مقالات الرأي

المحور الثاني: من الهوية العقائدية إلى المكانة الحضارية «القسم الثانی»

✍️ القسم السياسي:

 

اللغة السياسية اليمنية: فلسطين قلب الخطاب

لا يمكن الاستماع إلى خطاب السيد عبد الملك الحوثي دون أن تحضر فلسطين فيه. سواء في المحافل الداخلية أو في المواجهات العسكرية، الوعي الفلسطيني حاضر في وجدان أنصار الله، ليس مجاملة أو استثماراً سياسياً، بل كمسألة عقائدية تنتمي إلى جوهر المعركة التوحيدية الكبرى.

بينما كانت دول الخليج تبرر التطبيع مع العدو الصهيوني تحت شعارات «الاعتدال» و«السيادة»، أعلن عبد الملك الحوثي أن تحرير فلسطين «واجب عقائدي» وأن مواجهة الاحتلال الصهيوني «جزء من الكفاح ضد الشيطان الأكبر».

وبهذا المعنى، لم تعد صنعاء اليوم مجرد عاصمة عربية، بل موقع رائد في الدفاع عن القدس. يكفي النظر إلى شعارات الجماهير في صعدة وذمار وصنعاء لفهم عمق حضور قضية فلسطين في وعي هذا الشعب.


إيران في ذهن اليمنيين: دولة إسلامية لا مذهبية

على عكس محاولات الإعلام الخليجي تصوير العلاقة بين أنصار الله وطهران على أنها «تابعية مذهبية»، يحافظ الخطاب الرسمي والشعبي اليمني على فهم مستقل لطبيعة إيران كدولة مقاومة، لا دولة طائفية.

كلمات عبد الملك الحوثي عن الجمهورية الإسلامية تصفها دائماً بأنها «دولة ذات سيادة لم تخضع للهيمنة الأمريكية»، وتضعها جنباً إلى جنب مع الدول الحرة في العالم. الإعلام المقاوم اليمني يشير إلى «إيران الثورة» كامتداد طبيعي لخط رسول الله (ص)، لا كدولة ذات مذهب معين.


الرؤية التوحيدية تتجاوز الحدود المذهبية والوطنية

أبرز خصائص الخطاب المقاوم اليمني أنه لا يبني نظرته للمنطقة على خرائط سايكس-بيكو أو الانقسامات الطائفية والمذهبية، بل يتحرك من منظور توحيدي يعيد تعريف الهوية الإسلامية من منظور المقاومة.

هذه الرؤية لا تنتج خطاباً سياسياً مختلفاً فحسب، بل تولد عملاً ميدانياً يتجاوز الانقسامات الطائفية ويقدّم نموذجاً لـ«أمة إسلامية واحدة» تقاتل تحت راية واحدة، بغض النظر عن الهوية المذهبية أو الجغرافيا السياسية.


من الهامش إلى المركز: مكانة اليمن في محور المقاومة

على مدار السنوات الماضية، انتقل اليمن بثباته وخطابه وموقعه من هامش الحسابات الإقليمية إلى مركز المعادلة، وأصبح الآن له حسابات كثيرة، خاصة مع سيطرته على مضيق باب المندب وتحويل قواته المسلحة إلى قوة رادعة بحرية وجوية.

من الواضح أن أي عدوان جديد على إيران لا يمكن فهمه أو إدارته دون أخذ المتغير اليمني في الاعتبار. صنعاء لم تعد مجرد متأثر، بل تحولت إلى لاعب استراتيجي يشكل الأحداث ويشارك في اتخاذ قرارات الحرب والسلام، ليس فقط داخل اليمن، بل في كامل خريطة غرب آسيا.


الصرخة القرآنية: من نداء إلى عقيدة مقاومة ومشروع تربوي ثوري

عندما أطلق الشهيد القائد، السيد حسين بدر الدين الحوثي، صرخته الأولى: «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت للكيان الصهيوني، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، لم تكن مجرد شعار احتجاجي غاضب، بل إعلان ولادة مشروع مقاوم ذو جذور مستقلة ورؤية مميزة.

هذه الصرخة نشأت من قلب اليمن، تجاوزت الحدود المحلية، وكسرّت جدار الصمت العربي والدولي في ذلك الوقت. وصدرت في لحظة تاريخية كانت فيها المنطقة تحت ضغط الهيمنة الأمريكية، ويُروج للتطبيع مع العدو الصهيوني كمصير سياسي. جاءت هذه الصرخة لإعادة تعريف العدو والصديق، وتأسيس خطاب يقوم على البغضاء للمستكبرين والوفاء للمستضعفين.

لكن عظمة هذه الصرخة لم تكمن في قدرتها على التعبئة فقط، بل لأنها فتحت بوابة تربوية لمشروع الشهيد السيد حسين؛ مشروع أراد تحرير اليمنيين من واقع التبعية والتفرق والجهل، ورفعهم نحو وعي وعزة وسيادة.

في هذا المشروع، كان التعليم ليس نظرياً أو نخبوياً، بل ميدانياً وشعبياً. كان الشهيد القائد يعلم الشباب في المساجد والقرى والجبال، ويعيد بناء مفاهيم العقيدة والسياسة والجهاد وفق رؤية قرآنية وعملية، حيث يُدمج الإيمان بالعمل، والموقف بالمسؤولية.

وبذلك، تحولت «الصرخة» إلى عهد جماعي لأنصار الله، يجمع الفلاح في صعدة، والمجاهد في الجبهة، والمعلم في الصف الدراسي، لتصبح حجر الأساس لبناء وعي مقاوم يمني؛ وعي لم تستورد شعاراته من الخارج، بل نشأ من المعاناة الداخلية وتوجيه القرآن.

وبفضل هذا المشروع، لم تنشأ حركة سياسية فحسب، بل قامت جيل قرآني يعرف عدوه، يحمل سلاحه، ويُقدّم دماءه، دون أن يضل بوصلة الحق. جيل أدرك أن «التحرر من التبعية» يبدأ بالفكر، وأن الهزيمة لا تبدأ بالخسارة في المعركة، بل بصمت الضمير.

الصرخة القرآنية لم تكن مجرد احتجاج… بل ولادة أمة. أمة تصرخ وتقاتل، تقاتل وتبني، تبني وتستعد لمواجهة العدو… ووجهها نحو القدس، وقلبها مع طهران، وسلاحها بيدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى