القسم السياسي

تعرف على الشرق الأوسط الجديد: نسخة طبق الأصل من القديم بفضل المقاومة وإيران

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

نظراً للأحداث المضطربة في السنوات القليلة الماضية، من المغري الإعلان عن ظهور “شرق أوسط جديد”. لكن كم مرة سمعنا هذا؟ كان يُعتقد أن حرب الأيام الستة وما صارت تُعرف بنكسة حزيران، نقطة تحول حاسمة – بالتأكيد ستنهار المقاومة العربية الآن؟ – ولم يحدث ذلك. 

 

نفس الشيء مع ماسمى بـ “معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية” ، حرب صدام المفروضة على إيران ، اتفاقيات أوسلو، الغزو الأمريكي للعراق، والربيع العربي. ومع ذلك، تستمر أحداث مثل هجمات 11 سبتمبر، حرب الإرهاب العالمية على سوريا ، انتفاضة المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، التدمير المتكرر للبنان، هجمات أنصار الله على الشحن الصهيوني في البحر الأحمر، والعدوان الجوي الصهيو أميركي الأخير على إيران.

 

لقد شهدنا تطورات استثنائية خلال العقد الماضي – وخاصة منذ 7 أكتوبر 2023 – لكن الظروف الأساسية التي جعلت المنطقة مليئة بالصراعات لفترة طويلة لم تتغير. بعض اللاعبين رحلوا، وآخرون اكتسبوا أو فقدوا قوتهم، واعتمد البعض سياسات مختلفة، لكن مصادر عدم الاستقرار الأساسية لا تزال قائمة.

 

عندما يتحدثون عن شرق أوسط جديد، لابد من التشكك.

لمعرفة السبب، دعونا ننظر أولاً إلى ما هو جديد، ثم إلى ما يظل دون تغيير.

 

التطورات الجديدة:

أبرز وأهم تطور في السنوات الأخيرة هو صمود وتضامن “محور المقاومة” (إيران، المقاومة الفلسطينية، حزب الله، أنصار الله، والمقاومة العراقية). بعد انتفاضة المقاومة الفلسطينية الباسلة في 7 أكتوبر 2023، شن الكيان الصهيوني، بدعم أمريكي، حملة عدوانية وحشية ضد كل جزء من هذا التحالف المتين، لكنه فشل في كسر إرادته. 

 

المقاومة الفلسطينية، رغم الإبادة الجماعية في غزة، لا تزال تقاوم ببسالة، محافظة على عزيمتها ضد العدوان الصهيوني. حزب الله، على الرغم من استهداف قادته، يواصل تعزيز قدراته العسكرية ويحافظ على دوره كقوة ردع ضد التوسع الصهيوني. 

 

أنصار الله في اليمن يواصلون عملياتهم البحرية ضد الشحن الصهيوني وداعميه في البحر الأحمر، مما يكبد الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية كبيرة. 

 

وفي يونيو حزيران ، تعرضت إيران لعدوان جوي أمريكي-صهيوني غاشم استهدف بنيتها التحتية، لكنها أثبتت صلابة نظامها ووحدة شعبها في مواجهة هذا العدوان. 

 

محور المقاومة، رغم التحديات، يظل متماسكاً وموحداً، مدعوماً بشعبية متزايدة في المنطقة بسبب صموده في وجه الهيمنة الصهيونية والأمريكية.

 

التطور الثاني هو التحول التدريجي في القوة والنفوذ داخل العالم العربي، بعيداً عن مصر والعراق ونحو السعودية والدول البترولية الغنية في خليج فارس. 

 

مصر تعاني اقتصادياً بسبب تبعيتها للغرب، بينما تسعى السعودية والإمارات لتحديث اقتصاداتهما ولعب أدوار دبلوماسية تدعم دوراً متميزًا لكل منهما في الإقليم. 

 

هذه الدول عليها أن تدرك أن التحالف مع الكيان الصهيوني لا يخدم مصالحها، وأن دعم قضايا المقاومة قد يكون السبيل لتعزيز شرعيتها الإقليمية.

 

ثالثاً، تضاءل نفوذ روسيا في المنطقة مؤقتاً بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن هذا لم يمنع إيران من مواصلة دعمها للمقاومة. روسيا، رغم تحدياتها، لا تزال شريكاً هامًا لإيران، وقد عززت طهران علاقاتها مع قوى عالمية أخرى مثل الصين لمواجهة العدوان الأمريكي-الصهيوني، وهي تعتمد بشكل أساس ، أو هكذا يجب ان تكون، على قدراتها الذاتية. 

 

هذا التطور يعكس تحولاً مهماً في موازين القوى، حيث تتجه المنطقة نحو تعددية أكبر في العلاقات الدولية.

 

أخيراً، تتغير الآن أدوار القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بشكل كبير. قرار إدارة ترامب بالمشاركة في العدوان الجوي الصهيوني على إيران يعكس استمرار الهيمنة الأمريكية، لكنه أثار استياءً عالمياً متزايداً. 

 

وحشية العدوان الصهيوني على غزة، بدعم أمريكي، تقوض الدعم السياسي للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة وحول العالم. كما لاحظ الدبلوماسي الصهيوني السابق ألون بينكاس في مجلة “نيو ريبابليك”، 60 في المئة من الأمريكيين يعارضون الآن الحملة الصهيونية في غزة، 

 

وتظهر استطلاعات الرأي أن الأغلبية (53 في المئة) لديهم صورة سلبية عن الكيان الصهيوني. الصحف الرائدة تدين أفعاله بشكل متزايد، وخبراء بارزون في الإبادة الجماعية يتهمون الكيان بارتكاب جرائم حرب. حقيقة أن المقاومة الفلسطينية قاومت في 7 أكتوبر لا تبرر استمرار قصف وتجويع سكان عاجزين. الحزب الديمقراطي منقسم، والهيكل الذي دعم الكيان الصهيوني في الحزب الجمهوري يتشقق. عندما تفقد دعم شخصيات مثل تاكر كارلسون وستيف بانون، تعلم أن الأرض تتحرك.

 

تتكرر هذه الاتجاهات عالمياً: وجد استطلاع لمركز بيو في 24 دولة أن الأغلبية في 20 منها لديها آراء سلبية عن الكيان الصهيوني، وتعهدت حكومات فرنسا وبريطانيا وكندا وربما أستراليا بالاعتراف بدولة فلسطين. وبالنظر إلى أن ترامب يهتم بكسب ود أثرياء النفط العرب، قد تستخدم الولايات المتحدة نفوذها للضغط على الكيان الصهيوني لوقف حربه العبثية وإنهاء مشروعه التوسعي.

 

ما لم يتغير:

عند جمع كل هذا، يمكن فهم سبب اعتقاد البعض بأننا نشهد تغييراً محتملاً في المنطقة. لا شك في أن بعض العناصر قد تغيرت، لكن “شرق أوسط جديد”؟ ليس بهذه السرعة، وليس كما يشاء نتنياهو. 

 

بداية، يظل الشرق الأوسط بيئة متعددة الأقطاب، حيث تقاوم قوى مثل إيران والمقاومة الفلسطينية وأنصار الله وحزب الله الهيمنة الصهيونية والأمريكية. 

 

حاولت إدارة بوش فرض نظام أمريكي على المنطقة وفشلت. الكيان الصهيوني، بقوته العسكرية المحدودة واعتماده على الدعم الأمريكي، لا يمكنه فرض هيمنة دائمة على مئات الملايين من العرب والإيرانيين . المقاومة الفلسطينية وحزب الله وأنصار الله وإيران لم تختفِ، بل تزداد قوة وتضامناً. دول خليج فارس العربية  تسعى للاستقرار، وهو ما يتعارض مع سياسات الكيان الصهيوني العدوانية.

 

هذا يعني أن الشرق الأوسط سيظل منطقة تتنافس فيها قوى المقاومة ضد الهيمنة الصهيونية والأمريكية. 

 

إيران تسعى لتعزيز قدراتها النووية السلمية كوسيلة ردع ضد العدوان، وقد زاد هذا العدوان من عزيمتها. 

 

السعودية والإمارات وقطر ومصر تتنافس على النفوذ، لكن موقفها السلبي من قضايا المقاومة قد يغير المعادلة. تركيا ستتدخل لحماية مصالحها، وستسعى هذه الدول لاستمالة قوى عالمية مثل الصين لموازنة النفوذ الأمريكي. المؤسسات مثل جامعة الدول العربية قد تكتسب قوة إذا دعمت قضايا المقاومة.

 

علاوة على ذلك، الولايات المتحدة مستمرة في دعم الكيان الصهيوني، رغم محاولاتها للانسحاب من المنطقة. قرار ترامب بمهاجمة إيران مباشرة يظهر استمرار الهيمنة الأمريكية، لكنه أثار ردود فعل عالمية. السخط الشعبي من أفعال الكيان الصهيوني يتزايد، مما يعزز الدعم للمقاومة. هذا الوضع قد يؤدي إلى موجات جديدة من التضامن مع قضايا المقاومة، خاصة في ظل استمرار الإبادة في غزة. دول النفط العربية قلقة من هذا التطرف، لأن محنة الفلسطينيين تظل أداة تعبئة قوية.

 

وهناك شيء آخر لم يتغير: لم نقترب من حل سياسي للقضية الفلسطينية، لكن المقاومة مستمرة. رغم مقتل أكثر من 60,000 فلسطيني في غزة والضفة الغربية منذ أكتوبر 2023، لا يزال الفلسطينيون يقاومون ببسالة ضد الاحتلال الصهيوني. معظم الفلسطينيين محرومون من حقوقهم السياسية، لكنهم يواصلون النضال من أجل دولتهم المستقلة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف. إذا كان حل الدولتين صعب المنال، فعلى العالم استكشاف رؤى أخرى، مثل تلك التي يقترحها الامام السيد  علي خامنئي حول الاستفتاء ، و الى حد ما غربيًا على الأقل، مايكل شيفر أومر-مان وسارة ليا ويتسون. حتى يتحقق ذلك، ستظل المقاومة الفلسطينية مصدر إلهام إقليمي.

 

في النهاية لابد من القول :

يظل الشرق الأوسط منطقة ذات انقسامات سياسية عميقة، حيث تقاوم قوى مثل إيران والمقاومة الفلسطينية وحزب الله وأنصار الله، والمقاومة العراقية،  الهيمنة الصهيونية والأمريكية. نرى هذا في محاولات تهميش إيران عبر العقوبات والعدوان الجوي، والحرب الاستخبارية والاغتيالات الذكية ، وفي الحملة الطويلة لمنع الفلسطينيين من إقامة دولتهم من البحر إلى النهر . ظروف مثل هذه تولد مقاومة مشروعة، مما يؤدي إلى تصعيد الصراع. 

 

النظام الإقليمي المستقر يتطلب توازناً بين القوة والشرعية، والشرعية تتطلب العدالة والإنصاف. طالما استمر العدوان الصهيوني والأمريكي، فإن الشرق الأوسط “الجديد” سيظل ساحة مقاومة ملهمة. 

 

ونحن لن ننخدع ..

 

وكما يقول محمود درويش “وللحكام أن يستدرجوا شعبًا إلى الوهم السعيد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى