القسم السياسي

مواجهة المخططات المعادية؛ إيران تقاوم العقوبات وتعزز تماسكها الداخلي والإقليمي

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

يحاول بعض الأطراف هنا وهناك نشر شائعات وتقارير ملفقة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة مع إمكانية عودة العقوبات الأممية . هذه التقارير، التي تُروج لها وسائل إعلام معادية، ليست سوى جزء من مخطط أوسع يسعى إلى إثارة الاضطرابات واستغلال الظروف الاقتصادية لإضعاف الإرادة الشعبية، كما حدث في محاولات سابقة لتصوير الاقتصاد الإيراني على وشك الانهيار رغم الدلائل على العكس.

إلا أن إيران، بتأريخها العريق في المقاومة، تدرك جيداً هذه المناورات وتعمل على تحصين نفسها ضدها، مع التركيز على تعزيز الاقتصاد الوطني وتعميق الروابط مع حلفائها في المنطقة، مستندة إلى تجاربها الناجحة في مواجهة عقوبات سابقة استمرت أكثر من أربعة عقود.

العقوبات المفروضة على إيران ليست جديدة، بل هي امتداد لسياسات استعمارية تهدف إلى منع نمو دولة مستقلة ترفض الخضوع للهيمنة الغربية، حيث سعت هذه السياسات إلى عزل إيران عن الأسواق العالمية لكنها فشلت في كسر إرادتها.

على الرغم من محاولات تصفير تصدير النفط، إلا أن الاقتصاد الإيراني أثبت مرونته من خلال تنويع المصادر وتطوير الصناعات المحلية، كما يظهر في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1% لعام 2025 رغم الضغوط، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. 

بدلاً من أن تؤدي هذه العقوبات إلى “سخط عام” كما يدعي المروجون للمخططات المعادية، فإنها تعزز الوحدة الشعبية والاعتماد على الذات، مع زيادة الصادرات غير النفطية التي بلغت مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، مما ساعد في تعزيز الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية. الشعب الإيراني، الذي يمتلك وعياً تأريخياً عميقاً، يرى في هذه التحديات فرصة للابتكار والتقدم، لا سبباً للانهيار، كما أظهرت دراسات حول استراتيجيات التنويع الاقتصادي التي شكلت صمود إيران أمام الضغوط الخارجية. 

لكن أيضاً ، و للتصدي لهذه المخططات، يجب على إيران اتخاذ إجراءات مضادة فورية وشاملة.

 أولاً، تعزيز البرامج الاقتصادية الداخلية من خلال دعم القطاع الزراعي والصناعي، وتوسيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، مثل خطة إضافة 10 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2025، بما في ذلك ربط 500 محطة شمسية جديدة في محافظة يزد إلى الشبكة الوطنية، مما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

ثانياً:  يمكن تشجيع المشاريع التعاونية بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل جديدة، مما يقلل من تأثير أي نقص في الإيرادات النفطية، مع الاستفادة من حوافز مثل التعريفات التشجيعية للمستثمرين في الطاقة المتجددة. كما يُنصح بتكثيف حملات التوعية الإعلامية لكشف الدعاية المعادية، مع التركيز على قصص النجاح الإيرانية في مواجهة العقوبات السابقة، مثل نمو القطاع الصناعي بنسبة تجاوزت التوقعات رغم التحديات، لتعزيز الثقة الشعبية ومنع أي محاولات للاستغلال. 

 على الصعيد الإقليمي، تبرز أهمية تعزيز التحالفات مع الحلفاء الذين يشاركون إيران في مقاومة الاستعمار والإرهاب. على سبيل المثال، حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة العراقية والحشد الشعبي ليسوا سوى شركاء استراتيجيين في بناء جبهة موحدة ضد التهديدات الخارجية، حيث ساهم حزب الله في تعزيز الاستقرار اللبناني من خلال مقاومة الاعتداءات الصهيونية ومكافحة الإرهاب، كما في دوره المشترك مع حماس في الدفاع عن السيادة. .

 أما الحشد الشعبي ، فقد لعب كمؤسسة أمنية عراقية ولدت من رحم المرجعية الدينية دوراً حاسماً في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، مما أعاد الاستقرار إلى مناطق واسعة في العراق رغم الضغوط الأمريكية لتقييده. 

الزيارة الأخيرة لعلي لاريجاني إلى لبنان والعراق، بصفته أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، كانت خطوة إيجابية نحو تعميق التعاون المشترك، لا تدخلاً كما يدعي الخصوم، حيث أسفرت عن توقيع اتفاق أمني مشترك مع العراق يركز على مكافحة الإرهاب وتعزيز الروابط الأمنية، بالإضافة إلى نقل رسائل دعم للبنان لتوسيع التعاون. 

هذه الزيارة تركز على دعم الاستقرار الإقليمي من خلال تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والحفاظ على السيادة الوطنية، مما يعكس التزام إيران بمساعدة أصدقائها في مواجهة الضغوط الخارجية، وخاصة في ظل محاولات خلع سلاح الحلفاء التي ترفضها هذه الجماعات كونها تهدد الدفاع الوطني. 

 في مواجهة محاولات خلع سلاح هؤلاء الحلفاء، تدعم إيران جهود الحوار الدبلوماسي لضمان أن تظل هذه الجماعات جزءاً أساسياً من النسيج الأمني في بلدانهم، كما في الضغوط على العراق لإصلاح الحشد الشعبي دون إضعافه، مع الحفاظ على دوره في مواجهة الإرهاب. 

على سبيل المثال، يمكن اقتراح مبادرات مشتركة لتدريب القوات الرسمية مع الحفاظ على دور المقاومة في الدفاع عن السيادة، مثل برامج تبادل الخبرات في مكافحة التنظيمات الإرهابية. 

كما يُفضل تعزيز التبادل الاقتصادي مع لبنان والعراق، مثل مشاريع البنية التحتية المشتركة في مجالات الطاقة والنقل، لربط المصالح المتبادلة ومنع أي انفصال عن التحالف، مما يعزز الاستقرار الإقليمي بعيداً عن التدخلات الأمريكية التي تسعى إلى تقسيم الشعوب ودعم الإرهاب.

بدلاً من إهدار الموارد كما يزعم المعادون، فإن دعم الحلفاء يعود بالفائدة على إيران من خلال تعزيز الأمن الإقليمي وفتح أسواق جديدة، كما في الشراكات التجارية مع العراق التي ساعدت في تعويض الخسائر النفطية. الشعب الإيراني يدرك أن هذه السياسات تحمي الحدود وتمنع انتشار الإرهاب، مما يوفر في النهاية على الاقتصاد الداخلي، خاصة مع النجاح في زيادة التعامل مع الاقتصاد العالمي رغم العقوبات.

 لإجهاض أي محاولات لإثارة الاضطرابات، يُنصح بتعزيز الدعم الاجتماعي من خلال برامج الرعاية الصحية والتعليمية، مع تشجيع الحوار المفتوح بين الحكومة والمواطنين لمعالجة أي مخاوف اقتصادية، مثل توسيع البرامج الاجتماعية التي غطت ملايين المواطنين في السنوات الأخيرة لتعزيز التماسك الاجتماعي.

في الختام، إيران ليست في خطر الانهيار كما يروّج الأعداء وهم يشنون حملات دعائية مكثفة ، لأنها في مرحلة تحول نحو قوة أكبر، مستندة إلى سياسات الاقتصاد المقاوم الذي أثبت فعاليته في مواجهة الضغوط الخارجية.  والمخططات التي تحاول تصوير الوضع ككارثة قادمة ستفشل أمام الإرادة الشعبية والقيادة الحكيمة. فمن خلال التركيز على الوحدة الداخلية، تعزيز الاقتصاد المقاوم، وتعميق الروابط مع الحلفاء، ستخرج إيران أقوى من أي عقوبات أممية محتملة فيما لو عادت ، محولة التحديات إلى فرص للنمو والاستقلال، كما في مشاريع الطاقة المتجددة التي تضيف آلاف الميغاواط سنوياً. فالشعب الإيراني، الذي انتصر في الماضي، سيستمر في بناء مستقبل مشرق، بعيداً عن الدعايات المعادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى