السويداء تكسر شوكة الجولاني ❗

حوراء المصري:
الدروز، وهم طائفة موحِّدة تُعرف بـ”بني معروف”، تسكن بلاد الشام، ولا سيما سوريا، ويصل عددهم إلى حوالي مليون نسمة. يقطن الدروز في محافظة السويداء، التي تُعرف بـ”جبل الدروز”. يحمل الدروز تاريخًا حافلاً بالشجاعة والبسالة في الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم، فلا أحد ينسى مقارعتهم للاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش. والجدير بالذكر أن جبل الدروز كان من أولى المناطق التي طردت الاستعمار دون الحاجة إلى طلب يد المساعدة من البريطانيين، بفضل مجتمعهم المتماسك وثقافتهم الفريدة. ظلوا طويلًا بمنأى عن الصراعات الطائفية والسياسية.
الدروز في حكومة الأسد… الطائفة المدللة
حظي الدروز بمكانة خاصة في ظل حكم بشار الأسد، وتمتع مشايخهم بمعاملة خاصة واحترام كبير في سياسة الأسد الداخلية. فقد تسنم أبناؤهم مناصب رفيعة وكانوا من المقربين للسلطة، ويعود ذلك إلى دورهم في إبقاء الجيش السوري والنظام على اتصال مع مرتفعات الجولان المحتلة. إلا أن هذا التقارب أثار نزاعات ونعرات طائفية، إذ تعرض الدروز للتكفير من الجماعات السنية المتطرفة، التي لم تكن راضية عن الحكم آنذاك رغم أن السنة مشاركون بقوة في الحكم، واعتبرت نفسها مهمشة في نظام الأسد. هذا الوضع وضع الطائفة الموحدة والسويداء تحت ضغط سياسي وطائفي، وحوَّلها من ساحة للسلام إلى ساحة حرب داخلية.
ففي عام 2011، مع بداية مايسمى “الثورة السورية” ، بدأت الجماعات الإرهابية مثل “جبهة النصرة” و”هيئة تحرير الشام” و”القاعدة” بتنفيذ القتل والترهيب بحق الدروز. وقفت الطائفة الدرزية إلى جانب النظام وقاتلت الإرهابيين في درعا بكل ما تمتلكه من قوة، فمثلت دعمًا استراتيجيًا للجيش السوري.
إلا أن اليوم، بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة الجماعات المسلحة بقيادة “الجولاني” على زمام الأمور، ظهرت الطائفة الدرزية من جديد على الساحة، حيث كانت ثاني الأقليات المستهدفة في نظام الجولاني بعد الشيعة و الطائفة العلوية . فعاد هؤلاء بروحهم التكفيرية الانتقامية ليزهقوا أرواح الدروز.
الجولاني: من ذل السجون إلى غزو القصور ❗
أحمد حسين الشرع، الملقب بـ”الجولاني”، قاد فصيلاً تكفيرياً مسلحاً تحت غطاء “المعارضة السورية” وانضم إلى أكثر من تنظيم إرهابي في سوريا والعراق. انضم الشرع إلى صفوف تنظيم القاعدة في العراق عام 2003 مع بداية الغزو الأمريكي، واعتُقل من قبل القوات الأمريكية وأُطلق سراحه عام 2011. قام بدمج جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة، وأنشأ ما يسمى بـ”هيئة تحرير الشام”.
يُعرف أن الجولاني سُجن في سجون العراق، وهو مطلوب للقضاء العراقي لقتله أبناء الشعب العراقي، مما جعله غير قادر على حضور القمة العربية في بغداد بسبب رفض الشارع العراقي، ولا سيما الحشد الشعبي، لحضوره.
إلا أن الجولاني، منذ إطلاق سراحه وتدريبه من قبل الأمريكيين، حاول الظهور كزعيم معتدل في أعين المجتمع الدولي، بينما يمارس سياسته الإرهابية في الداخل السوري وقمعه للأقليات بطرق وحشية وسط تعتيم إعلامي منسق بينه وبين داعميه.
سياسة الجولاني الإرهابية تفتك بالأقليات ❗
منذ أن تولى الجولاني قيادة “الجمهورية السورية”، يظهر كزعيم معتدل لا يفرق بين أطياف الشعب السوري، إلا أن ما يحدث اليوم في السويداء وبعض المحافظات التي تقطنها الأقليات، مثل العلويين والدروز، يكشف الأقنعة المزيفة للجولاني ويبين تطرفه وعداءه الواضح للأقليات. رغم التطمينات التي يبثها الجولاني عبر وسائل الإعلام لتلميع صورته السياسية، فإن هذه التطمينات لا تتحقق على أرض الواقع.
التهديد أصبح سياسة تعتمدها حكومة الجولاني. والجدير بالذكر أن الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط كان أول المهنئين للجولاني، فأخذ وعدًا منه بعدم المساس بالطائفة الدرزية في سوريا، ولكن ما الذي حدث؟ حدث العكس تمامًا، إذ أطلق الجولاني يد أتباعه في السويداء، وحدث ما كان يخشاه الجميع: قتل ونهب وإهانة لمشايخ الطائفة الدرزية.
ما يحدث مع الطائفة الدرزية اليوم يكشف أن التضييق عليها بالتحديد لم يكن عرضيًا، فالاعتقالات والاغتيالات لأسباب غامضة، وحالات الاختفاء بحق الأصوات الناشطة والرافضة لهيمنة هيئة تحرير الشام، ولا سيما البطش الذي يقوم به الأمن العام تجاه المواطنين في السويداء والدروز بالأخص. إلا أن الخيانة الكبرى للجولاني تتمثل في فتحه قنوات خلف الكواليس مع الكيان الصهيوني، وغض الطرف عن تحركات الكيان في حدود الجولان، التي تخدم مصالحه مع أمريكا والاحتلال، بينما يرفع شعارات الثورة في خطاباته أمام جمهوره، ليظهر كالبطل المنقذ في أعينهم.
إن قضية الدروز اليوم ليست قضية طائفية تبحث عن حماية، بل قضية شعب يتعرض للاستغلال والخيانة شأنه شأن أي مكون وقف في وجه التطرف والتبعية. الوقوف معهم اليوم ليس خيارًا أخلاقيًا وإنسانيًا فحسب، بل هو واجب وطني لردع كل من يحاول بيع الأرض والناس في أسواق العمالة.