القسم السياسي

”عمان وغزة: إغاثة إنسانية وحسابات إقليمية“

✍️ حوراء المصري:

 

منذ ولادة المملكة الأردنية الهاشمية، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، نظراً لقربهم الجغرافي والروابط الاجتماعية بين الشعبين. خاض الجيش الأردني حرباً مع العصابات الصهيونية عام 1948، وعلى أثرها تمكن من الحفاظ على الضفة الغربية والقدس الشرقية لمدة لا تقل عن العقدين.

 

استقبلت الأردن مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين ولا سيما من قطاع غزة والضفة الغربية، وزاد الاهتمام عند تولي الملك “الحسين بن طلال” الحكم، إذ أظهر  نفسه كدافع عن الشعب الفلسطيني والقضية ككل. كان “الملك ” من المؤيدين لحل الدولتين والاعتراف بما أسماه حق الفلسطينيين في إقامة دولة تابعة لهم دون هيمنة الاحتلال الغاشم.

 

حرص الملك على تبني موقف يعتبره مؤيدوه، متوازناً،  بين دعم الفلسطينيين و “سلام” أمن المنطقة، ففي الحروب التي خاضها قطاع غزة ضد الكيان بقي “الحسين بن طلال” في وسائل الإعلام والتصريحات ، داعماً أساسياً، حيث اقتصر هذا الدعم على تقديم المساعدات الإنسانية، عبر القوافل أو عن طريق استقبال المصابين وتقديم الدواء لهم في الأردن. 

 

بقي موقف الأردن حتى يومنا هذا محكوماً بعوامل إقليمية معقدة، فوقعت عمان بين خيارين: إما أن تساند القضية الفلسطينية بشكل كامل وهذا ما يعرضها لنقمة الاحتلال الصهيوني، أو وقوفها موقفاً وسطياً دبلوماسياً مما يحفظ أمنها الداخلي.

 

استمر الموقف الأردني من القضية الفلسطينية حتى بعد وفاة الملك “الحسين” وتسنم نجله الملك “عبد الله الثاني” زمام الحكم في الأردن.

 

“القضية الفلسطينية في عهد الملك عبد الله الثاني”

 

منذ تولي الملك عبد الله الثاني السلطة في عام 1999، ظل محافظاً على موقف الأردن من القضية والشعب الفلسطيني، مؤكداً أن استقرار فلسطين مرتبط بشكل مباشر باستقرار الأمن الأردني.

 

على الرغم من أن الأردن دائماً ما يحرص على إظهار موقفه في الكثير من المحافل الدولية، إلا أن رأيه لا يزال يلقى الكثير من الانتقادات حول تأثيره السياسي المحدود أمام الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، ولا سيما في حرب غزة الأخيرة في 7 أكتوبر 2023.

 

منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في  أكتوبر  2023 والتي فضحت المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي اعترف به مؤخرا، بنيامين نتانياهو أي {إسرائيل الكبرى} ، لعب الملك عبد الله الثاني دوراً بارزاً في دعم العدوان عبر ممر بري  يعوض عن البحر الأحمر ، و مستمراً في “الوساطة الدبلوماسية” والاتصالات الدولية لوقف حرب غزة، حيث أدان الهجمات الصهيونية فضلاً عن رفضه لمحاولة الكيان تهجير أهالي القطاع وتوطينهم في دول الجوار، مؤكداً أن هذا الإجراء يهدد القضية الفلسطينية بل ويقضي على وجود الشعب الفلسطيني.

 

باءت  الجهود الدبلوماسية لـ “عمان” بالفشل بعد إصرار الاحتلال على توسيع الحرب واجتياح جيشه قطاع غزة واتساع رقعة الحرب، مما أدى لدخول محور المقاومة المتمثل بـ “حزب الله اللبناني وبعض الفصائل العراقية، والمقاومة اليمنية”.

 

قام محور المقاومة بشن هجماتٍ عدة تنوعت بين طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، والجدير بالذكر أن بعض هذه الهجمات كانت تمر بالأجواء الأردنية، مما أثار حفيظة الأردن ودفعها لاعتراض بعضها بحجة انتهاك سيادة الأردن. هذا التصرف جعل الشارع العربي يثور ضد الموقف الأردني ويصفه بالتواطؤ والمساندة للكيان، حيث وجد البعض أن عمان تظهر كحارس أمني للكيان الصهيوني، إلا أن التبرير الأردني يقول إن ما قامت به الأردن هو للحفاظ على أمنها وحدودها الإقليمية مع الاحتلال.

 

إلا أن دخول الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خط المواجهة ضد الكيان بعد قيام الاحتلال باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، غيّر مجرى الحرب ووسع العملية العسكرية لمحور المقاومة.

 

“دخول طهران على خط المواجهة…. الوعد الصادق“

 

منذ أن قام الكيان الغاصب بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أسفر عنه استشهاد عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا، توعدت إيران بردٍ قاسٍ، وجاء الرد في 13 أبريل 2024، حيث قصفت إيران بالطائرات المسيرة والصواريخ مواقع عسكرية حيوية لدى الاحتلال.

 

خلال تلك الهجمات المتبادلة بين الطرفين، ظهرت الأردن على الساحة من جديد باعتراضها صواريخ ومسيرات العملية الإيرانية “الوعد الصادق”، بذريعة الدفاع عن أمنها الداخلي وسيادتها. مما عرضها لموجة من الانتقادات من جديد، كونها تمتلك موقعاً جغرافياً يمنحها القوة الاستراتيجية واللوجستية في تقديم الدعم لمحور المقاومة.

 

“عمان وجهود الإغاثة“

 

منذ اليوم الأول لبدء حرب طوفان الأقصى، سارع الأردن إلى تقديم المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية عبر مستشفى ميداني في غزة، فضلاً عن إشراف الملك عبد الله شخصياً على إيصال المساعدات من خلال الإنزال الجوي الذي نفذه سلاح الجو الملكي الأردني، كما استقبلت المستشفيات الأردنية الجرحى وقدمت لهم الرعاية الطبية اللازمة. غير أن هذه الجهود الإنسانية تزامنت مع خطوة مثيرة للجدل، تمثلت في فتح الأردن ممراً برياً يتيح مرور السلع القادمة من الإمارات عبر السعودية وصولاً إلى الكيان الصهيوني، الأمر الذي أثار تساؤلات حول التناقض بين المواقف المعلنة في دعم غزة، والواقع العملي الذي منح الاحتلال متنفساً اقتصادياً في ظل الحرب.

 

في الختام، إن موقع الأردن الإقليمي المهم وعلاقته مع الكيان يحتم عليه ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية ضد الاحتلال لإجباره على القبول بحل الدولتين وإيقاف الاستيطان، وكذلك القيام بدور فعال من أجل التقريب بين حركتي حماس وفتح لقيام حكومة فلسطينية موحدة ترعى مصالح الشعب الفلسطيني وتنزع ذريعة الاحتلال بالتدخل في الشأن الفلسطيني، والعمل مع المجتمع الدولي من أجل إعادة إعمار غزة وإعادة الحياة فيها لسابق عهدها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى