القسم السياسي

“غزة في قلب معركة زنغزور… الجبهة الخفية لعزل إيران ومحور المقاومة “

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في قلب الصراع الجيوسياسي الذي يهدف إلى عزل إيران الإسلامية وإضعاف نفوذها الإقليمي الداعم لمحور المقاومة وخصوصاً في فلسطين و لبنان ، يبرز ممر زنغزور كأداة رئيسية في المؤامرة الأمريكية-الصهيونية، حيث وقعت واشنطن اتفاقية مدتها 99 عاماً للسيطرة على هذا الطريق الضيق في محافظة سيونيك الأرمينية، الذي يربط أذربيجان مباشرة بنخجوان ثم تركيا، مما يشكل خطاً أحمراً على الحدود الشمالية لطهران ويهدد بقطع شرايينها التجارية والعسكرية نحو أرمينيا وروسيا وأوروبا.

هذا الممر، الذي أعاد تسميته دونالد ترامب إلى “طريق ترامب للسلام والازدهار العالمي” (TRIPP)، ليس مشروع نقل فقط ، فهو جزء من خطة أكبر لربط جنوب القوقاز بشبكات النقل الأوراسية، محولاً المنطقة إلى قاعدة للهيمنة الغربية، حيث يمهد لتواجد بنية تحتية أمنية تابعة لحلف الناتو، مما يزعزع توازن القوى ويقلل من الاعتماد على طرق إيران التقليدية في الشمال الغربي، ويعزز من نفوذ الكيان الصهيوني الذي هنأ نتنياهو ترامب وزعماء أرمينيا وأذربيجان على الاتفاق، معتبراً إياه انتصاراً مشتركاً يعزز الروابط الاستراتيجية في مواجهة محور المقاومة.

جذور هذا الممر تعود إلى حرب قره باغ، حيث أدرج في اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 بوساطة روسية، لكنه تحول اليوم إلى أداة لتقليل الاعتماد على إيران، بينما تسعى أنقرة إلى تحقيق أهدافها في إنشاء طريق تجاري يربط الصين بأوروبا وتعزيز الروابط البرية بين الدول الناطقة بالتركية، ومع دخول الولايات المتحدة، ارتفع المخطط إلى مستوى يزعزع موقف إيران وروسيا، محولاً تركيا إلى الفائز الصامت الذي يستفيد من الجسر البري المباشر إلى بحر قزوين وآسيا الوسطى، بينما تحافظ أرمينيا على سيادتها الاسمية على الممر وتطبق قوانينها، إلا أن الإدارة الفعلية تكون لتحالف أمريكي يشمل “مستشارين فنيين”، مما يفتح الباب لتواجد عسكري غير مباشر يهدد حدود إيران الشمالية.

هذا الاتفاق يمنح أذربيجان انتصاراً دبلوماسياً يُصحح “المظالم التأريخية” كما يدعي إلهام علييف، ويعيد توحيد “العالم التركي” من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، بينما يواجه نيكول باشينيان انتقادات داخلية في أرمينيا لأنه يُعتبر استسلاماً، خاصة مع مطالب علييف بتعديل الدستور الأرميني لإزالة إشارات قره باغ، مما يعزز من عزلة روسيا ويستفز إيران التي ترى فيه تهديداً مباشراً لموقعها الجيوسياسي.

لكن ممر زنغزور لا يقف وحده؛ إنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاريع أخرى مثل ممرات داوود في سوريا، و (الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي IMEC)، الذي يهدف إلى ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر شبكة بحرية وسككية، متجاوزاً الطرق التقليدية عبر إيران والسويس، مما يقلل من الاعتماد على طهران ويعزز التكامل الإقليمي تحت سيطرة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، خاصة مع تأثير الحرب الصهيونية-الإيرانية التي يلقي بظلالها على تنفيذه، حيث يُرى كأداة لتعزيز الهيمنة الغربية وتقليل الضغط الاقتصادي على أوروبا من روسيا والصين، لكنه في الواقع يهدف إلى عزل إيران اقتصادياً وسياسياً، محولاً المنطقة إلى ساحة للضغط على محور المقاومة.

كذلك، ينسجم هذا مع “طريق التنمية” في العراق، وهو مشروع بقيمة 17 مليار دولار يربط ميناء الفاو في جنوب العراق بتركيا عبر 1200 كيلومتر من الطرق والسكك الحديدية، مدعوماً من الإمارات وقطر وتركيا، ليصبح بديلاً عن الطرق الإيرانية، مما يقلل من اعتماد العراق على طهران ويحول التجارة من الخليج إلى أوروبا دون المرور بإيران، ويُعتبر من قبل طهران تهديداً مباشراً يعزز من عزلتها الاقتصادية ويفتح أبواباً للنفوذ التركي-الغربي، خاصة مع مخاوف من الفساد والشفافية في العراق التي قد تكون غطاءً للمصالح الأجنبية.

