القسم السياسي

تصريح نتنياهو… الختم الرسمي على مشروع «إسرائيل الكبرى» وخطة جسّ النبض قبل التوسع

✍️ نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:

 

رؤية “إسرائيل الكبرى” هي مفهوم سياسي-أيديولوجي صهيوني يشير إلى فكرة توسعية تهدف إلى إقامة دولة إسرائيلية تمتد على أراضٍ تتجاوز حدود {إسرائيل} الحالية، مستندة إلى تفسيرات دينية-تأريخية لبعض النصوص التوراتية وقراءات قومية صهيونية. 

 

فيما يلي تفاصيل هذه الرؤية بناءً على السياق التأريخي والسياسي والتصريحات الأخيرة:

 

1. الأساس الأيديولوجي والتأريخيّ

 

    • جذور المفهوم: يعود مفهوم “إسرائيل الكبرى” إلى الفكر الصهيوني المبكر، خاصة أفكار زعيم الحركة الصهيونية المراجعة زئيف جابوتنسكي، الذي أسس حزب “حيروت” (النواة الأساسية لحزب الليكود الحالي) عام 1925. جابوتنسكي دعا إلى إقامة دولة يهودية تشمل كامل الأراضي الفلسطينية وأجزاء من شرق الأردن الحديثة، مستنداً إلى تفسيرات توراتية مثل “أرض الميعاد” من نهر النيل إلى نهر الفرات (سفر التكوين 15:18).

 

    • ما بعد نكسة حزيران 1967: اكتسب المصطلح زخماً بعد حرب الأيام الستة عام 1967، عندما احتل الكيان الصهيوني القدس الشرقية، الضفة الغربية، قطاع غزة، شبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان. أصبحت هذه الأراضي جزءاً من تصور “إسرائيل الكبرى” لدى التيارات اليمينية الصهيونية، التي رأت في الاحتلال تحقيقاً لـ”الوعد الإلهي”.

 

2. النطاق الجغرافي

 

لا يوجد تعريف موحد للحدود الجغرافية لـ”إسرائيل الكبرى”، لكن التصورات تختلف بين:

 

    • التفسير الديني-التوراتي: يشمل أراضٍ تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، بما في ذلك فلسطين التأريخية، أجزاء من الأردن، لبنان (حتى نهر الليطاني)، سوريا (الجولان وما وراءها)، وشمال سيناء وشرق الدلتا المصرية.

 

    • التفسير القومي-السياسي: يركز على الأراضي التي كانت تحت الانتداب البريطاني على فلسطين (فلسطين وشرق الأردن)، مع ضم القدس الشرقية، الضفة الغربية، وغزة بشكل دائم، إلى جانب أجزاء من لبنان وسوريا.

 

    • الخرائط {الإسرائيلية} الرسمية: في يناير 2025، نشرت وزارة الخارجية في كيان العدو خريطة مزعومة تُظهر “إسرائيل التأريخية” تشمل أراضٍ من فلسطين، لبنان، سوريا، الأردن، ومصر، مما أثار انتقادات عربية واسعة.

 

3. التصريحات الأخيرة لنتنياهو

 

في مقابلة مع قناة “i24” العبرية بتاريخ 12 أغسطس 2025، أعلن بنيامين نتنياهو ارتباطه العميق برؤية “إسرائيل الكبرى”، واصفاً نفسه بأنه في “مهمة تأريخية وروحية” لتحقيق “حلم إسرائيلي” يمتد عبر الأجيال.

 

    • خلال المقابلة، قدم له المذيع شارون جال تميمة تحمل خريطة “إسرائيل الكبرى”، وسأله إن كان مقتنعاً بهذه الرؤية، فأجاب نتنياهو: “بالتأكيد”، مؤكداً أن هذه الرؤية تمثل رسالة للأجيال.

 

    • ربط نتنياهو هذه الرؤية بأحداث 7 أكتوبر 2023، مشدداً على ضرورة “النصر” ضد من وصفهم بـ”قتلة الإسرائيليين”، في إشارة إلى سياساته العسكرية في غزة ومناطق أخرى.

 

    • أشار إلى أن هذه الرؤية مدعومة بشريحة واسعة من المستوطنين، وليست مجرد فكرة متطرفة يتبناها وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

 

4. السياق السياسي والعملي

 

    • التوسع الاستيطاني: يُعتبر التوسع غير القانوني في المستوطنات بالضفة الغربية ومحاولات إعادة استيطان غزة ترجمة عملية لهذه الرؤية. وزير المالية سموتريتش دعا علناً إلى ضم الضفة الغربية وإقامة مستوطنات في غزة، مما يعكس استراتيجية لخلق “وقائع على الأرض”.

 

    • الدعم الأمريكي: رغم التوترات في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة منذ ولاية أوباما، إلا أن الدعم الأمريكي للاحتلال  يبقى قوياً، مما يشجع بعض التيارات الصهيونية على التمسك بهذه الرؤية. لكن مراقبون، مثل حاتم النعيمات، يرون أن التطبيق العملي لـ”إسرائيل الكبرى” مستحيل بسبب محدودية الموارد العسكرية والاقتصادية، إذ يحتاج الاحتلال  إلى 200 مليار دولار سنوياً و800 ألف جندي للسيطرة على هذه الأراضي، وهو أمر غير واقعي.

 

    • الاستراتيجية الجيوسياسية: يرى البعض أن العدو تستغل أحداث أكتوبر 2023 لتبرير سياساته التوسعية، مثل إقامة “مناطق أمنية” في غزة، جنوب لبنان، وسوريا، كجزء من استراتيجية “تغيير الشرق الأوسط”.لكن الواقع يؤكد أن النية بشأن “إسرائيل الكبرى”مبيتة من قبل عملية طوفان الأقصى. 

 

5. ردود الفعل العربية والدولية

 

    • إدانات عربية: أثارت تصريحات نتنياهو غضباً تعود عليه العرب في الإعلام العربي:

 

      • الأردن: وصف التصريحات بـ”الأوهام العبثية” وتهديد لسيادة الدول، داعياً إلى موقف دولي واضح.

 

      • السعودية: رفضت المشاريع التوسعية، مؤكدة على الحق الفلسطيني في دولة مستقلة.

 

      • قطر: اعتبرت التصريحات امتداداً لنهج الغطرسة وانتهاكاً للقانون الدولي.

 

      • فلسطين: أدانت الرئاسة الفلسطينية وحركة حماس التصريحات كاستفزاز خطير، داعية إلى قطع العلاقات مع {إسرائيل} ودعم المقاومة.

 

      • جامعة الدول العربية: وصفتها بـ”استباحة لسيادة الدول العربية” وتهديد للأمن القومي.

 

    • ردود دولية: أعرب رئيس وزراء نيوزيلندا كريستوفر لوكسون عن صدمته، معتبراً أن نتنياهو “فقد صوابه”، فيما دعت دول مثل بريطانيا وكندا وأستراليا إلى السماح بدخول المساعدات إلى غزة، محذرة من الأزمة الإنسانية.

 

6. التحديات أمام الرؤية

 

    • عدم الإجماع داخل كيان الاحتلال : ليست كل التيارات السياسية في فلسطين المحتلة تؤيد هذا المفهوم. التيارات اليسارية والوسطية ترى أنه غير واقعي وسيؤدي إلى عزلة دولية وصراع دائم، بينما يدعمه اليمين المتطرف وحركات المستوطنين مثل “غوش إيمونيم”.

 

    • الواقع الديموغرافي: السيطرة على أراضٍ تضم ملايين العرب تثير تساؤلات حول الطابع الديموغرافي لكيان الاحتلال، حيث يخشى البعض من فقدان الغالبية اليهودية.

 

    • المقاومة الإقليمية: المقاومة الفلسطينية، بدعم من محور المقاومة (إيران، حزب الله، وجماعات أخرى)، تمثل عائقاً رئيسياً أمام هذه الرؤية، كما أظهرت أحداث أكتوبر 2023.

 

    • القيود الدولية: قرارات مجلس الأمن 242 و338 تؤكد على احترام الحدود والسيادة الوطنية، مما يجعل التوسع مخالفاً للقانون الدولي.

 

7. الانتقادات والتحليل

 

    • منظور عربي: يرى المحللون العرب الغارقون في الشعارات فقط، أن تصريحات نتنياهو تعكس “جنون العظمة” وتغذيها حالة الضعف العربي، محذرين من أنها تهدد استقرار المنطقة.

 

    • منظور صهيوني: يرى البعض، أن هذه الرؤية ليست مجرد تصريحات شخصية، بل تعبر عن توجهات كتلة رئيسية فيما يسمى المجتمع {الإسرائيلي}  نحو التطرف الديني والقومي.

 

    • واقعية التطبيق: يشكك مراقبون في إمكانية تحقيق هذه الرؤية بسبب القيود العسكرية والاقتصادية، فضلاً عن مقاومة الشعوب العربية التي لن تقبل بالسيطرة الصهيونية .

 

أخيراً 

 

رؤية “إسرائیل الكُبرى”، كما أُعيد إحياؤها في تصريحات نتنياهو الأخيرة،  مشروع توسّعي يمزج بين الأيديولوجيا الصهيونية والطموحات الجيوسياسية، وهي خطة عدوانية شاملة تُمهّد لابتلاع ما تبقى من فلسطين والمنطقة. و جسّ نبضٍ اعتاد العدو ممارسته باستمرار قبل الإقدام على أي خطوة تالية، في ظل تواطؤ عربي رسمي مخزٍ يكتفي بإدانات لفظية جوفاء. أما ردود الفعل الدولية، رغم تحذيرها من خطورة هذه الرؤية كتهديد مباشر للسيادة الوطنية والأمن الإقليمي، فهي ما زالت عاجزة عن مجابهة الخطر، ما يجعل توحيد المواقف والمقاومة الفعلية الخيار الوحيد لوقف هذا المشروع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى