مقالات الرأي

المحور الأول: اليمن المقاوم؛ من الانتفاضة إلى ترسيخ السيادة الثورية «القسم الثاني»

✍️ القسم السياسي:

 

في خلفية هذا الخطاب، كانت التحركات الجوية السعودية تحلق فوق البحر الأحمر المتوتر، بينما كانت الأساطيل الأمريكية في باب المندب تعيد حساباتها. لم يكن هذا الموقف مجرد بيان سياسي، بل كان تعبيراً عن جاهزية عسكرية وسياسية تظهر قدرة أنصار الله على التأثير في التوازنات الإقليمية.

خلال اثني عشر يوماً من المواجهة، لم يكن أي محلل عسكري قادراً على تجاهل تأثير وجود اليمن المسلح على ساحل البحر الأحمر. العمليات الرصدية، زيادة الجاهزية، التهديدات الصريحة بإغلاق المضيق، والمؤشرات الواضحة بأن صنعاء لن تكتفي بالمشاهدة إذا اندلع الصراع في طهران أو غزة أو جنوب لبنان، كانت بارزة. هذا الحضور الميداني جعل اليمن لاعباً رئيسياً في المعادلة، حيث أصبحت صنعاء نقطة جذب لقوى المقاومة ومركزاً لتحديد المواقف في اللحظات الحاسمة للصراع.

بعد الحرب: تثبيت معادلة جديدة

عندما توقفت الحرب ولم ينهار محور المقاومة، أثبت أنصار الله أنهم أحد أهم عوامل التوازن في هذه المعادلة. أصبحت صنعاء عمقاً استراتيجياً حيوياً لإيران، وجبهة تهديد مباشر للعدو الصهيوني من البحر الأحمر، وأداة ردع حقيقية للسعودية وحلفائها في المنطقة. هذا الدور لم يكن مصادفة، بل نتيجة سنوات من الصمود والتخطيط الاستراتيجي، الذي حول أنصار الله من حركة محلية إلى قوة إقليمية تؤثر في الحسابات السياسية والعسكرية في المنطقة.

علاوة على ذلك، أظهر أنصار الله أن ما يقدمه ليس مجرد «دعم معنوي» كما تفعل كثير من الأطراف، بل حضور عملي وتحرك فوري قائم على تحليل ميداني ورؤية سياسية واضحة. هذا الحضور جعله شريكاً لا يمكن تجاهله في أي مفاوضات أو ترتيبات إقليمية، قادر على فرض شروطه بدلاً من الخضوع لشروط الآخرين.

نحو معادلة ردع شاملة: أنصار الله شريك وليس تابعاً

لم يعد أنصار الله مجرد «حركة تمرد» أو «مجموعة محاصرة»، كما حاولت وسائل الإعلام الخليجية تصويره، بل أصبح نموذجاً لحركة تحررية قادرة على الإدارة، الرد، المواجهة، والمشاركة في صياغة السياسات الإقليمية. أظهر هذا أن الحركة قادرة على إدارة شؤون البلاد في ظل الحرب والحصار، من خلال إنشاء مؤسسات محلية، تقديم خدمات اجتماعية، وتطوير القدرات العسكرية، ما جعلها نموذجاً فريداً في المنطقة.

تجربة اليمن اليوم تقدم درساً واضحاً: عندما تُبنى المقاومة على الإيمان، السيادة، والإرادة الذاتية، فإنها لا تموت فحسب، بل تصبح محوراً. هذا الدرس ليس مجرد شعار، بل تجربة حية أثبتت أن الشعوب القادرة على الاعتماد على نفسها يمكنها تغيير توازن القوى حتى في مواجهة أقوى التحالفات الدولية.

في اليمن، محور المقاومة ليس شعاراً، بل ممارسة يومية تبدأ من خنادق الحديدة وتمتد إلى جدران يافا المحتلة. تجلت هذه الممارسة في قدرة الحركة على تحويل التحديات إلى فرص، وإصرارها على أن يكون اليمن لاعباً رئيسياً في المعادلة الإقليمية، لا هامشياً في خريطة الهيمنة العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى