“غزة… معركة النار والخرائط: حين تتحول المقامرة الصهيونية إلى فرصة لمحور المقاومة”

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
بكل واقعية، ومن منطلق قراءة دقيقة لموازين القوى، علينا أن ندرك أنّ التفكير في “اليوم التالي” لأيّ محاولة لاحتلال غزة ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة استراتيجية لمحور المقاومة. فالتجارب السابقة تثبت أنّ العدو يمتلك قدرات عسكرية وتقنية متطورة، مدعومة بغرفة عمليات غربية، تجعل من إمكانية اجتياح القطاع أمرًا واردًا من الناحية العسكرية، حتى لو تطلب الأمر منه دفع أثمان بشرية ومادية باهظة. ومع ذلك، فإنّ المقاومة في غزة أثبتت في كل مواجهة أنّها قادرة على تحويل أي تقدّم ميداني لجيش الاحتلال إلى مستنقع استنزاف طويل، وأنّ الاحتلال الكامل للقطاع لن يكون أبداً “نزهة” بل سيكون بداية مرحلة أشد قسوة على العدو من أي وقت مضى.
ومن هنا، فإنّ الاستعداد لهذه المرحلة يجب أن يبدأ من الآن، عبر تعزيز التحصينات، وتوسيع شبكة الأنفاق وإن يبدو ذلك صعباً في الظروف الحالية، وتطوير قدرات الصواريخ والطائرات المسيّرة، ورفع مستوى التنسيق العملياتي بين غزة وسائر جبهات محور المقاومة من جنوب لبنان إلى العراق واليمن. فالعدو يخطط لمعركة شاملة تتجاوز جغرافيا القطاع، وأيّ ردّ فعال يتطلّب رؤية إقليمية متكاملة تُحوّل محاولة احتلال غزة إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات تُربك حسابات الاحتلال وتخلط أوراق داعميه.
إليك توسعًا واقعيًا وتحليليًا لتلك النقطة، مع المحافظة على الانحياز الواضح لصالح غزة ومحور المقاومة، مع تدعيم الفكرة بمزيد من التفاصيل:
لكن ما هي تداعيات القرار الصهيوني، وكيف يمكن لمحور المقاومة التعامل معه؟
أولاً، يجب أن ندرك أن القرار الصهيوني باجتياح غزة ليس انفعالًا عاطفيًا أو نزقًا سياسيًا لحظيًا، بل هو نتاج نقاشات مطوّلة ومداولات معقّدة في أعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية والأمنية. فبعد نحو عامين من حرب استنزاف متعددة الجبهات — في غزة، والضفة، وجنوب لبنان، وحتى في العمق الدولي عبر عمليات نوعية للمقاومة في البحر والبر — أصبح الكيان الصهيوني في وضع استراتيجي هشّ.
نتنياهو، الذي يواجه أزمة داخلية خانقة، من انقسام سياسي حاد واحتجاجات واسعة، وضغط عائلات الأسرى، ومن أزمة ثقة عميقة بينه وبين المؤسسة العسكرية، وجد نفسه أمام مأزق وجودي، داخليًا وخارجيًا. لذلك قرر المقامرة بما يمكن وصفه بـ”الورقة الأخيرة” — احتلال غزة — إما لتحقيق اختراق استراتيجي يُعيد له الشرعية ويفرض وقائع جديدة على الأرض، أو الانهيار معه ومع الكيان في سلة واحدة إذا فشل.
الجيش الصهيوني نفسه، عبر تقديرات مكتوبة قُدّمت للمستوى السياسي، حذر من أن هذه العملية ستكون طويلة، ودموية، ومكلفة للغاية، مع احتمال انفجار جبهات أخرى بشكل متزامن. أما عائلات الأسرى، فهي تدرك أن أي عملية واسعة قد تعني الإعدام العملي لأبنائهم، لذلك تعارضها علنًا. في المقابل، يرى اليمين المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش أنها فرصة ذهبية لفرض مشروع إعادة الاحتلال المباشر لغزة وإحياء الاستيطان، وهو ما يعني تلاقي شهوة الدم مع الأجندة السياسية، وانعدام أي صوت للعقل أو الحساب البارد.
إلى جانب ذلك، فشلت المفاوضات التي كانت تجري في الدوحة حول صفقة تبادل رهائن كانت قد تمنح الطرفين فرصة تهدئة مؤقتة. الحسابات الأمريكية الخاطئة — التي افترضت أن الضغط الإنساني والتجويع سيُرغم حماس على تقديم تنازلات — أغلقت الباب أمام أي تسوية. فجاء رد حماس حاسمًا: “لا مفاوضات قبل دخول المساعدات ووقف سياسة التجويع”. هذا الموقف أربك الوسطاء وترك “إسرائيل” بلا اتفاق، وعائلات الأسرى بلا أمل. عندها أصبح نتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما: إنهاء الحرب وإعادة الأسرى، أو التصعيد مهما كانت النتائج، فاختار التصعيد، مدفوعًا برغبة في قلب الطاولة على الجميع، ولو كان الثمن مستقبل الكيان نفسه.
ثانيًا: التداعيات المحتملة
لم تعد غزة ملفًا محليًا أو إقليميًا محصورًا بحدود فلسطين، بل تحوّلت إلى قضية رأي عام عالمي، تُتابع أحداثها مئات الملايين في مختلف القارات، وتتصدر نشرات الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق. صور المجاعة، وأجساد الأطفال الهزيلة، ودفن الضحايا في مقابر جماعية، انتقلت من الشاشات إلى وجدان الشعوب، وأشعلت موجات غضب واسعة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وأرغمت الحكومات — حتى تلك التي كانت محسوبة على أنها داعمة أو متساهلة مع الاحتلال — على اتخاذ مواقف علنية غير مسبوقة.
تحت هذا الضغط الشعبي الهائل، أعلنت عدة عواصم أوروبية نيتها التحرك في أكبر ساحة دبلوماسية في العالم: الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم، للتصويت على الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية. هذه الخطوة، إن حدثت، ستكون أكبر هزيمة سياسية يتلقاها نتنياهو منذ وصوله إلى الحكم، بل وربما أكبر صفعة دبلوماسية في تاريخ الكيان، لأنها تأتي في لحظة يتبنى فيها حكومته برنامجًا يقوم على رفض قاطع لحل الدولتين، ويعتبر أي حديث عن دولة فلسطينية محاولة لتقويض مشروعه المعلن للقضاء على القضية الفلسطينية نهائيًا.
المؤشرات الدبلوماسية لا تدع مجالًا للشك في أن العزلة السياسية للكيان تتسع:
• ألمانيا، التي تُعد من أوثق حلفاء الاحتلال، خرج مستشارها بتحذير مباشر غير مسبوق: “الإجلاء الجماعي انتهاك للقانون الدولي، وعلى (إسرائيل) إعادة النظر”. هذا التحذير بحد ذاته يمثل خرقًا لجدار الدعم الألماني الصلب على مدى عقود.
• بريطانيا، عبر رئيس وزرائها كير ستارمر، حاولت الحفاظ على صيغة متوازنة لكنها في الجوهر تحمل رسالة تحذيرية: “الهدف الأمني مشروع، لكن الاحتلال والإخلاء سيتسببان في معاناة هائلة ويضرّان بالشرعية الدولية”.
• أما فرنسا والاتحاد الأوروبي (بروكسل)، فقد كانا أكثر وضوحًا وصراحة في رسائلهما: “لن نصمت طويلًا”، وهي عبارة قصيرة لكنها ثقيلة المعنى، تعني أن الكيان بات تحت مجهر دبلوماسي، وأن الصمت الأوروبي الذي طال لعقود يقترب من نهايته.
هذا التحول في الخطاب الأوروبي، حتى لو كان بطيئًا ومترددًا في بعض العواصم، يمثل تغيرًا نوعيًا في البيئة السياسية التي يعمل فيها الاحتلال. فقد كانت “إسرائيل” لعقود قادرة على إدارة أزماتها مع أوروبا بوسائل العلاقات العامة أو اللوبيات المؤثرة، لكن حجم الجرائم في غزة، وتوثيقها بالصوت والصورة على مدار الساعة، جعل تلك الوسائل عاجزة عن كبح موجة الغضب الشعبي.
وفي الحسابات العملية، أي اعتراف أممي واسع بالدولة الفلسطينية، حتى لو كان ذا طابع رمزي أو سياسي أكثر من كونه تنفيذياً، سيُحدث شرخًا عميقًا في شرعية الاحتلال على الساحة الدولية، ويفتح الباب أمام إجراءات قانونية ومحاكمات دولية، ويقوّي موقف المقاومة في المحافل العالمية باعتبارها تمثل شعبًا معترفًا به دوليًا يقاوم الاحتلال.
ماذا عن أمريكا وترامب؟
واشنطن ليست على هامش المشهد، بل هي جزء من تفاصيله اليومية، سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا. إلا أن حسابات الإدارة الأمريكية اليوم معقّدة أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا في ظل حساسية التوقيت بالنسبة للرئيس ترامب الذي يخوض حملته الانتخابية للانتخابات النصفية وسط أجواء استقطاب داخلي حاد. هناك خوف حقيقي في البيت الأبيض من أن يُنظر إلى عملية اجتياح غزة وتهجير سكانها على أنها تجاوز فجّ للخطوط الحمراء، بما يشعل موجة غضب على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التقليدي، قد تتحول إلى أزمة سياسية تضرب ترامب في صميم معركته الانتخابية.
الولايات المتحدة تعلم جيدًا أن صور المجاعة والقصف العشوائي والتهجير الجماعي، إذا وصلت إلى شاشات الأمريكيين بوتيرة يومية، ستفتح بابًا واسعًا أمام خصوم ترامب — من الديمقراطيين وحتى من داخل حزبه — لمهاجمته باعتباره “شريكًا مباشرًا” في جرائم حرب، وهو توصيف سياسـي كارثي في أي موسم انتخابي. لذلك، فإن فريقه الانتخابي يراقب بدقة ليس فقط الميدان في غزة، بل أيضًا لغة الخطاب السياسي الأمريكي، وردود فعل الجاليات العربية والمسلمة، والحركات الشبابية في الجامعات التي كانت سببًا في إحراج إدارات سابقة.
وفي أسوأ السيناريوهات بالنسبة للاحتلال، قد يضطر ترامب إلى القيام بخطوة غير مسبوقة في تاريخه السياسي: تجميد أو تأخير شحنات السلاح والذخيرة المخصصة لـ”إسرائيل” — ليس بدافع قناعة أخلاقية، بل كإجراء تكتيكي لتخفيف الضغط الشعبي والإعلامي الأمريكي عليه، وإظهار أنه قادر على “ضبط الحليف” إذا تجاوز الحدود. هذا الاحتمال، حتى لو كان ضعيفًا، كافٍ لإدخال القلق في حسابات حكومة نتنياهو التي تعتمد بشكل كامل على تدفق السلاح والدعم اللوجستي من واشنطن لضمان استمرار عملياتها العسكرية.
مثل هذه الخطوة، إذا حدثت، ستكون بمثابة إنذار استراتيجي من الحليف الأكبر، ورسالة للعالم بأن حتى الدعم الأمريكي، الذي كان يُعتبر “مطلقًا”، يمكن أن يخضع لاعتبارات السياسة الداخلية الأمريكية، ما يعني أن الاحتلال قد يجد نفسه فجأة في عزلة سياسية وعسكرية غير مسبوقة.
ليست مجرد عملية عسكرية
قد يتمكن الاحتلال، بفضل تفوقه العسكري والتكنولوجي، من فرض سيطرة ميدانية مؤقتة على أجزاء واسعة من غزة، وربما على كامل القطاع إذا استنزف كل ما يملك من قوة نارية. وقد يسوق الكيان ذلك على أنه “انتصار” أو “حسم” عسكري، لكن هذا المكسب، حتى لو تحقق، سيكون قصير الأجل ومكلفًا إلى درجة تجعله أشبه بفوز باهظ الثمن. فـ”الربح” الميداني لا يلغي الخسارة السياسية، ولن ينقذ نتنياهو من المستنقع السياسي العميق الذي ينتظره داخل الكيان وخارجه، تمامًا كما ستغوص دباباته في المستنقع الميداني داخل أزقة وشوارع غزة.
التجربة أثبتت أن أي اجتياح بري لغزة لا ينتهي عند حدود السيطرة الجغرافية، بل يبدأ معه فصل جديد من الصراع أكثر تعقيدًا، حيث تتحول كل نقطة تمركز عسكرية إلى هدف مشروع للمقاومة، ويتحول الاحتلال من مهاجم إلى مدافع محاصر وسط بيئة معادية. وبالتوازي، فإن الآثار السياسية والدبلوماسية ستكون أكثر إيلامًا من الخسائر الميدانية. حملة التجويع والحصار السابقة تركت بالفعل جراحًا عميقة في صورة الكيان عالميًا، وأثارت موجات غضب شعبي وحراك قانوني ضدّه في المحاكم الدولية، ومع دخول دباباته إلى غزة ستتضاعف هذه الجراح، بل ستتحول إلى ندوب دائمة في علاقاته الدولية.
حتى بعض المعلقين والمحللين داخل الكيان الصهيوني يحذرون من أن ما ينتظرهم ليس مجرد انتقادات إعلامية أو بيانات شجب، بل طوفان سياسي عالمي أو “تسونامي دبلوماسي” قد يجرّ النظام الدولي نحو مزيد من الاضطراب، ويعيد ترتيب موازين القوى على أسس جديدة. أي أن غزة، بدل أن تكون “النقطة الأخيرة” في مشروع نتنياهو، قد تصبح الشرارة التي تعيد فتح ملفات كبرى في القانون الدولي، وتطلق موجات جديدة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وتمنح المقاومة شرعية مضاعفة في المحافل الدولية.
بكلمات أخرى، السيطرة العسكرية على غزة قد تبدو للوهلة الأولى نهاية المعركة، لكنها في الواقع قد تكون بداية مرحلة الانحدار السريع سياسيًا ودبلوماسيًا، حيث يتحول أي “انتصار” ميداني إلى عبء ثقيل، وأي صورة دبابات في شوارع غزة إلى رمز للاحتلال الوحشي الذي يسعى العالم لتجاوزه.
كيف يتعامل محور المقاومة مع ذلك؟
هذا السيناريو، على الرغم من خطورته وتعقيداته، يمنح محور المقاومة فرصًا استراتيجية نادرة إذا ما تم استثمارها بذكاء. فالتصعيد الشامل الذي يريده نتنياهو يمكن أن يُحوَّل إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات، تضع الجيش الصهيوني أمام معركة طويلة المدى، تُرهق معداته، وتستنزف قدراته البشرية، وتضرب عمقه الاقتصادي والنفسي.
التنسيق الميداني واللوجستي بين أذرع المحور — غزة، جنوب لبنان، اليمن، العراق، وسوريا — قادر على تحويل أي اجتياح لغزة إلى بداية انهيار متدرج في جبهات أخرى، بحيث يُجبر الاحتلال على القتال في أكثر من ساحة في وقت واحد. هذا النوع من الضغط المتزامن يشلّ قدرة القيادة العسكرية والسياسية في الكيان على اتخاذ قرارات حاسمة، ويفرض عليها التراجع أو القبول بشروط المقاومة.
كما يمكن للمحور أن يوظف التصدعات الداخلية العميقة داخل الكيان — الخلافات السياسية، غضب عائلات الأسرى، الصراع بين الجيش والقيادة السياسية، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة — لزيادة الضغط النفسي والإعلامي، بحيث يشعر المجتمع الصهيوني أن الحرب تحولت من “عملية سريعة” إلى مأزق استراتيجي يهدد وجوده.
المحور لم ينته وأدواته قوية
قد يحاول الإعلام الغربي والإسرائيلي تصوير محور المقاومة وكأنه فقد زمام المبادرة أو لم يعد قادرًا على الفعل، لكن الوقائع الميدانية والاستخباراتية تقول العكس تمامًا. فالاحتلال، ومعه واشنطن، لا يكادان يتركان يومًا دون الإشارة إلى إيران، أو الضغط على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، أو تهديد اليمن، أو التحذير من نشاطات في العراق وسوريا. هذه المؤشرات بحد ذاتها دليل على أن المحور ما زال حيًا، وأن قدراته الرادعة قائمة، بل ومتطورة.
ومن المنطقي أن نفترض أن احتلال غزة — إذا حدث — لن يكون مجرد حدث عابر يتابعه المحور من بعيد، بل سيكون شرارة لإشعال الرماد من جديد، وربما بشكل أوسع وأشد من أي جولة سابقة. إذ أن المقاومة في غزة تمثل القلب النابض للمحور، وأي اعتداء شامل عليها سيُفهم في بقية الساحات على أنه اعتداء على المحور بأكمله، ما يفتح الباب أمام تحركات منسقة تبدأ بالعمليات الميدانية، ولا تنتهي بالحملات السياسية والإعلامية والقانونية على المستوى الدولي.
في هذا الإطار، يمكن القول إن المرحلة المقبلة — إذا أقدم الاحتلال على اجتياح شامل — قد تكون اختبارًا لقدرة المحور على الانتقال من الردود المنفردة إلى المعركة الشاملة المتزامنة، وهو ما قد يغير موازين القوى في المنطقة لعقود.
-
- يقظة عربية وإسلامية
وفي الأمة العربية والإسلامية بلغ السيل الزبى على المستويات الشعبية والجماهيرية وبلغ الضغط على الحكومات مستويات غير مسبوقة، فلم يعد مقبولا هذا الخذلان والتواطؤ أو العجز من الدول العربية والإسلامية وقد يؤدي احتلال غزة مجددا والبدء بعمليات الإجلاء والتهجير إلى تأجيج الجماهير العربية والإسلامية ويدخل المنطقة في مرحلة غير مسبوقة.
- يقظة عربية وإسلامية
-
- المقاومة ستكون بالمرصاد
من المؤكد أن هذه الجولة من حرب الإبادة والتهجير ستكون أشرس من كل سابقاتها إذ يعلن الاحتلال أنه يريد القضاء على حماس ونزع سلاح المقاومة وتسليم غزة لإدارة مدنية من غير حماس أو حتى فتح والسلطة وهو ما يعني انها ستكون إدارة عميلة للاحتلال تأتمر بأمره وتنفذ مخططاته.
التجربة تقول أن غزة قاومت الاحتلال بإمكانات بسيطة منذ عام 67 وحتى 94 عندما بدأ تطبيق اتفاق أوسلو وأن هذه المقاومة ستكون أقوى وأشد في المرحلة القادمة مما يرفع التكلفة البشرية والمادية على الاحتلال ويجبره على الرحيل من جديد.
- المقاومة ستكون بالمرصاد
خريطة شاملة
إلى جانب ذلك، أستطيع وبكل إخلاص أن أقدّم خريطة شاملة تُركّز على الجوانب السياسية والدبلوماسية والإعلامية والإنسانية والقانونية والوقائية التي يمكن لمحور المقاومة استثمارها أو تفعيلها في مواجهة تداعيات احتلال غزة، دون التطرّق إلى تفاصيل تنفيذ عسكري ليس من اختصاصنا .
فيما يلي اقتراح مفصّل ومُعمّق من هذا النوع:
1. الأهداف الاستراتيجية (غير عسكرية)
• تحويل الانقضاض العسكري إلى خسارة سياسية ودبلوماسية للعدو على المدى المتوسط.
• كسب وتعميق التعاطف الدولي والشعبي، خصوصًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
• حشد دعم قانوني دولي لمساءلة مرتكبي الانتهاكات وحماية المدنيين.
• تكثيف شبكات الدعم الإنساني وتوثيق الانتهاكات لصالح حملات مستقبلية.
2. المحور السياسي والدبلوماسي
• تنسيق مواقف بين دول وحركات المحور لطرح مبادرات سلام/وقف إطلاق نار بشروط واضحة تُحمل الاحتلال مسؤولية التدهور.
• استغلال القنوات البرلمانية والرئاسية في العواصم الصديقة لدفع قرارات اعتراف أو إدانات في الجمعية العامة والبرلمانات الإقليمية.
• بناء تحالفات جديدة مع دول عدم الانحياز، وحشد دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا للدعوة إلى آليات تحقيق دولية.
• تقديم ملفات متكاملة للمنظمات الدولية (الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، محاكم دولية) مدعومة بأدلة وبيانات إنسانية وقانونية.
3. الإعلام والدعاية والضغط الشعبي
• إطلاق حملة إعلامية موحّدة: محتوى فوتوغرافي/فيديو موثق، روايات ضحايا وأسر، تقارير طبية وقانونية مترجمة بلغات متعددة.
• استهداف جمهور الرأي العام في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية عبر حملات رقمية ومنصات إعلامية مستقلة وصحافة استقصائية.
• تنظيم فعاليات تضامن (مسيرات، مظاهرات أمام البعثات، حملات توقيع) مرتبطة بتواريخ رمزية لزيادة التغطية.
• تدريب متحدثين رسميين ومتطوعين على سرد موحد ومدروس يربط البعد الإنساني بالقانون الدولي والحقوق.
4. البُعد القانوني والوثائقي
• تأسيس فرق توثيق ميدانية وقانونية تجمع أدلة (شهادات، صور، تقارير طبية) وفق معايير قابلة للاستخدام أمام هيئات قانونية دولية.
• رفع قضايا/شكاوى إلى مفوضية حقوق الإنسان وطلب بعثات تحقيق دولية مستقلة.
• تحريك آليات المساءلة الدولية (لجنة تحقيق، إحالة إلى محكمة الجنايات إذا توفرت معطيات كافية).
• دعم منظمات حقوقية دولية ومحلية لتقديم الدعم القانوني لأسر الضحايا والأسرى.
5. البُعد الإنساني والإغاثي
• تنسيق إستجابة إنسانية إقليمية مشتركة (مخيمات طوارئ، مستشفيات ميدانية، شحنات غذاء وطبية) عبر شبكات منظمات محلية ودولية.
• ضمان خط اتصال مع مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الطبية لتفادي أزمة أوسع في الصحة والمياه والكهرباء.
• توثيق حصر المتضرّرين وإعداد بيانات قابلة للنشر توضح نطاق الكارثة الإنسانية لرفع الضغوط الدولية.
6. البُعد الاقتصادي والضغط المالي
• حشد منظمات مجتمع مدني ومؤسسات استشارية لإعداد تقارير توضح أثر الاجتياح على التجارة وحقوق الإنسان، بهدف الضغط على شركات ومؤسسات مالية للتراجع عن دعم سياسات الاحتلال.
• دعوات لحملات مقاطعة موجهة ضد شركات محددة متورطة في البنية التحتية للاحتلال (حملات قانونية/إعلامية مدروسة).
• تحضير ملفات مخاطر للشركات الدولية لرفع كلفة الدعم الاقتصادي للكيان على مستوى الصورة والميزانية.
7. المنصات الإعلامية الرقمية والدفاع السيبراني (دفاع فقط)
• بناء قنوات إعلامية رقمية مرنة (مواقع، حسابات موثّقة، قنوات بث مباشرة) لنشر الوقائع فورًا والتصدي لحملة تبرير العنف.
• تعزيز الجهوزية الرقمية: نسخ احتياطية للبيانات، تدريب متطوعين على أمن المعلومات، وإرشادات للحفاظ على سلامة الناشطين الرقميين. (ملاحظة: لن أقدم تعليمات هجومية/قهرية، فقط تدابير دفاعية عامة.)
8. التنسيق السياسي الداخلي للمحور
• آليات تنسيق مستعجلة: لجنة سياسية مشتركة تُعنى بالخطاب الدولي، لجنة قانونية للتوثيق، لجنة إنسانية للتنسيق اللوجستي.
• نقاط اتّصال دائمة بين الفصائل والأطراف لتبادل المعلومات السياسية وتوحيد الموقف في المحافل الدولية.
• خطط طوارئ لحماية المدنيين والمرافق الحيوية (مستشفيات، مياه، مرافق إغاثة) عبر شبكات إنسانية مدنية.
9. إدارة التصعيد والحدود الحمراء (إطار عام)
• وضع إطار تحكيم داخلي يحدّد ما يُعتبر “خطاً أحمر” سياسياً أو إنسانياً (مثلاً إخلاء قسري للمناطق المدنية، استعمال أسلحة محرّمة دولياً) ويحدد كيفية الإعلان عنه دولياً.
• اعتماد معيار شفّاف للردّ: ربط كل ردّ سياسي أو إعلامي أو قانوني بإنفاذ ما يُوثّق من انتهاكات لتقوية الحركة القانونية والدبلوماسية، بدل التصعيد العشوائي.
• العمل على إبقاء قنوات اتصالٍ غير مباشرة مع أطراف ثالثة يمكن أن تساعد في تهدئة أو في إطلاق مفاوضات إنسانية عند الحاجة.
10. تسلسل التفعيل والمرحلية (مخطط استراتيجي)
• المرحلة الأولى (فورية، 0–2 أسابيع): توثيق الانتهاكات، إطلاق حملات تضامن عالمية، دعم إغاثي طارئ، إطلاق خطاب دبلوماسي موحّد.
• المرحلة الثانية (قريبة، 2–8 أسابيع): حشد برلمانات وحكومات مناصرة، رفع ملفات قانونية، تكثيف الضغط الاقتصادي والإعلامي، تنظيم فعاليات عالمية.
• المرحلة الثالثة (متوسطة، 2–6 أشهر): تحويل الضغوط إلى مواقف دولية رسمية (تصريحات، اعترافات رمزية/إجراءات قضائية)، مراقبة انعكاس ذلك على سياسات العدو ومصادر دعمه.
11. إدارة المخاطر والامتثال القانوني
• التأكيد على احترام القانون الدولي الإنساني من جانب المحور وحماية المدنيين كأساس أخلاقي وقانوني ووسيلة لكسب موقف شرعي أمام العالم.
• تجنّب أي ممارسات قد تُستخدم لاحقًا لتشويه صورة المقاومة أو تقويض ملف التوثيق.
• ضمان الشفافية والتدقيق في الشهادات والأدلة قبل نشرها للحفاظ على المصداقية.
12. أدوات قابلة للتنفيذ (غير عسكرية) — أمثلة عملية
• إعداد حزمة مواد إعلامية متعددة اللغات (مرفقات: ملف صحفي، فيديو 90 ثانية، نشرة حقائق).
• نموذج مذكرة قانونية موجزة لتقديمها إلى مؤسسات الأمم المتحدة.
• خارطة طريق للتواصل مع برلمانيين في دول رئيسية لجمع توقيعات داعمة لقرارات الاعتراف أو اللجان.
عموماً فإن الهدف من هذه الخريطة هو تحويل الأزمة العسكرية إلى ساحة ضغط سياسي وقانوني وإنساني تُفقد الاحتلال مكاسبها الاستراتيجية والسياسية. بمعنى آخر: إذا قرّر العدو الانقضاض عسكريًا، فهناك مجالات عديدة يمكن للمحور استثمارها لِجعل ثمن هذا الانقضاض أصبح شديدًا على المدى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي — دون الانزلاق إلى تفاصيل تنفيذية عسكرية محرّضة أو مرشدة.
أخيرًا…
نتنياهو يدرك أنه يسير على حافة الهاوية، لكنه يواصل المقامرة كما لو كان يخوض معركته الأخيرة. إن نجح – وهو احتمال يتضاءل مع كل يوم – فقد يفرض واقعًا مؤقتًا في غزة ويمنح نفسه جرعة أوكسجين سياسية. لكن إن فشل – وهو الاحتمال الأقرب – فسيخرج من المشهد محمّلًا بوصمة قائد أدخل كيانه في أخطر عزلة دبلوماسية منذ تأسيسه، وخسر جنوده وأسراه، وفتح كل الجبهات ضده دفعة واحدة.
في هذه الحالة، لن تكون غزة مجرد ساحة معركة، بل منصة كبرى لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي والعالمي. كل صورة من أنقاضها، كل صرخة من أطفالها، ستتحول إلى ذخيرة سياسية وأخلاقية تسرّع سقوط المشروع الصهيوني، وتقرّب لحظة الحقيقة: فلسطين حرة من النهر إلى البحر.