القسم السياسي

زيارة علي لاريجاني إلى بيروت: رسالة دعم إيرانية لحزب الله ومحور المقاومة في وجه الضغوط الداخلية والإقليمية

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

في زيارة إلى بيروت تحمل دلالات سياسية عميقة، وصل الدكتور علي لاريجاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني و ممثل قائد الثورة الإمام السيد علي خامنئي في المجلس، محملًا برسالة دعم قوية لحزب الله ومحور المقاومة. 

جاءت هذه الزيارة في توقيت حساس، حيث يواجه لبنان ضغوطاً أمريكياً و تصعيدًا داخليًا حول ملف سلاح المقاومة، وتتفاقم التوترات الإقليمية مع تهديدات الكيان الصهيوني المستمرة. 

لاريجاني، الذي يُعتبر رسول السلام والصمود من أرض الثورة الإسلامية الإيرانية، أكد خلال لقاءاته مع قيادات حزب الله والمسؤولين اللبنانيين أن إيران تقف إلى جانب المقاومة قلبًا وقالبًا، وأن أي محاولة لنزع سلاحها ستُواجه برد حاسم، حتى لو اقتضى الأمر خوض حرب لأجل ذلك. هذه التصريحات، التي جاءت مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية ، نقلت الملف من النقاش الداخلي اللبناني إلى مستوى المعادلات الإقليمية الكبرى، حيث أصبح سلاح حزب الله جزءًا أساسيًا من الأمن القومي الإيراني، وضمانة لمواجهة المشاريع الصهيونية والأمريكية في المنطقة.

تعكس زيارة لاريجاني التزام إيران بتعزيز موقف حزب الله داخليًا، خاصة في ظل الضغوط التي يواجهها من الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام. فقد أدت هذه الزيارة إلى رفع مستوى الردع الإقليمي، وإضعاف حجج المطالبين بنزع السلاح، الذين سيجدون أنفسهم أمام إرادة إقليمية صلبة لا يمكن تجاهلها. كما أنها أعادت التأكيد على أن محور المقاومة، الذي يشمل إيران و حزب الله لبنان واليمن وفصائل عراقية ، يرى في بقاء السلاح ضرورة وجودية لمواجهة التهديدات المزدوجة من الكيان الصهيوني جنوبًا، والإرهاب التكفيري شرقًا. 

وفي سياق هذه الزيارة، يبرز السؤال: هل يقف لبنان على أعتاب تحولات كبرى، حيث يتحول الصراع الداخلي إلى جزء من الصراع الإقليمي الأوسع؟

لنعد إلى جذور الأزمة. تعود محاولات نزع سلاح حزب الله إلى خطط أمريكية مباشرة، تجسدت في زيارة المبعوث الأمريكي توماس باراك إلى بيروت في يونيو 2025. قدم باراك خطة مفصلة تهدف إلى تجريد المقاومة من سلاحها خلال أربعة أشهر، مقابل انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي اللبنانية المحتلة مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتقديم حوافز اقتصادية لإعادة الإعمار. 

ردت الحكومة اللبنانية بمذكرة تؤكد مبدأ إخضاع السلاح لسلطة الدولة تدريجيًا، شرط تنفيذ القرار الأممي 1701 بشكل كامل. غير أن الرد اللبناني لم يلتزم بجدول زمني صريح، بل اعتبر الأمر عملية سياسية طويلة الأمد تحتاج إلى توافق وطني.

غير أن هذه الخطط الأمريكية اصطدمت بواقع إقليمي متفجر، أبرزه مجازر السويداء في سوريا، التي قتل فيها أكثر من 7000 مدني وشرد 170 ألف شخص آخرين. وقعت هذه المجازر في مواجهات ممنهجة بين عشائر بدو مدعومة من سلطات دمشق وأهالي السويداء، وسط تواطؤ أمني سوري صهيوني وغياب حماية دولية. 

تدخلَّ الكيان الصهيوني جويًا بذريعة حماية الدروز، مما زاد من تعقيد المشهد. 

في لبنان، أحدثت هذه الأحداث تحولًا كبيرًا في المزاج الشعبي، خاصة بين الدروز والمسيحيين، الذين أصبحوا يرون في سلاح المقاومة خط دفاع أخير ضد مشاريع الإبادة والتصفية العرقية. حتى الرئيس جوزف عون استثمر هذه الأحداث لتبرير تريثه في تنفيذ خطة باراك، معتبرًا أن تجريد المقاومة في ظل مخاطر تصفية الأقليات في سوريا ووجود الكيان الصهيوني على الحدود أمر يفتقر إلى الحكمة.

مع تشكيل حكومة نواف سلام، تصاعدت الأزمة إلى ذروتها. 

في قرار وصف بالمفصلي، أقدمت الحكومة  على المصادقة على قرار تجريد المقاومة من سلاحها ضمن مهلة زمنية، بإجماع وزاري في غياب الوزراء الشيعة الخمسة، الذين انسحبوا احتجاجًا. اعتبر هذا القرار خرقًا دستوريًا للميثاقية الوطنية، التي تشترط تمثيل كل المكونات الطائفية في القضايا المصيرية. 

يعيد هذا المشهد إلى الأذهان أحداث 7 أيار 2008، حيث أدى قرار مشابه لحكومة فؤاد السنيورة إلى انفجار أمني انتهى بانتصار حزب الله على الأرض. اليوم، يتكرر السيناريو مع احتقان شيعي غير مسبوق، حيث تشير المؤشرات إلى استعداد البيئة الشيعية للقتال دفاعًا عن المقاومة.

أمام هذا التصعيد، تواجه الدولة خيارين:

 التراجع عن القرار وفتح قنوات تفاوض مع الثنائي الشيعي، أو المضي قدمًا، مما قد يفتح أبواب الجحيم ويعيد لبنان إلى دوامة العنف. 

من جانبه، يواجه حزب الله خيارين: الرد الميداني بالسلاح، أو الضغط السياسي والإعلامي والشارعي لعزل الحكومة. أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أعلن أن تسليم السلاح هو خيار الهزيمة أمام المشروع الصهيوني والتكفيري، معتبرًا مجازر السويداء دليلًا على ما ينتظر لبنان إن فرط بسلاحه.

في السياق الإقليمي الأوسع، تشهد سوريا تحولات كبرى تعزز من موقف محور المقاومة. مع انقسامات داخل هيئة تحرير الشام ورفض الأقليات العيش تحت حكم أبو محمد الجولاني، يبدو أن نصف سوريا سيعود تدريجيًا إلى حضن روسيا وإيران. المجتمعات العلوية والمسيحية والدرزية ترفض كيانًا إرهابيًا، بينما يعاني النظام السوري من عجز عن فرض سيادة كاملة، مما يجعله مرتهنًا للدعم التركي والأمريكي. أما الجولاني، يؤرقه الانقسام الداخلي ، الذي تحول إلى سيف مسلط على رقبته، مهددًا بانهيار مشروعه.

في لبنان، ترتبط هذه التحولات بالضغوط الداخلية، حيث تسعى أطراف إقليمية إلى تجييش المخيمات الفلسطينية، مثل عين الحلوة وبرج البراجنة، لخلق بؤر صراع تشغل حزب الله. كما أن علاقة حزب الله مع التيار الوطني الحر أصبحت هشة بسبب تقلبات جبران باسيل. ومع ذلك، ينتقل حزب الله من الترقب إلى تثبيت الأقدام، مستعدًا لمواجهة شاملة تشمل توسيع الاشتباك مع الكيان الصهيوني وتعطيل مشاريع التقسيم.

في مواجهة هذه التحديات، يقف لبنان أمام سيناريوهات محتملة:

 التهدئة السياسية عبر الحوار، أو الصدام المحدود في بعض المناطق، أو الانزلاق إلى مواجهة أوسع إذا تداخلت مع حرب إقليمية. يفضل حزب الله الاشتباك جنوبًا مع الكيان الصهيوني على الدخول في أزقة لبنان الطائفية الضيقة، بينما يحذر الجيش من اشتباكات دامية قد تؤدي إلى انقسامه. مع دخول العامل الإيراني، أصبح الملف مدولًا، مرتبطًا بالمفاوضات بين إيران والغرب حول النووي وغزة واليمن.

في النهاية، يبدو أن فشل المشروع الأمريكي في تجريد المقاومة، مع صمود محور المقاومة، سيكرس منطق الصمود رغم أنوف واشنطن و الكيان اللقيط. سلاح المقاومة لم يعد تفصيلًا ثانويًا، بل ركيزة وجودية في مواجهة مشاريع التصفية، وأداة ردع تتراكم القلق في عواصم الأعداء. لن يُترك السلاح، فالمنطقة حبلى بالمفاجآت، ومحور المقاومة هو من سيرسم المعادلات القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى