مقالات الرأي

المحور الثالث: الحرب الإعلامية والنفسية (الجزء الخامس)

✍️ القسم السياسي:

٣. المعركة السيبرانية:
الهجمات المتبادلة، نجاح الدفاع الإيراني، وإرباك أنظمة العدو

كانت المعركة السيبرانية أحد أهم أبعاد الحرب الإعلامية والنفسية خلال العدوان الصهيوني–الأمريكي على إيران في يونيو ٢٠٢٥. فقد شنّ الكيان الصهيوني، بدعم الولايات المتحدة، هجمات سيبرانية واسعة النطاق على البنى التحتية الحيوية في إيران، بما في ذلك المنشآت النووية، وشبكات الاتصالات، والأنظمة الدفاعية. وفي المقابل، تمكّنت إيران، بقدراتها المتقدمة في مجال الفضاء السيبراني، من صدّ العديد من هذه الهجمات، بل ونفذت هجمات سيبرانية مضادة استهدفت الأنظمة العسكرية والمدنية للكيان، محدثة أضرارًا كبيرة. هذه المواجهة، التي جرت بالتوازي مع عملية “وعد الصادق ٣”، عكست تحولًا في الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية وقدرتها على مواجهة التهديدات الحديثة. ويحلل هذا القسم الهجمات السيبرانية المتبادلة، ونجاحات الدفاع الإيراني، وتأثير الاضطرابات التي أُحدثت في أنظمة العدو.


أ. الهجمات السيبرانية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة ضد إيران

اعتمد الكيان الصهيوني على وحدته السيبرانية المتطورة المعروفة باسم الوحدة ٨٢٠٠، وبدعم فني واستخباراتي أمريكي، لشن هجمات واسعة ضد إيران خلال عدوان يونيو ٢٠٢٥. كان الهدف الرئيس لهذه الهجمات إضعاف البنى التحتية الحيوية الإيرانية، بما في ذلك منشآت نطنز وفوردو النووية، وشبكات الكهرباء والمياه، وأنظمة القيادة والسيطرة العسكرية. ووفق تقارير “مركز الأمن السيبراني” بجامعة طهران، استخدم الكيان برمجيات خبيثة متطورة مثل نسخ مطوّرة من فيروس “ستاكسنت” الذي استُخدم سابقًا عام ٢٠١٠ ضد البرنامج النووي الإيراني. صُممت هذه الهجمات لتعطيل العمليات العسكرية الإيرانية، خصوصًا التحضيرات للرد الصاروخي والطائرات المسيّرة.

ومن أبرز هذه الهجمات، محاولة قطع شبكات الاتصالات الإيرانية، حيث تسبب ذلك في اضطراب مؤقت للإنترنت في مدن مثل طهران وأصفهان والأهواز، بهدف الحد من التنسيق بين الوحدات العسكرية ومنع انتشار الأخبار حول الرد الإيراني. فعلى سبيل المثال، استهدفت هجمة سيبرانية شبكة “إيرانسل” في اليوم الأول للعدوان، مما أدى إلى انقطاع الاتصالات الهاتفية والإنترنت في بعض المناطق لساعات. كما حاول الكيان التسلل إلى الأنظمة الرادارية الإيرانية بهدف إضعاف القدرة على كشف وتتبع الهجمات الجوية، وذلك باستخدام تقنيات التضليل السيبراني عبر إرسال إشارات وهمية للرادارات لإرباكها.

ورغم ذلك، نجحت إيران – بفضل استثماراتها الواسعة في الدفاع السيبراني خلال العقد الأخير – في إحباط أكثر من ٧٠٪ من هذه الهجمات، بحسب تقارير “مركز الدفاع السيبراني” في الحرس الثوري. وقد تحقق ذلك بفضل أنظمة دفاعية متعددة الطبقات، تشمل جدران حماية محلية الصنع وأنظمة كشف التسلل المتقدمة، طوّرها خبراء إيرانيون. كما قامت إيران، قبل بدء العدوان، بنقل البيانات الحساسة إلى خوادم آمنة تحت الأرض، مما قلل من الأضرار المحتملة. هذه الإجراءات عكست جاهزية إيران لمواجهة التهديدات السيبرانية على مستوى عالمي.


ب. الهجمات السيبرانية المضادة الإيرانية

ردّت إيران على هجمات الكيان بشن عمليات هجومية سيبرانية واسعة ضد البنى التحتية العسكرية والمدنية له، وذلك كجزء من عملية “وعد الصادق ٣”، بهدف تعطيل أنظمة القيادة والسيطرة وإحداث فوضى في المناطق المحتلة. ووفق تقارير “مركز الأمن السيبراني” بجامعة طهران، استخدمت إيران برمجيات خبيثة متقدمة مثل فيروسات “وايبر” و**”شمعون”** القادرة على التغلغل في الأنظمة الحساسة وتدمير البيانات. وقد استهدفت هذه الهجمات الأنظمة الرادارية، وشبكات الاتصال العسكري، والبنى التحتية المدنية مثل شبكات الكهرباء والمياه.

ومن أبرز العمليات، اختراق شبكات الاتصالات في الكيان، مما تسبب في انقطاع الإنترنت في مناطق يافا المحتلة وحيفا وأسدود لمدة ١٢ ساعة، وهو ما قلل بشكل كبير من قدرة الكيان على التنسيق بين وحداته العسكرية، خصوصًا أثناء إطلاق إيران لصواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة نحو أهداف استراتيجية مثل قاعدة “نفاتيم” ومحطة “عسقلان” للطاقة. كما استهدفت هجمة أخرى شبكة الكهرباء في حيفا، متسببة في انقطاع التيار عن أكثر من ٥٠ ألف منزل، وهو ما شكّل ضغطًا نفسيًا واقتصاديًا على الكيان.

واستخدمت إيران كذلك تقنيات متطورة مثل “التصيد الاحتيالي الموجّه” للتسلل إلى خوادم عسكرية والحصول على معلومات حساسة حول العمليات القتالية للكيان، الأمر الذي مكّنها من تعديل تكتيكاتها العسكرية واكتشاف ثغرات الدفاع الجوي. فعلى سبيل المثال، سمح اختراق الأنظمة الرادارية الإيرانية بإرسال إشارات وهمية أربكت دفاعات العدو، مما ساعد صواريخ “خيبر” و**”فاتح ١١٠”** على إصابة أهدافها بدقة. هذه الهجمات السيبرانية جسدت التقدم الكبير الذي حققته إيران في هذا المجال، والذي جاء نتيجة التعاون مع حلفائها مثل روسيا وكوريا الشمالية، وتطوير تقنيات محلية متقدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى