مقالات الرأي

المحور الرابع: ردود الفعل الشعبية والبُعد الثقافي «الجزء الأول»

۱. المقاومة الاجتماعية في إيران في مواجهة الحرب النفسية للعدو:
الحضور الميداني، الدعم الشعبي، المهرجانات الجهادية والفنية

العدوان الصهيوني–الأميركي على إيران في حزيران/يونيو 2025 تزامن مع حرب إعلامية ونفسية واسعة هدفت إلى إضعاف الوحدة الوطنية وروح المقاومة لدى الشعب الإيراني. ومع ذلك، واجه المجتمع الإيراني هذه الحرب النفسية بردود فعل اجتماعية وثقافية قوية، لم تكتفِ بإبطال مفعولها بل أظهرت تماسكه وصموده من خلال الحضور الميداني الواسع، والدعم الشعبي غير المسبوق، وإقامة المهرجانات الجهادية والفنية. هذه الردود، المتجذّرة في ثقافة المقاومة والقيم الثورية الإيرانية، عكست عمق ارتباط الشعب بالنظام وقدرته على مواجهة التهديدات الخارجية. ويتناول هذا القسم تحليل الحضور الميداني، والدعم الاجتماعي، ودور المهرجانات الجهادية والفنية في تعزيز المقاومة الاجتماعية الإيرانية.

أ. الحضور الميداني: التظاهرات المليونية والوحدة الوطنية

من أبرز ردود الفعل الاجتماعية الإيرانية على العدوان الصهيوني–الأميركي كان الحضور الشعبي الكبير في التظاهرات الميدانية. فبعد هجمات الكيان الصهيوني على المنشآت النووية الإيرانية وبدء عملية “الوعد الصادق 3” كاستجابة عسكرية إيرانية، خرج الملايين في مدن مختلفة، منها طهران وأصفهان ومشهد وتبريز والأهواز، إلى الشوارع لإعلان دعمهم للنظام وردّه العسكري. ووفقاً لتقارير وزارة الداخلية الإيرانية، شارك أكثر من 2.5 مليون شخص في تظاهرات شملت عموم البلاد، وهي أكبر تجمعات منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

تظاهرة ساحة الحرية في طهران، التي حضرها أكثر من مليون شخص، كانت رمزاً للوحدة الوطنية. رفع المشاركون الأعلام الإيرانية وصور الشهداء، ورددوا شعارات مثل “الموت للكيان الصهيوني” و”إيران قوية”، معلنين تأييدهم للهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية التي استهدفت قواعد عسكرية للكيان مثل نفاتيم ومحطة عسقلان. هذا الحضور الميداني لم يرفع المعنويات الوطنية فقط، بل وجه رسالة حاسمة إلى وسائل الإعلام الغربية والعربية مثل BBC الفارسية والعربية بأن محاولاتها لإثارة السخط الشعبي وإحداث فجوة بين الشعب والنظام قد باءت بالفشل.

التغطية الواسعة من قنوات المقاومة مثل Press TV و”العالم” إلى جانب انتشار مقاطع الفيديو الشعبية على منصات مثل تلغرام، أوصلت هذه الرسالة إلى جمهور عالمي. أحد مقاطع تظاهرة طهران تجاوز 3 ملايين مشاهدة على تلغرام، وأظهر مشاركة شرائح المجتمع كافة، من الشباب والطلبة إلى العائلات وكبار السن. الحضور النسائي كان لافتاً أيضاً، حيث حملت النساء لافتات تحمل عبارة “المقاومة هويتنا” لتأكيد دورهن في تعزيز الروح الوطنية.

في المدن الحدودية مثل الأهواز وكرمانشاه، التي انطلقت منها عمليات “الوعد الصادق 3″، عكست التظاهرات دعم السكان للقوات المسلحة، رغم التهديدات السيبرانية والغارات الجوية الصهيونية، ما كان دليلاً على شجاعة وصمود الإيرانيين في وجه الحرب النفسية للعدو.

ب. الدعم الشعبي: المساعدات المادية والمعنوية

لم يقتصر الدعم الشعبي للرد العسكري الإيراني على النزول إلى الشوارع، بل شمل تقديم مساعدات مادية ومعنوية واسعة عززت التماسك الاجتماعي. فبعد العدوان الصهيوني الذي استهدف البنية التحتية، هب المواطنون في عموم البلاد لمساندة القوات المسلحة والمؤسسات الحكومية. أطلقت منظمات شعبية مثل “البسيج” و”الهلال الأحمر” حملات لجمع التبرعات المالية، فبلغت التبرعات أكثر من 500 مليار ريال، إضافة إلى مئات الأطنان من المواد الغذائية والمعدات الطبية.

أما الدعم المعنوي، فتمثل في إنتاج محتوى إعلامي محفز من قبل الشباب والمجموعات الشعبية، عبر ملصقات ومقاطع فيديو ورسائل تحفيزية على شبكات التواصل. على سبيل المثال، حصدت حملة “إيران قوية” التي أطلقها طلاب جامعة طهران على تلغرام وإنستغرام أكثر من مليون متابع، ونشرت رسائل تحث على الصمود ومقارنات تاريخية بين مقاومة إيران في الحرب المفروضة (1980–1988) وعملية “الوعد الصادق 3″، مما عزز الفخر الوطني.

في المناطق الحدودية مثل خوزستان وكردستان، قدّم السكان دعماً لوجستياً للقوات، من تأمين الغذاء والمأوى إلى المساعدة الميدانية، بشكل عفوي ومن دون أوامر رسمية، في تعبير واضح عن عمق الارتباط بين الشعب وقواته المسلحة. كما ساهمت المجموعات الدينية في إقامة مجالس الدعاء والعزاء لشهداء العدوان، مثل شهداء الهجوم على منشأة نطنز، ما عزز الروح المعنوية وأكد الوحدة في مواجهة العدو.

ج. المهرجانات الجهادية: التعبئة الثقافية في مواجهة الحرب النفسية

شكّلت المهرجانات الجهادية مبادرات ثقافية بارزة للرد على الحرب النفسية، بتنظيم من هيئات ثقافية مثل منظمة “البسيج للفنانين” ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. أقيم مهرجان “جهاد المقاومة” في طهران بحديقة ملت، وحضره أكثر من 100 ألف شخص، وتضمن خطابات تحفيزية، وعرض المعدات العسكرية، وفقرات موسيقية حماسية تجسد عملية “الوعد الصادق 3”.

عُرضت نماذج من صواريخ “خيبر” و”ذو الفقار” وطائرات “شاهد 136” و”أبابيل–5″، ما عزز الشعور بالفخر الوطني، وأظهر قدرة إيران على الدفاع عن نفسها أمام التهديدات المتطورة. كما أُقيمت ورش تدريبية عن الحرب السيبرانية والإعلامية، لتعليم الشباب مواجهة الروايات المضللة لوسائل الإعلام الغربية والعربية.

نُظمت مهرجانات مشابهة في مشهد وشيراز، مثل مهرجان “المقاومة الإسلامية” الذي جذب أكثر من 50 ألف زائر، وتضمن عروضاً مسرحية في الشوارع تروي قصص شهداء الثورة والحرب المفروضة، موجّهة خصوصاً للجيل الشاب.

د. المهرجانات الفنية: سلاح الثقافة في مواجهة العدو

لعبت المهرجانات الفنية دوراً مهماً في مواجهة الحرب النفسية، من خلال إنتاج أعمال فنية متنوعة مثل الرسم، والسينما، والموسيقى، والشعر. في أصفهان، نظم “البسيج للفنانين” مهرجان “الوعد الصادق” الفني، حيث عُرضت مئات الأعمال التي جسدت عملية “الوعد الصادق 3” والخسائر التي تكبدها الكيان الصهيوني.

تحولت الجداريات في مدن مثل طهران والأهواز، التي تصور الصواريخ الإيرانية وهي تصيب قاعدة نفاتيم، إلى رموز للمقاومة، مصحوبة بشعارات مثل “إيران لا تُهزم” و”المقاومة منتصرة”. كما عُرضت أفلام قصيرة ووثائقيات عن العملية في دور السينما، منها فيلم “سماء المقاومة” الذي أنتجته هيئة الإذاعة والتلفزيون، وجذب أكثر من مليون مشاهد، موثقاً مشاهد حقيقية لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة.

أما الموسيقى الحماسية، فكان لها حضور بارز عبر أغانٍ مثل “إيران قوية” و”الوعد الصادق” التي انتشرت سريعاً على المنصات الإعلامية وأصبحت أشبه بالأناشيد الوطنية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى