العلاقة مع ايران تمنع تفكيك العراق !

نجاح محمد علي، صحفي وباحث مختص بشؤون إيران والمنطقة:
من بين دول الجوار ، يمتلك العراق أكثر ما يشترك فيه مع جمهورية إيران الإسلامية ، وتعتبر الجغرافية السياسية وسلامة أراضيه مهمة للجمهورية الإسلامية في أي مصير يصيبه ؛ لأنه يمكن أن يهدد بشدة أو يعزز الجغرافية السياسية والمصالح القانونية الدولية والأمنية لجمهورية إيران الإسلامية وبالتالي يؤثر عليها. لذلك ، فإن المطلوب دائماً شرح السيناريوهات المستقبلية للأزمة العراقية وتقييم وتحليل آثارها المتبادلة على المجالات القانونية الدولية والأمنية على الصعيد الاقليمي بشكل خاص والتعريف بدور جمهورية إيران الإسلامية في كل هذه التأثيرات الايجابية لصالح العراق.
وبالنظر إلى عوامل وقوى الدوافع الرئيسية وأهم حالات بث التفرقة والشكوك التي يمارسها المحور الأميركي الصهيوني سعودي لدق اسفين بين العراق وايران، فإن سيناريوهات التطورات المستقبلية في العراق التي تلقي بظلال قوية على العلاقات مع دول الجوار خاصة ايران هي: سيناريو عودة استعادة تنظيم داعش وصعوده مرة أخرى ، والانتخابات البرلمانية المقبلة والانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة وتوزيع القدرة والسلطة والمال والنفوذ بشكل عادل دون هيمنة فريق على آخر . سيناريو الاتفاق والوحدة بين العشائر والأديان العراقية وزيادة القوة الوطنية للعراق (عراق موحد وقوي) ؛ مقابل سيناريو تصعيد الانقسامات بين الحكومة المركزية والسنة والأكراد وبدء حرب أهلية واسعة النطاق ؛ سيناريو تفكك العراق إلى ثلاثة كانتونات(العراق المفكك).
من دراسة آثار كل من هذه السيناريوهات على الوضع القانوني والدولي والأمني ومصالح دول الجوار يبرز الدود الايجابي الذي يمكن أن تلعبه جمهورية إيران الإسلامية ، التي تتبنى السيناريو الأكثر تفضيلاً بالنسبة لها هو سيناريو عراق موحد قوي وديمقراطي . .
ويبدو من مجمل التحديات الكبيرة التي فرضتها الولايات المتحدة من خلال تواجدها غير المشروع في العراق ، أنها تسعى الى ايجاد حالة من انعدام الأمن بشكل مكثف ومتطور يتيح لداعش والبعثيين أن يكون لهم دور مباشر في زعزعة الأمن والوضع السياسي عشية انتخابات البرلمان وسط تسريبات وتلميحات وتصريحات وأماني عن تأجيلها ، ما يوجد أزمة جديدة ناجمة ترفع من رصيد الأعمال الإرهابية والعودة مجددا الى المربع الأمني الأول الذي كان يعتبر داعش أحد أهم التحديات الأمنية للمنطقة على مدى العقد الماضي ، لأن التطور المستقبلي للعراق بعد الانتخابات سيلعب دورًا مهمًا في رسم خطوط النظام الأمني لعموم هذه المنطقة.
إذن ، هناك قضايا مثل المستقبل السياسي للعراق في المنطقة ، تشكيل الحكومة المقبلة في العراق بعد الخروج من الأزمة الأمنية المفتعلة والتي يراد لها أن تتصاعد قبل الانتخابات ، أو التهديد مرة أخرى بسقوط بغداد على يد داعش مالم يخضع الشيعة للأجندة الأمريكية الجريئة التي تريد تفكيك الحشد الشعبي الشعبي و إقصاء المرجعية الدينية العليا ، والتخلي عن علاقة متميزة مع إيران كانت على الدوام منذ سقوط النطام السابق، لصالح العراق. .
هذه الأجندة تعمل عليها أيضًا الحكومة و جماعات متنوعة بينها بالطبع قوى من الشيعة نجح المحتل في تحييدها أو في ضمها الى أجندته التي تبرر بذرائع مختلفة ، ليس فقط بقاء القوات الأجنبية في العراق ، بل تسارع الى الدفاع عن جرائمها ، والتلويح بشن غارات جوية واغتيالات تستهدف قادة الفصائل و الحشد الشعبي وتضعه تحت عنوان (ضبط الأمن) .
في هذا الواقع ، يمكن للسيناريوهات المرتقبة فيما يتعلق بدور داعش الذين يتنامىى ويروج له سفراء غربيون ، أن تستكشف بشكل منهجي التحديات والفرص القادمة لتكون في خدمة استراتيجيات محور المقاومة والسياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية خصوصا تجاه العراق، لمواجهة النفوذ الصهيوني المتصاعد في المنطقة، خصوصاً بعد فقدان سوريا، و قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح المقاومة ، وتطورات السجال السياسي والضغوط الأمريكية بشأن قانون الحشد الشعبي في العراق.
ومنذ احتلال العراق عام 2003 ، سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق هدفها الأكبر المتمثل في تقسيم العراق إلى ثلاث اقاليم متباينة أو دويلات صغيرة.
هذه الاستراتيجية هي في الأساس إرادة الكيان الصهيوني، وهي عكس ما تريده ايران ، لأن “العراق الموحد” الذي تريده ايران يشكل تهديدًا لوجود النظام الصهيوني المحتل.
والهدف التالي للولايات المتحدة هو تفجير جسر التواصل بين الكتل الشيعية الممتد مع جمهورها من جهة ، و مع إيران من جهة اخرى ، هذا التواصل الذي تجسد في زيارة الأربعين العالمية ، تتويجاً لشعار (طريق القدس يمر عبر كربلاء) ، وبالتالي فإن الهدف الجاد لأمريكا كما كشفت وأكدت ذلك عمليتها العسكرية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية ، و هدف العدوان الصهيوني الذي استخدم أيضاً أجواء العراق ، هو إسقاط محور المقاومة الشيعي في الشرق الأوسط ، أو إضعافه مقابل تصعيد النفوذ الأمريكي الصهيوني الذي للأسف ، يتوائم مع محاولة خلق اقليم سني في غرب العراق ، والذي كان هدفه من الأساس، سد الطريق أمام المساعدات البرية من إيران إلى سوريا وفلسطين .
كيان الاحتلال أيضًا يتماشى في أهدافه المزعومة التي أعلن عنها الثلاثاء الماضي بنيامين نتانياهو من “النيل إلى الفرات” مع فكرة تقسيم العراق. وفقًا للعقلية الصهيونية و ما تنشره الصحف العبرية مثل هارتس، يُنظر إلى تفكك العراق على أنه سلاح للسيطرة على الشرق الأوسط واحتواء الدول الإسلامية، هكذا صرح وزير الحرب الصهيوني السابق موشيه يعلون و هو سياسي ورئيس أركان القوات المسلحة سابقا، ووزير الدفاع من 2013 حتى استقالته في 20 مايو 2016 : “مع تفكك العراق، حدود الشرق الأوسط ستتغير بالتأكيد”.
فماذا نحن فاعلون ؟!
وأي خيار سيتخذه العراقيون بعد الانتخابات في مسألة تحديد هوية الصراع مع الكيان الصهيوني ، و مع التقارب مع ايران التي تريد عراقًا مستقلًا قويًا يحول دون تحقيق ما يبشر به الصهيوني ..موشيه يعلون و ما صرح به نتنياهو ؟!