هذه المشاريع الأربعة – زنغزور، ممر داوود، و الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي ، وطريق التنمية – تشكل شبكة مؤامرات سياسية واقتصادية مترابطة ضد إيران، تهدف إلى تقويض دورها كمحور نقل إقليمي، وتعزيز الروابط بين أذربيجان وتركيا والكيان الصهيوني مع أوروبا، مما يقلل من نفوذ طهران في القوقاز والشرق الأوسط، ويربطها مباشرة بالمؤامرات على غزة، حيث يُرى ممر زنغزور كامتداد للضغط الصهيوني الذي يدمر غزة لإضعاف حماس، فالكيان الصهيوني يستفيد من هذه الممرات لتعزيز موقعه الاقتصادي أثناء حربه على المقاومة الفلسطينية، محاولاً عزل إيران عن حلفائها في حزب الله وغزة، حيث أن السيطرة الأمريكية على زنغزور تقرب القوات الغربية من حدود إيران، مما يسمح بضغط أكبر على دعمها للمقاومة في غزة التي تواجه تدميراً ممنهجاً، ويحول المنطقة إلى ساحة للتصعيد ضد محور المقاومة ككل.

معارضة إيران لهذه المؤامرات قوية ومستمرة، حيث حذر قائد الثورة الإسلامية الإمام آية الله السيد علي خامنئي  من أن أي تغيير في توازن الحدود الشمالية لن يُتسامح معه، ووصف علي أكبر ولايتي مستشار السيد خامنئي المشروع بأنه “تهديد أمني” يمهد لتواجد الناتو قرب الحدود، معتبراً زنغزور “مقبرة لمرتزقة ترامب”، بينما اعتمدت وزارة الخارجية نبرة حذرة ترحب بالسلام لكن تحذر من التدخل الأجنبي، وأكد الرئيس مسعود بزشكيان أن مطالب إيران في زنغزور قد تم تلبيتها جزئياً، إلا أن الازدواجية في المواقف تكشف عن قيود طهران بسبب تشابك المصالح، مما يدفعها نحو تعزيز التعاون مع روسيا والصين لمواجهة التهديد، بما في ذلك إجراء مناورات عسكرية مشتركة وتخفيض التعاون مع أرمينيا إذا لزم الأمر.

بالنسبة لإيران، يمثل الاتفاق هزيمة جيوسياسية تحكم عليها بعزلة أكبر، خاصة مع تراجع روسيا بسبب انشغالها بأوكرانيا، ودخول أمريكا كقوة مهيمنة، مما يجبر طهران على ردود أفعال دبلوماسية وعسكرية قوية، مثل تعزيز الحضور الحدودي والإصرار على التصدي “مع روسيا أو بدونها”، في وقت يؤخر فيه المعارضة السياسية في أرمينيا والتحديات القانونية تنفيذ الممر، إلا أن التحول الأمريكي يعني تراجعاً روسياً ودفاعاً إيرانياً عن حدودها وموقعها الإقليمي، مرتبطاً بالصمود في غزة كرمز للمقاومة ضد نفس الأعداء.

أخيرًا، ورغم أن “مسار ترامب” يبدو للوهلة الأولى مشروعاً جيوسياسياً يخص جنوب القوقاز، فإن امتداداته تكشف ارتباطاً مباشراً بغزة ومعركة المقاومة الفلسطينية. فالممر، الذي يمنح واشنطن والكيان الصهيوني موطئ قدم على حدود إيران الشمالية، هو أداة لخنق طهران استراتيجياً واقتصادياً، وقطع خطوط تواصلها مع محور المقاومة في فلسطين ولبنان. السيطرة الأمريكية على زنغزور تُقرب البنية التحتية العسكرية والاستخباراتية الغربية من عمق إيران، ما يسمح بتشديد الضغط على دعمها لحزب الله في لبنان، ولحماس والجهاد الإسلامي في غزة، بالتزامن مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال، و الحديث عن نزع سلاح حزب الله لصالح الكيان الصهيوني. وبذلك، يتحول هذا الممر إلى جزء من طوق إقليمي أكبر، يهدف إلى عزل إيران عن ساحات المواجهة، وتقييد قدرتها على إمداد حلفائها بالسلاح والدعم، ليصبح الجسر البري في القوقاز أداة لخدمة المعركة البحرية والبرية ضد غزة، وحزب الله لبتان. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى