دروز سوريا وعلاقتهم بالاحتلال: مواطنون أم عملاء❗

حوراء المصري:
الطائفة الدرزية أو “الموحدون”، تعود أصولها إلى المذهب الإسماعيلي، أحد المذاهب الإسلامية، وتُعرف الطائفة الدرزية بتماسكها الداخلي، إذ يشوبها الكثير من الغموض بشأن تعاليمها الدينية والاجتماعية، ويعود ذلك لكونهم تعرضوا للاضطهاد فأختاروا عدم البوح بها.
يسكن الدروز بلاد الشام، ولا سيما سوريا، فيتمركزون في محافظة السويداء والجولان المحتل وبعض المحافظات مثل درعا وغيرها. يستند الدروز في كل مكان إلى ماضٍ عريقٍ لا تشوبه شائبة، فهم أحفاد ذلك العظيم “سلطان باشا الأطرش” وغيره من رجالات الدروز الأبطال، الذين كان لهم الكلمة والفعل المشرف في الحياة السياسية في بلاد الشام أيام الاحتلال الفرنسي، ويحسب لهم طردهم الاستعمار الفرنسي دون أي مساعدة خارجية.
الجدير بالذكر أن هذه الطائفة تعتمد اعتمادًا كاملًا على نفسها، وفي بعض الأحيان تطلب يد العون من حلفائها في المنطقة.
التحولات السياسية ودور الدروز فيها
لم تنجُ الطائفة الدرزية من التحولات السياسية التي طرأت على الساحة السورية، ولا سيما حرب 2011 التي شنها المعارضون لنظام الأسد، رغم الكثير من الضغوط التي كانت تعاني منها الطائفة الدرزية من أبناء الثورة، الذين كانوا يعتقدون أن الطائفة الدرزية كانت الأقرب للنظام، إلا أنهم حافظوا على موقف يميل إلى الحياد الحذر تجاه ما يعرف بالثورة السورية، خشية الوقوع في براثن الحرب الطائفية.
لم يدم هذا الحياد طويلًا، فمحاولة النظام فرض التجنيد الإجباري لشباب “جبل الدروز” جعلت الطائفة الدرزية تخرج عن صمتها وتقف ضد النظام، فنشأت حركة “مشايخ الكرامة”، التي أخذت على عاتقها الدفاع عن القرى الدرزية ورفضت مطالب النظام بتجنيد أبناء السويداء خارج المناطق الدرزية.
إن الحذر الذي كان يحيط بالدروز لم يفي بالغرض، فمنذ عام 2014 حتى 2018 تعرضت الطائفة الدرزية لحوادث أليمة، أبرزها مجزرة “قلب لوزة” في إدلب عام 2015. هذه الأحداث عمقت مخاوف الجماعات المسلحة، والتي لم تكتفِ بمجزرة 2015، ففي عام 2018 شن تنظيم داعش هجومًا على ريف السويداء وقتل مئات المدنيين، فضلاً عن خطفه النساء والأطفال، وإهانته لمشايخ الطائفة الدرزية بحجة “الكفر”. فالطائفة الدرزية كانت أولى الأقليات التي عمل داعش والنصرة على إبادتها ومحوها من سوريا.
دروز السويداء والجولان في مواجهة الجماعات المتطرفة
يتراوح عدد الدروز في سوريا بين 700 و800 ألف نسمة، مقسمين على عدد من المناطق السورية، أبرزها السويداء والجولان المحتل. ذكرنا سابقًا أن الدروز مجتمع متماسك ومترابط فيما بينهم، فعلى الرغم من احتلال العدو الصهيوني للجولان السوري، إلا أن علاقتهم ببعضهم لم تتضرر، بل زادت قوة وثباتًا.
سيطر العدو الغاصب على الجولان السوري عام 1967، والذي يعد موقعًا استراتيجيًا جنوب سوريا، يشرف على بحيرة طبريا وشمال فلسطين بأسره. الجدير بالذكر أن النظام السوري قام باسترجاع ثلث الجولان السوري.
لم يتخلَّ الدروز عن أرضهم رغم سيطرة المحتل ومصادرة بعض أراضيهم لإنشاء مستوطنات يهودية. حاولت سلطات الاحتلال إجبار الدروز على التخلي عن هويتهم السورية ومنحهم هوية صهيونية، إلا أن الغالبية العظمى رفضوا وتمسكوا بهويتهم السورية.
تدخل العدو الصهيوني في المناهج الدراسية وفرض مناهجه على مدارس الدروز وأهالي الجولان كافة، إلا أن الدروز واصلوا تعليم أبنائهم المناهج السورية كاللغة العربية والتاريخ السوري في إطار غير رسمي.
اشتهر دروز الجولان بزراعة التفاح والكرز ذو الجودة العالية، وكان يُصدَّر للأسواق السورية عبر معبر القنيطرة تحت إشراف الأمم المتحدة، وإن هذه الخطوة عكست تمسّكهم بأرضهم الأم “سوريا”.
كان نظام الأسد يلعب دورًا مهمًا في دعم اقتصاد الدروز في الجولان، فكان يشتري كميات كبيرة ويضخها في السوق السوري، مما منح دروز الجولان مصدر تمويل ثابت، وأبقى على الترابط الاجتماعي بينهم وبين سوريا رغم الاحتلال.
هذا التلاحم بين دروز سوريا والجولان المحتل لم يكن مجرد ترابط اجتماعي، بل امتد للحياة السياسية، ولا سيما في مواجهة عدوان الجماعات المتطرفة ضد دروز السويداء. وهذا ما شهدناه في الآونة الأخيرة بعد سقوط نظام الأسد، عندما حاولت هيئة تحرير الشام، التابعة للنظام السوري الجديد بقيادة “الجولاني”، الذي كان قائدًا لعدد من التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا، مواجهة أبناء الطائفة الدرزية من الجولان والسويداء لحماية نسيجهم الاجتماعي من الصراعات الدموية أو الطائفية.
إن ما أوصل الدروز لهذه المرحلة المصيرية هو غياب الأمن والأمان والعيش السلمي
ما يُعرف بهيئة تحرير الشام أنها تطمح للسيطرة والتفرد في حكم البلاد دون وضع أي اعتبار للأقليات والطوائف الأخرى، لذلك لجأ الدروز في الحرب الأخيرة في السويداء، والتي خاضوها مع الجماعات المسلحة أو ما يعرف بـ “الأمن العام”، إلى حليف إقليمي، ألا وهو الاحتلال الصهيوني الذي يقبع في الجولان المحتل.
الكيان الصهيوني: “ضمان أمني” أم “احتلال ممنهج”؟
ما رأيناه في الآونة الأخيرة من تدخل سافر للاحتلال الصهيوني في أحداث السويداء يظهر لنا الدوافع الخفية للمحتل من مساعدته دروز السويداء. العدو عرض نفسه كـ “حامي” يطمح لحماية أرواح المستضعفين والمدنيين من الدروز، من خلال تقديم المساعدة العسكرية والإنسانية والإغاثة للأطفال والنساء في السويداء.
إلا أن هذه الإغاثة ما هي إلا مصيدة نصبها الاحتلال لفرض سيطرته على الأراضي السورية بحجة مد يد العون للطائفة الدرزية. إن ما يرسم له الكيان الصهيوني مخططًا سياسيًا منظمًا يستهدف فتح علاقات مع أبناء الطائفة الدرزية وتجنيدهم لصالح سلطاته، لخدمة أجنداته السياسية في المنطقة، وذلك بهدف زعزعة أمن سوريا وبعض دول الجوار.
إن قبول الدروز بهذا الخيار، رغم رفضهم في السابق التعامل مع الاحتلال بكل أشكاله، يعود لعدة أسباب:
• انعدام الأمن بعد سيطرة المسلحين على نظام الدولة في سوريا.
• وعود الاحتلال بعدم المساس بالطائفة الدرزية.
• استغلال البعض الانقسام الداخلي بينهم.
• الخوف من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للدروز.
إلا أن هذه المساعدة عرضت الدروز للكثير من الانتقادات، وصلت إلى وصفهم بالعملاء وإلى اعتبارها ورقة ابتزاز أمني وسياسي، فضلاً عن استخدامهم في أمور تخدم مصالح الكيان الصهيوني في ملفات إقليمية.
في نهاية المطاف، إن من الظلم والتجني اتهام الدروز بالعمالة، ولكن واقع الحال من انعدام الأمن والأمان فرض عليهم التعامل مع المحتل، كما هو حال عرب 48 الذين قبلوا بالاحتلال وبالهوية الصهيونية لغياب بدائل، ومنعًا لتهجيرهم وانتزاع أراضيهم. فهذا الأمر كذلك ينطبق على أبناء المقاومة في غزة قبل السابع من أكتوبر، حيث كانوا يضطرون للعمل في مستوطنات الاحتلال في الزراعة والبناء من أجل تأمين لقمة العيش لأبنائهم. فلا يمكن فك التبعية للاحتلال إلا بقيام دولة موحدة تؤمن لأبنائها الحياة الكريمة، وتستخدم عملتها الخاصة بعيدًا عن تبعيتها الاقتصادية للعدو الصهيوني، عسى أن تتحقق الأماني.