يعملون ببطاقات تجارية قانونية يواجهون مشكلة أنهم مطالبون بإعادة عائدات أكبر من دخلهم الفعلي لكل دولار يصدرونه، مما يدفعهم إما للتوقف عن التصدير أو اللجوء إلى طرق غير رسمية.
الدعوة لمراجعة نظام تقييم الجمارك
يقترح بعض الفاعلين الاقتصاديين أن تعتمد الجمارك في تحديد قيمة السلع التصديرية على متوسط الأسعار الحقيقية المتداولة في أسواق الهدف، أو الأسعار المتفق عليها بين المصدّر والمشتري الأجنبي. هذه الخطوة يمكن أن تحافظ على حافز المصدّرين لإعادة العائدات، وتقلل من اللجوء للبطاقات المؤجرة أو أحادية الاستخدام.
ويؤكد هؤلاء أن اعتماد تقييم جمركي مرن يستند إلى أوضاع السوق الدولية سيشجع المصدّرين الصغار على إعادة العائدات بشفافية، دون الحاجة إلى الالتفاف على القوانين.
ورغم أن الفارق بين القيمة الحقيقية والقيمة الجمركية قد يُنظر إليه من قبل الجهات الرقابية كأداة لمنع التقليل من التصريحات، إلا أنه عملياً يشكّل عائقاً حقيقياً أمام إعادة العائدات في القطاع الخاص الصغير والمتوسط. وإذا كان هدف صانع السياسة هو زيادة إعادة العائدات التصديرية، فإن إصلاح آلية التقييم يجب أن يتم بالتوازي مع الحوافز واللوائح الجديدة، لأنه من دون معالجة هذه المعضلة ستظل جزء من قدرات التصدير غير النفطي في البلاد معطَّلة.